بي بي سي تتحقق من مزاعم بانتهاك إسرائيل اتفاقية وقف إطلاق النار مع سوريا
بي بي سي تتحقق من مزاعم بانتهاك إسرائيل اتفاقية وقف إطلاق النار مع سوريا
- Author, لوسي وليامسون
- Role, مراسلة بي بي سي في الشرق الأوسط
اعتبرت الأمم المتحدة ما تقوم به إسرائيل من أعمال إنشائية بمحاذاة منطقة منزوعة السلاح على حدودها مع سوريا، بمثابة “انتهاكات خطيرة” لاتفاقٍ لوقف إطلاق النار عُمره 50 عاما.
وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها من أن تؤدي تلك الأعمال إلى تأجيج التوترات على الحدود بين البلدين في هضبة الجولان المحتل.
والتقطت أقمار اصطناعية صوراً لخنادق جديدة وسواتر ترابية أُنشئت في الأشهر القليلة الماضية بمحاذاة ما يُعرف بـ “منطقة الفصل”.
والتقطت كاميرا بي بي سي أعمالاً إنشائية قُرب بلدة مجدل شمس، وكذلك أعمال حفر جديدة في منطقة ريفية أكثر عُمقاً في سوريا من الجنوب.
ويُعتقد أن الأعمال في كلا الموقعين تجري في مناطق خاضعة لسيطرة إسرائيل.
وتقول قوة مراقبة فضّ الاشتباك التابعة للأمم المتحدة المعروفة اختصاراً باسم “يوندوف” من جهتها، إن غالبية الأعمال الإنشائية التي أقامتها إسرائيل لا تنتهك “منطقة الفصل”، على أن عدداً من الخنادق التي تُحفر تحت حماية الجيش تخترق تلك المنطقة.
كما أشارت قوة الـ “يوندوف” الأممية إلى دخول مركبات وعناصر تابعة للجيش الإسرائيلي إلى المنطقة المنزوعة السلاح.
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه
شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك
الحلقات
يستحق الانتباه نهاية
وأسفل بُرج للمراقبة بمعسكر زيوان التابع لقوة اليوندوف الأممية، يتعرّج سياجٌ إسرائيلي باتجاه سلسلة من الجبال البركانية؛ حيث يرفرف العلم السوري بين أشجارٍ خلف الموقع، مخبراً بالوصول إلى الجانب الآخر من منطقة الفصل.
وتتولى عناصر اليوندوف مراقبة الشريط الحدودي الذي يبلغ طوله 80 كيلومتراً (50 ميلاً) على مدار الساعة.
وفي حديث لبي بي سي، قال رئيس قوة اليوندوف، برنارد لي، إن خطين رئيسيين من الخنادق جرى حفرهما، إلى جانب ثلاثة خطوط أخرى ولكنها أقلّ طولاً، فيما يبلغ عرض كل منها ستة أمتار (20 قدماً).
وبحسب تقديرات برنارد لي، تصل بعض الخنادق إلى بضعة مواقع داخل منطقة الفصل، لكنه استدرك بالقول إنه لم يزُر بنفسه هذه المواقع.
ولم تتمكن قوة اليوندوف من تقديم دليل مرئي فوريّ على الانتهاكات الإسرائيلية المشار إليها، كما لم تتمكن بي بي سي حتى الآن من الحصول على إذن للاطّلاع أو للتصوير في مكان قريب من موقع المراقبة الخاص بالقوة الأممية.
وبالنظر إلى الصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية، فإنها لا تحوي تفاصيل كافية للتحقق بشكل مستقلّ من اتهامات الأمم المتحدة.
وكانت “منطقة الفصل” قد حُدّدت ضمن اتفاقية لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وسوريا في عام 1974، بعد احتلال إسرائيل لهضبة الجولان.
ونصّت الاتفاقية على بقاء قوات إسرائيل إلى الغرب مما يُعرف بـ “خط ألفا”، على أن تبقى القوات السورية إلى الشرق من خط “برافو”، الذي يمتد بمحاذاة منطقة الفصل.
وعلى نحو منفرد، ضمّت إسرائيل الجولان في 1981، في خطوة لم تحظَ باعتراف دولي، رغم اعتراف الولايات المتحدة بها على نحو منفرد أيضا في عام 2019.
وعلى هضبة الجولان، يعيش مستوطنون إسرائيليون، جنباً إلى جنب، مع نحو 20 ألف سوري، معظمهم من الدروز، ممّن ظلوا مقيمين في الجولان حتى بعد سيطرة إسرائيل عليها.
وعلى الرغم من وجود جماعات مسلحة مدعومة من إيران في سوريا، إلا أن الجبهة السورية حافظت على هدوئها بشكل نسبي بينما تخوض القوات البرية الإسرائيلية معارك ضارية في غزة ولبنان منذ نحو 13 شهراً.
ومع ذلك، تقول قوات اليوندوف الأممية إن السلطات السورية “اعترضت بقوة” على الأعمال الإنشائية الإسرائيلية الجارية في المنطقة، وقد قامت الأمم المتحدة مِراراً بنقل تخوفاتها إزاء “الانتهاكات الإسرائيلية” إلى المسؤولين بالجيش الإسرائيلي.
من جانبه، قال الجيش الإسرائيلي على لسان المتحدث الرسمي باسمه نداف شوشاني، إن الهدف من حفر الخنادق هو التحصّن من أي اختراقات تقوم بها جماعات مسلحة مدعومة من إيران في سوريا.
وفي حديث لبي بي سي، نفى شوشاني أنْ تمثّل الخنادق خرقاً أو انتهاكاً لاتفاقية وقف إطلاق النار.
وقال شوشاني: “هناك مسؤولون إسرائيليون يتواصلون مع الأمم المتحدة في هذا الصدد، وأستطيع أن أقول لكم إن الجيش الإسرائيلي يعمل على أراض إسرائيلية للتحصّن ضد أي اجتياح إرهابي، ولتأمين حدودنا”.
ومنذ هجمات السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023، باتت إسرائيل أكثر توجُّساً من أي اجتياح مباغت يأتيها من الجوار.
وفي ذلك يتساءل برنارد لي: “هل تمنع الخنادق تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين أول؟ نعم”.
ثم يضيف: “هل يمكن اجتياز تلك الخنادق بسيارات من طراز “بيك اب”؟ لا”.
لكنّ هذه الدفاعات التي تدشّنها إسرائيل على حدودها السورية غير قادرة على التصدي لتهديدات الطائرات المسيّرة والصواريخ التي تطلقها بانتظام جماعات مسلحة مدعومة إيرانياً في سوريا والعراق وغالبا ما تُسقطها الدفاعات الإسرائيلية.
ولا تعالج هذه الخنادق الإسرائيلية ذلك التهديد المتمثل في استخدام إيران للأراضي السورية لتهريب الأسلحة إلى حزب الله في لبنان.
يشير برنارد لي، إلى أن مهربّين يستخدمون بالفعل منطقة الفصل لتهريب السجائر والبضائع الإلكترونية بين سوريا ولبنان. ويستخدم هؤلاء المهربون في ذلك طريقاً قامت بتمهيده الأمم المتحدة.
يقول برنارد لي: “يتسلقون الجبل، ويدخلون منطقة الفصل ومعهم خيول محمّلة بأمتعة، أحياناُ يبلغ عددها ثمانية، ويقوم على حراستهم اثنان مسلحان، ثم يُفرغون ما في تلك الأمتعة من بضائع قبل أن تأتي إليهم سيارة من طراز بيك اب وتقلّهم من على الطريق الذي مهّدته الأمم المتحدة”.
ولدى سؤاله عن إمكانية استخدام هذا الطريق لنقل السلاح من سوريا إلى لبنان، أجاب برنارد لي: “هذا ما يخشاه الجيش الإسرائيلي”.
وأشارت إسرائيل من جانبها، إلى ما تقول إنه انتهاكات “يومية” من الجانب السوري على طول الحدود منزوعة السلاح.
وفي مايو/أيار، كتب سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، شكوى للأمين العام من انتهاكات سورية، بينها “وجود مسلح في المنطقة الفاصلة” بما يهدد بـ”تأجيج التوترات في منطقتنا المضطربة بالفعل”.
وتقوم جماعات مسلحة مدعومة من إيران بمساندة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بعد سنوات من الحرب الأهلية.
ولم تُبدِ هذه الجماعات رغبة في الانخراط في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب الله، وذلك رغم تواتُر الهجمات الإسرائيلية داخل سوريا مستهدفة مواقع وشحنات أسلحة تابعة لحزب الله وإيران.
ويقول فرحات، وهو سوري يمتلك نُزلا في هضبة الجولان المحتلة، لبي بي سي: “الوضع مرعب؛ عيوننا تترقب السماء أكثر مما تتطلع إلى خُضرة الأشجار. ثمة خوف هنا”.
نُزْلُ فرحات، الذي تحيطه البساتين، يطلّ على صفوف من الخنادق الجديدة بمحاذاة منطقة الفصل.
في ذلك يقول فرحات “هذا يعطينا شعوراً بالأمان. نستطيع أن ننام في سلام، لأن هناك مَن يحرس الحدود ويمنع الإرهابيين من العبور إلينا”.
وتنخرط إسرائيل في حرب ضد حليفَي إيران حماس وحزب الله على جبهتين من حدودها، وبعد مرور أكثر من عام على اندلاع هذه الحرب، ثمة توتّر يمكن رصْده على واحدة من أكثر جبهات إسرائيل هدوءاً وهي الجبهة السورية.
المصدر: صحيفة الراكوبة