عبدالهادي الحاج ترتيل أمير

في ظل الحرب التي شلت الدولة السودانية وأوقفت عمل مؤسساتها الرسمية، تحولت المطابخ التكافلية أو التكايا  إلى طوق نجاة لآلاف الأسر لاسيما في ولاية الخرطوم أكثر الولايات تضرراً، حيث كانت ولا زالت تمثل الملاذ الأخير في وجه الجوع، معتمدة على التكافل الشعبي والجهود التطوعية.

التكايا ليست ابتكاراً حديثاً؛ فهي ضاربة في جذور الثقافة الصوفية السودانية حيث ارتبطت بالخلاوي والزوايا، وكان الهدف منها إطعام الفقراء وعابري السبيل. هذا الإرث الروحاني والاجتماعي شكّل الأساس الذي استندت عليه التكايا الحديثة لتلعب دوراً أكبر في أزمنة الأزمات.

ومع اندلاع الحرب، تحولت التكايا من مبادرات خيرية متفرقة إلى شبكة إنسانية موازية، تديرها غرف الطوارئ بالتنسيق مع لجان الأحياء. في الخرطوم بحري وأم درمان وجبل أولياء، حيث انتشرت المطابخ التكافلية لتوفير وجبات جاهزة وسلال غذائية لمئات الآلاف من الأسر.

لكن التكايا تعرضت لضغوط كبيرة مع تقلص التمويل وارتفاع أسعار المواد الغذائية ووقود الطهي من غاز وفحم، إضافة إلى قرارات حكومية طالبت بحصر وتسجيل أنشطة المتطوعين؛ بعض المطابخ توقفت بالفعل في مناطق عديدة بولاية الخرطوم.

مآزق خارجية وداخلية

الحرب كشفت للسودانيين مدى هشاشة الاعتماد على الدعم الخارجي خلال أوقات الأزمات، حيث واجه آلاف السودانيين مأزقاً حاداً بعد التوقف المفاجئ للتمويل الدولي، خصوصاً الدعم المقدم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عبر برنامج الغذاء العالمي.

لم يقتصر الأمر على ذلك، فقد عمّقت القرارات الحكومية من أزمة الاستمرارية، حين اُجبرت المبادرات الطوعية على التسجيل الرسمي لدى مفوضية العون الإنساني، ما زاد القيود على عمل التكايا وخلق عراقيل إضافية أمام تقديم المساعدات في أوقات الأزمات.

وجد السودانيين أنفسهم ضحايا للخارج غير المُكترث والداخل غير المُبالي؛ والنتيجة إغلاق عشرات المطابخ الجماعية “التكايا” التي كانت المصدر الرئيس لتوفير الغذاء اليومي لمئات الآلاف من الأسر المتضررة.

عمّقت القرارات الحكومية من أزمة الاستمرارية، حين اُجبرت المبادرات الطوعية على التسجيل الرسمي لدى مفوضية العون الإنساني

لكن رغم هذه التحديات، يظل الأمل معقوداً على استمرارية التكايا باعتبارها نموذجاً سودانياً فريداً للتكافل الاجتماعي، مع اتجاه بعض المبادرات حالياً لتسجيل أنشطتها ضمن منظمات طوعية رسمية لضمان استدامتها وتوسيع نطاقها، واتجاه أخرى لبدائل تضمن لها استمرارية أنشطتها بعيداً عن الإجراءات الحكومية.

توسّع وتراجع

تشير البيانات إلى أن ولاية الخرطوم شهدت توسعاً وتراجعاً ملحوظاً في تجربة المطابخ التكافلية خلال العامين الماضيين، باعتبارها الوسيلة الرئيسية لمواجهة الأزمة الإنسانية الناتجة عن الحرب وانهيار الخدمات الأساسية.

ففي منتصف مايو 2025، قُدِّر عدد هذه المطابخ بنحو 600  إلى 800 مطبخ يعمل في مختلف محليات الولاية، بعد أن كان عددها لا يتجاوز 300  مطبخ فقط في مارس 2024. ويعكس هذا النمو المتسارع حجم الحاجة المتزايدة إلى توفير الغذاء للفئات المتضررة من الحرب.

ومن أبرز الجهات الداعمة، قام برنامج الأغذية العالمي بتوفير دعم مباشر لـ 110 مطابخ مع خطة للتوسع لتشمل 138  مطبخاً، حيث وفر البرنامج أكثر من 100  ألف وجبة يومياً خلال يوليو 2024.

إلا أن هذه الجهود واجهت تحديات كبيرة، أبرزها توقف نحو 150  مطبخاً في محلية شرق النيل في نوفمبر 2024 بسبب نقص التمويل والإمدادات.

لكن التحدي الأكبر كان في يناير 2025 حين توقف 44%من مبلغ 1.8 مليار دولار من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية مخصص للمساعدات؛ ما أدي لإغلاق حوالي 80% من 1460 مطبخاً في جميع أنحاء السودان، وكأثر مباشر للقرار  توقفت 70%  من المطابخ في محلية الخرطوم في فبراير 2025، و111 مطبخ في محلية جبل أولياء و300 مطبخ في محلية شرق النيل في ذات الشهر.

في يناير 2025 حين توقف 44%من مبلغ 1.8 مليار دولار من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية مخصص للمساعدات

ما يتضح من خلال هذه الإحصائيات أن عدد المطابخ في ولاية الخرطوم ارتفع من 300 إلى مارس 2024 إلى ما بين 600 إلى 800 في مايو 2025، وفي فبراير من ذات العام أُغلق حوالي 80% من 1460 مطبخاً على مستوى السودان، بينها 70% من مطابخ ولاية الخرطوم؛ وذلك بسبب وقف تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، منها 111 مطبخاً في جبل أولياء و300 مطبخ في شرق النيل.

وفي سبتمبر 2025 تُظهر تراجعاً حاداً، مثل توقف معظم مطابخ الحلفايا 12 مطبخاً سابقاً لم يتبق منها سوى مطبخ واحد. ما يُشير إلى نمو سريع من 300 مطبخ في 2024 إلى 600800 منتصف 2025، ثم تراجع حاد بعد وقف التمويل ليبقى جزء محدود فعال حالياً.

توزيع الطعام في تكية “فكة ريق”

توقف الدعم المالي وتأثيره

الصحفي والمراسل التلفزيوني عثمان الجندي، مؤسس مشروع تكية “فكة ريق”، قال إن مشروعه الذي انطلق مع بداية الحرب بمدينة أمدرمان ما يزال يواصل عمله الإنساني رغم التحديات “الاقتصادية واللوجستية” التي تواجه أنشطة الإغاثة.

وأوضح الجندي أن المشروع بدأ بتشغيل 10 تكايا في مناطق النزوح والعودة لتغطية احتياجات نحو 1200 أسرة. غير أن عدد هذه التكايا تراجع لاحقاً بعد سيطرة الجيش السوداني على ولاية الخرطوم الخرطوم وعودة كثير من الأسر إلى مناطقها، حيث توقفت 8 تكايا، فيما تواصل التكية الرئيسية نشاطها كل يوم سبت بتوزيع ما بين 50 إلى 75 سلة غذائية للأسر الأكثر تضرراً.

وأضاف: “يدير المشروع تكية خاصة بدار الفتيات فاقدات السند، بالتعاون مع منظمة سقيا وإطعام الخيرية والهلال الأحمر السوداني ومنظمة هيومن أبييل البريطانية، حيث تقدم هذه التكية دعماً غذائياً وصحياً لـ22 فتاة يقمن بإعداد الطعام داخل الدار”.

تراجع كبير في نشاط المطابخ التكافلية مؤخراً وذلك بعد توقف الدعم المقدم من برنامج الغذاء العالمي منذ أغسطس الماضي

أحد مشرفي المطابخ الجماعية في منطقة الحلفايا

أحد مشرفي المطابخ الجماعية في منطقة الحلفايا ببحري، كشف عن تراجع كبير في نشاط المطابخ التكافلية مؤخراً؛ وذلك بعد توقف الدعم المقدم من برنامج الغذاء العالمي منذ أغسطس الماضي، الأمر الذي أدى إلى تقليص العمل إلى يومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع بوجبة واحدة فقط.

وأوضح المشرف الذي فضّل حجب اسمه، أن الدعم السابق كان يصل إلى ما بين 7 و8 مليارات جنيه سوداني (ما بين نحو 2300 إلى 2600 دولار أمريكي) كل عشرة أيام عبر منظمات وسيطة، تُحوّل مباشرة إلى حسابات التجار لتغطية احتياجات نحو 85 مطبخاً في بحري، بينها 12 مطبخاً في الحلفايا، لم يتبق منها سوى مطبخ واحد يعمل حالياً.

وأوضح أن عودة أعداد كبيرة من السكان إلى الخرطوم مؤخراً ضاعفت من حجم الاحتياجات الغذائية، قائلاً: “إذا استطعنا الآن تغطية 60% فقط من الطلب المتزايد فهذا يُعد إنجازاً عظيماً”.

توقف التكايا في مدينة بحري… أثر بالغ على الأسر المتضررة

شكّل توقف التكايا في مدينة بحري خلال الفترة الماضية ضربة قاسية لآلاف الأسر التي كانت تعتمد عليها كمصدر رئيسي للغذاء اليومي، خاصة في ظل الأزمة الإنسانية المتفاقمة التي تشهدها مدينة بحري منذ اندلاع الحرب.

لقد كانت هذه… pic.twitter.com/qsfmpoOjVd

غرفة طوارئ بحري (@ba7riemrg) August 6, 2025

عمل في ظروف صعبة

الناشط الطوعي بمنطقة جنوب الحزام بالخرطوم، الفاتح حسين، أكد أن المطابخ الجماعية ما زالت تواصل عملها في تقديم الوجبات رغم الظروف الصعبة، موضحاً أن عدد المطابخ في منطقة الأزهري شرق وحدها بلغ 42 مطبخاً، فيما وصل العدد في مايو الماضي إلى أكثر من 30 مطبخاً، ليصل إجمالي المطابخ في جنوب الحزام إلى أكثر من 80 مطبخاً.

وأوضح حسين أن تكلفة تسيير المطبخ الواحد تصل إلى 400 ألف جنيه (نحو 130 دولار أمريكي) يومياً للوجبة الواحدة، وأشار إلى أن هنالك منظمات تعمل بشكل رئيسي مع المطابخ الجماعية في ولاية الخرطوم.

وأضاف أن العمل لم يتوقف، لكنه يخضع لترتيبات جديدة، لافتاً إلى دخول مجموعات تُعرف باسم “المقاومة الشعبية” على خط تسيير المطابخ في بعض المناطق رغم قلة خبرتها.

تكلفة تسيير المطبخ الواحد تصل إلى 400 ألف جنيه (نحو 130 دولار أمريكي) يومياً للوجبة الواحدة

ناشط الطوعي بمنطقة جنوب الحزام بالخرطوم

جانب من أنشطة تكايا منطقة جنوب الحزام بالخرطوم

عضو بغرفة طوارئ ولاية الخرطوم والمسؤول عن الاتصال الخارجي والتواصل مع المانحين، السنوسي آدم، أوضح أن أكبر التحديات التي واجهت العمل الإنساني تمثلت في توقف الدعم المقدم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهو ما انعكس بصورة مباشرة على سير الجهود الإنسانية.

من ناحيته قال مصدر مطلّع ذي صلة بالتمويل الخارجي للمبادرات الطوعية، إن برنامج الغذاء العالمي لدعم مشروع المطابخ الجماعية، انطلق في العام الماضي 2024 بالتعاون مع غرف الطوارئ.

وأوضح أن المشروع بدأ في محلية بحري بدعم 75 مطبخاً يخدم نحو 35 ألف مستفيد، وكانت المبالغ المخصصة كافية لتغطية الاحتياجات، حيث وصلت تحويلات برنامج الغذاء العالمي عبر غرف طوارئ بحري إلى نحو 700 مليار جنيه سوداني (أكثر من 233 ألف دولار أمريكي) شهرياً.

وأضاف المصدر الذي فضّل حجب إسمه لعدم التصريح له بالتحدث لوسائل الإعلام أن العمل استمر على ذات النحو خلال مطلع 2025 حتى شهر فبراير، ثم توسع في مارس ليشمل محلية جبل أولياء بعدد 6 آلاف مستفيد، مشيراً إلى أن التمويل لهذه المحلية كان بنسبة 100% نظراً لتصنيفها ضمن مناطق المجاعة.

وأكد أن مطابخ بحري تلقت إشعاراً من برنامج الغذاء العالمي بوقف الدعم اعتباراً من أغسطس، رغم أن المشروع كان مقرراً استمراره حتى نهاية ديسمبر 2025، ليكون شهر يوليو الماضي آخر شهر جرى فيه دعم مطابخ بحري.

وأضاف المصدر: “يتواصل حالياً دعم 91 ألف مستفيد في محلية جبل أولياء بالخرطوم حتى ديسمبر المقبل، رغم التحديات المرتبطة بتأخر التمويل الذي أدى أحياناً إلى تعطّل تقديم الوجبات لفترات تصل إلى عشرة أيام، إضافة إلى محدودية تنوع الغذاء”.

مطابخ بحري تلقت إشعاراً من برنامج الغذاء العالمي بوقف الدعم اعتباراً من أغسطس

مصدر ذي صلة بالتمويل الخارجي

المؤشرات تؤكد أنه منذ 2024 وحتى أوائل 2025 ظل برنامج الغذاء العالمي يدعم 110 مطبخاً بخطة للتوسع إلى 138، حيث وفر البرنامج 100 ألف وجبة يومياً  حتى يوليو 2024، في الخرطوم بحري وحدها دعم 75 مطبخاً يخدمون 35 ألف مستفيد، بتمويل يقارب 700 مليار جنيه سوداني شهرياً.

لكن في يناير 2025 توقفت 44% من تمويل 1.8 مليار دولار من تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، مما أدى لانهيار واسع، وفي فبراير 2025 حدث الإنهيار بإغلاق 80% من المطابخ المدعومة خارجياً.

وفي أغسطس 2025 توقف دعم برنامج الغذاء العالمي في الخرطوم بحري لأن آخر شهر دعم كان يوليو، لكن الدعم استمر لـ 91 ألف مستفيد في جبل أولياء بالخرطوم، ما يؤكد أن الدعم الخارجي كان كبيراً حتى منتصف 2024، لكنه تراجع جذرياً منذ مطلع 2025، وبات يغطي نطاقاً محدوداً  يشمل محلية جبل أولياء فقط حالياً.

توزيع الطعام في إحدى التكايا بالخرطوم بحري

دعم شحيح لكن مهم

المشرف في المطابخ الجماعية في منطقة الحلفايا بالخرطوم بحري أشار إلى أن التبرعات الأهلية محدودة للغاية، إذ لا تتجاوز 400 ألف جنيه (نحو 130 دولار أمريكي) خلال 10 أيام، وهو مبلغ يغطي بالكاد جزءاً بسيطاً من متطلبات التشغيل.

وبيّن أن المطابخ باتت تعتمد حالياً على الدعم الذي توفره غرف الطوارئ من جهات محلية وأجنبية، “دون معرفته بتفاصيل دقيقة حول مصادره”.

فيما أوضح الفاتح حسين، أن المطابخ في بداية الحرب اعتمدت على العون الذاتي من السودانيين بالخارج، قبل أن تنتقل لاحقاً للاعتماد على دعم المنظمات عبر غرف الطوارئ، حيث تُرسل مبالغ مالية متفاوتة أسبوعياً أو شهرياً بحسب عدد المستفيدين.

لكن عثمان الجندي أكد أن المتبرعين داخل السودان وخارجه أسهموا بشكل أساسي في العام الأول للحرب، إضافة إلى مؤسسات عامة وخاصة ومنظمات محلية وخارجية.

وأكد أن مشروعه يحتفظ بإشعارات بنكية وفواتير وصور توثيقية تثبت وصول الدعم وتخزينه تحت إشراف مباشر، مشيراً إلى وجود تنسيق متبادل مع التكايا الأخرى في تبادل الدعم بحسب الحاجة والأولويات.

وفي ذات الاتجاه يذهب السنوسي آدم، مؤكداً أن أبناء السودان في المهجر يمثلون المصدر الأكبر لدعم غرف الطوارئ والتكايا، إلى جانب مساهمات من منظمات محلية وعالمية، بينما يشكل الدعم من جهات خاصة النسبة الأكبر في تمويل الأنشطة.

نماذج إشعارات لتحويلات بنكية

تُظهر هذه الإفادات أن التبرعات الأهلية ظلت محدودة جداً لا تتجاوز 400 ألف جنيه (نحو 130 دولار أمريكي) كل 10 أيام في بعض المناطق مثل الحلفايا بالخرطوم بحري، رُغم أنه منذ بداية الحرب اعتمدت التكايا في بعض المناطق مثل أمدرمان على العون الذاتي من السودانيين بالخارج.

لكن في الوقت الحالي ربما بسبب توقف  دعم برنامج الغذاء العالمي أصبح المصدر الأكبر لبعض التكايا هو أبناء السودان في المهجر إضافة لمساهمات من المنظمات المحلية والدولية؛ رًغم تراجعه التدريجي بسبب الاعتماد الأكبر على المنظمات سابقاً.

لكن ذلك يُشير إلى أن الدعم الأهلي رغم ضعفه محلياً لكنه يبقى مؤثراً من السودانيين في الخارج، بينما يشكل حالياً نسبة أقل مقارنة بالدعم الدولي المتوقف.

قرار حكومي مُربك

في شهر مايو من العام 2025 صدر قرار من حكومة ولاية الخرطوم بضرورة تسجيل المبادرات الطوعية بمفوضية العون الإنساني، بحُجة تنظيم عمل المبادرات الطوعية التي تُشرف على عمل المطابخ مثل “غرف الطوارئ” وضرورة تسجيلها كإسم عمل طوعي لدى مفوضية العون الإنساني الحكومية، الأمر الذي لم تستجب له معظم تلك المبادرات.

ومثّل هذا القرار عائقاً إضافياً أمام استمرارية عمل المبادرات وأدى إلى تفاقم أوضاع آلاف الأسر التي كانت تعتمد عليها للحصول على وجباتها اليومية.

لم تصلنا أي قرارات رسمية بإغلاق التكايا، فقط طُلبت منا بيانات إحصائية عن الداعمين عبر لجان الأحياء

مؤسس تكية “فكة ريق” بأمدرمان

وحول تأثير القرار شدّد عثمان الجندي، على أن توقف بعض التكايا مؤخراً لم يكن نتيجة لقرارات حكومية، بل بسبب “عودة نازحين إلى مناطقهم”، إلى جانب ارتفاع أسعار الغاز والفحم وصعوبة الحصول على “الحطب” للطهي، وانهيار قيمة الجنيه السوداني، فضلاً عن عودة بعض المتطوعين إلى أعمالهم الخاصة.

وأضاف: “لم تصلنا أي قرارات رسمية بإغلاق التكايا، فقط طُلبت منا بيانات إحصائية عن الداعمين عبر لجان الأحياء، ونحن نعمل بصورة طبيعية”، مؤكداً أنه لم يتلق شكاوى من إدارات التكايا الأخرى بشأن أي إيقاف.

وفي السياق أشار الجندي إلى خطة لدمج مشروع تكية “فكة ريق” ضمن منظمة “جانا” الطوعية المسجلة منذ 2021، والتي أسسها مع عدد من الإعلاميين والناشطين منذ 2014، بهدف تعزيز الاستمرارية وتنظيم العمل الخيري بصورة مؤسسية أوسع.

 أكبر التحديات التي واجهت العمل الإنساني تمثلت في توقف الدعم المقدم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية

عضو بغرفة طوارئ ولاية الخرطوم

من جانبه أكد السنوسي آدم، بأن غرف الطوارئ ما تزال تواصل أنشطتها بصورة منتظمة في ولاية الخرطوم وعدد من الولايات الأخرى، رغم القرار الأخير الصادر عن حكومة ولاية الخرطوم عبر منظمة العون الإنساني بشأن تنظيم العمل الطوعي.

وأضاف أن “القرار الحكومي الأخير يستهدف حصر أنشطة الفاعلين في المجال الإنساني وإلزامهم بالتسجيل الرسمي”، غير أن غرف الطوارئ والتكايا لا تعتزم التسجيل باعتبار أن عملها يندرج تحت مادة “الجهد الشعبي” وفقاً للدستور السوداني.

وشدّد آدم، على أن هناك إجماعاً واسعاً وسط السودانيين على أهمية استمرار العمل الإنساني الذي رسّخ قيم التضامن الشعبي والعون الاجتماعي في ظل الحرب والأزمات المتلاحقة.

فيما أوضح المشرف في المطابخ الجماعية بمنطقة الحلفايا، أن المطابخ التكافلية تعمل كمبادرات شعبية بلا أسماء أو لافتات رسمية، مضيفاً أنه حتى غرف الطوارئ لم تُسجَّل لدى السلطات، لكنها واصلت عملها بعيداً عن قنوات الحكومة.

استمرار رغم القيود

الفاتح حسين، قال إن القرار لم يؤثر على عمل مطابخ جنوب الخرطوم، موضحاً: “لدينا خبرة في العمل الخدمي والتطوعي، وواصلنا أنشطتنا حتى خلال فترة سيطرة قوات الدعم السريع على المنطقة، ثم بعد دخول الجيش واصلنا العمل بالشراكة مع برنامج الغذاء العالمي، وهو ما منحنا شرعية إضافية لدى مفوضية العون الإنساني”.

ولفت حسن إلى أن الجيش ليست لديه مشكلة مباشرة مع غرف الطوارئ أو لجان المقاومة، وإنما مشكلته مع المساندين لقوات الدعم السريع، بينما تواجه غرف الطوارئ تحديات مع “الإسلاميين”، واصفاً ذلك بأنهم “الخطر الأكبر أمام استمرارية العمل الإنساني”.

نماذج لفواتير المواد الغذائية

لكن المصدر المطلّع بالتمويل الخارجي للمبادرات الطوعية، أوضح أن قرار حكومة ولاية الخرطوم بضرورة تسجيل المبادرات الطوعية بمفوضية العون الإنساني، أدي إلى مشكلات مع السلطات الحكومية في إيصال الدعم  خلال تلك الفترة؛ والتي رفضت خلالها السلطات الاعتراف بغرف الطوارئ لعدم تسجيلها رسمياً.

وأكد المصدر، على أن تلك الفترة شهدت فراغاً مؤقتاً بعد انسحاب غرف الطوارئ، قبل إعادة تنظيم العمل واستئناف تقديم الدعم بشكل مباشر، وإن مطابخ الخرطوم بحري توقفت كلياً منذ يوليو 2025، بسبب توقف التمويل، بينما يستمر الدعم في جبل أولياء حتى نهاية العام.

حاولنا التواصل مع مفوضية العون الإنساني بولاية الخرطوم للتعليق على القرار وتدعياته لم لم يتم الرد اتصالاتنا.

عائق إضافي

وفقاً للإفادات فإن القرار الصادر من حكومة ولاية الخرطوم في مايو 2025 المُلزم بتسجيل المبادرات الطوعية لدي مفوضية العون الإنساني حتى يتثنى لها مواصلة نشاطها رفضته معظم المبادرات بحجة أن عملها “جهد شعبي” أو تجاوزته بطرق أخرى.

لكنه خلق عائقاً إضافياً أمام وصول الدعم الأجنبي لأن بعض الجهات رفضت التعامل مع مبادرات غير مسجلة؛ الأمر الذي أدى إلى فراغ مؤقت بعد انسحاب جزء غرف الطوارئ، مما أثر على استمرارية عمل التكايا، لكن في مناطق أخرى مثل  جنوب الحزام، لم يكن القرار مؤثراً، حيث واصلوا العمل.

ذلك ما يشير إلى القرار لم يكن سبباً مباشراً لإغلاق التكايا، لكنه زاد من تعقيد إيصال الدعم الخارجي وأضعف قدرة المبادرات غير المسجلة على الاستمرار.

 


المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.