أطياف
صباح محمد الحسن
طيف أول:
“ستُهزم معارك العتمة والوحدة
وسيسكن الجوف فراغ اللحظة المشحون بالوهم العائم”..
كلمات خطاب القيادات الإسلامية مؤخرا أصبح لا يعبر عن واقع سياسي وعسكري ملموس، وعلى الرغم من إدراك هذه القيادات لانهيار تنظيمها وحزبها بشكل واضح، فإنها تلجأ إلى الخطاب الإعلامي كوسيلة لإيهام الرأي العام بأنها لا تزال حاضرة ومؤثرة، في محاولة لتثبيت وجود رمزي يتناقض تماماً مع الواقع.
فمنذ اندلاع حرب 14 أبريل، لم تحقق هذه القيادات أي مكاسب تُذكر، بل إن سعيها المحموم نحو السلطة لم يثمر سوى أرقام قياسية في القتل، والنزوح، والجوع، وتفاقم الفقر.
وفي الوقت الذي تستمر فيه في سرقة ونهب ثروات الشعب، وعلى رأسها الذهب، الذي أصبحت تعقد له صفقات مشبوهة لبيعه والتجارة فيه، مما يكشف حجم الفساد المستشري داخل منظومة السلطة، ويُظهر الدافع الحقيقي وراء حرصها على استمرار الحرب
فما يُنهب من ذهب يُستخدم في شراء المسيرات، التي يُقدّر ثمن الواحدة منها حسب إعلام الفلول بستة ملايين دولار.
فكم من هذه المسيرات تم شراؤها!! وكم خسر التنظيم من المسيرات في حربه منذ بدايتها وحتى سقوط آخر مسيرة!!
فالإجابة في إحصائيات الحرب بلا شك تكشف أن الطرف الأكثر خسارة من الطرفين العسكريين هو الطرف “الأصيل”، الذي تكبّد خسائر سياسية واقتصادية فادحة.
وبناءً عليه، فإن تصريحات الدكتور نافع علي نافع الأخيرة، التي تزعم أن “لا حل إلا عسكرياً”، ليست سوى دعاية إعلامية فارغة.
فثقل التصريحات لا يُقاس بما يُقال، بل بما يعكسه من واقع سياسي على الأرض
وفي ظل فشل التنظيم في وضع حد لنهاية الحرب وتفكيكه وانعدام التماسك بين تياراته، تصبح هذه التصريحات بلا قيمة تُذكر. فالحرب لا منتصر فيها، والتصريحات التي لا تستند إلى واقع ملموس، لا تصنع وزناً سياسيا، ولا تُعيد شرعية مفقودة.
وتصريحات نافع هي محاولة لتقديم التنظيم وكأنه لا يزال فاعلاً ومؤثراً في المشهد السياسي السوداني.
غير أن هذه التصريحات، لا تعدو كونها دعاية سياسية فارغة تهدف إلى إعادة إحياء صورة تنظيم فقد الكثير من نفوذه ومصداقيته.
فمنذ اندلاع النزاع في السودان، يدعو حزب المؤتمر الوطني المحلول لاستمرار الحرب لأنه لن ينجح في تقديم رؤية سياسية متماسكة أو مبادرة فعلية تساهم في وقف الحرب أو التخفيف من آثارها.
وذلك ليس له؛ لأنه صانع الحرب، ومهندسها والمستفيد الأول من استمرارها، ولكن لأن غياب التنظيم عن أي دور سياسي حقيقي يكشف عن تراجع كبير في قدرته على التأثير في القرار. والسياسي قوّتِه ليست في الوقوف خلف الدبابة والبندقية، ولكن أن يكون له تأثير في ساحة سياسية يعمها السلام، وصاحب المكانة السياسية والقوة والتأثير هو الذي يدعو للسلام، ويستطيع أن يجعله واقعا يحقق به تطلعات وأحلام الشعب، ولكن الدعوة إلى استمرار الحرب هي حديث الضعيف الذي لا يملك من القوة إلا السلاح
هذا الفشل السياسي يعكس أزمة أعمق داخل التنظيم نفسه، الذي بات عاجزاً عن مواكبة التحولات الجذرية في البلاد.
وتطرح التصريحات تساؤلات حول أهدافها الحقيقية. فهل هي تعبير عن قناعة سياسية، أم مجرد محاولة لتأكيد أن التنظيم لا يزال موجوداً؟ يبدو أن هذه التصريحات تخدم هدفاً دعائياً أكثر من كونها تعكس موقفاً استراتيجياً.
الدعوة إلى الحل العسكري في ظل كارثة إنسانية متفاقمة، لا تعكس إلا انفصالاً عن الواقع، وتجاهلاً لمعاناة الشعب السوداني. فما تكشفه هذه التصريحات هو أن الحزب المحلول يعيش عزلة سياسية متزايدة، سواء داخل السودان أو خارجه. فبعد سنوات من النفوذ، بات التنظيم يفتقر إلى الحلفاء، ويعاني أزمة شرعية شعبية.
وفي ظل هذا التراجع، تلجأ بعض قياداته إلى إطلاق تصريحات مثيرة للجدل، علّها تعيد إليهم بعض الضوء الإعلامي المفقود، ولكن لا نجومية سياسية تحت سماء الحرب.
طيف أخير
كشف بعض أوجه الفساد في ظل سلطة كلها فاسدة، هو فقط كشف للصراعات الداخلية لتيارات صغيرة تضرب بعضها، وتستخدم أعلامها
فذات الإعلام الكيزاني الذي يتحدث الآن عن الفساد في دوائر معينة، لا يستطيع أن يكشفه في دوائر أخرى، ولو امتلك كل المعلومات.
أليس كذلك؟!..
المصدر: صحيفة التغيير