بعد 80 عاما على تحرير أشهر معسكرات النازية، هل اختلفت الصورة في عام 2025؟
- Author, كاتيا أدلر
- Role, بي بي سي
“إن رؤيتي معسكر اعتقال واستماعي لقصص ناجين من ويلاته، يوضّح الصورة أكثر من أي شيء. وهذا هامٌ بالنسبة لشاب في مثل سني؛ فعمّا قريب سيحقّ لنا التصويت في الانتخابات. واليمين المتطرف يكتسب أرضية يوما بعد يوم في ألمانيا، ونحن بحاجة إلى التعلّم من دروس الماضي”.
هكذا تحدّث خافيير، وهو طالب ألماني يبلغ من العمر 17 ربيعا.
التقيتُ خافيير في مركز تثقيفي بمعسكر داخاو، جنوبي ألمانيا، في نفس المكان الذي كان ذات يوم معسكر اعتقال يحمل الإسم نفسه.
كان خافيير وزملاؤه في الدراسة يقضون يومين في المعسكر، حيث يتدارسون تاريخ النازية في بلادهم ويناقشون فيما بينهم أثر تلك النازية في عالم اليوم.
مليكة، ذات الـ 18 ربيعا، أقرّت أنها لم تكن تعرف الكثير عن الهولوكوست، أو محرقة اليهود، قبل أن تأتي إلى معسكر داخاو.
تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
قصص مقترحة نهاية
تقول مليكة إن الاستماع إلى إيفا أوملوف، الناجية من المحرقة، وهي تحكي ما حدث، لمس قلبها.
وتأمل مليكة لو يكثر التثقيف بشأن العنصرية وعدم التسامح، قائلة: “أنا أرتدي وشاحاً، والناس عادة ما يرفضون ذلك. نحتاج إلى أن نعرف أكثر عن بعضنا البعض، بحيث نستطيع التعايش بشكل أفضل”.
ميغيل، حذّر من تنامي العنصرية ومعاداة السامية عبر منصات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك النِكات بشأن الهولوكوست. لتقاطعه إيدا، صديقته ذات الـ17 ربيعا قائلة: “نحن بحاجة إلى إنهاء ذلك”.
“إننا آخر جيل يمكنه أن يلتقي ويستمع إلى ناجين من هذه المأساة. يجب علينا أن نتأكد أن الجميع قد أُبلغ بأن عليه التوقف عن أي شيء من هذا القبيل”.
إنهم شباب جاد وواعِد. وقد يرى البعض أنهم سُذّج وعديمو الخبرة.
في أوروبا، وبعد مرور 80 عاما على نهاية الهولوكوست، تعاني المجتمعات حالة من الانقسام المتزايد على ما يبدو.
وتشهد أحزاب اليمين المتطرف واليسار المتطرف في أوروبا زخماً، وتسارع هذه الأحزاب إلى تمييز الآخرين، الغرباء، وغير المرغوب فيهم سواء كان هؤلاء مهاجرين أو مسلمين أو منتمين إلى مجتمع الميم، أو كانوا يهودا.
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه نهاية
تقول إيفا أوملوف، الناجية من الهولوكوست: “أرغب أن يعيش الجميع معا يهودا أو كاثوليك، سُوداً، بِيضاً، أو أيّا ما كانوا”.
وتحكي إيفا قصة الهولوكوست، على سبيل التحذير مما يمكن أن يقع عندما تسود العنصرية وعدم التسامح، قائلة: “لهذه الغاية، أكرّس وقتي للحديث، للحكي، للسرد”.
إيفا الآن في عقدها الثامن، وقد كانت أصغر رفقائها الذين حُرّروا من معسكر الإبادة النازي، أوشفيتس، قبل 80 عاما.
وقد وضعتْ إيفا أوملوف كتاباً ضمّنتْه خبراتها، وهي كثيراً ما تحكي عن معسكرات الموت ومعاداة السامية لمن تجالسهم، سواء في البيت أو خارجه، هذا فضلاً عن كونها مُعالِجة نفسية للأطفال.
“مصانع الموت” هو عنوان فيلم أنتجته وزارة الدفاع الأمريكية، وأذاعته للمدنيين الألمان بعد الحرب.
والفيلم عبارة عن عدد من المشاهد المصوّرة التُقطت عند تحرير معسكرات الاعتقال التي كان عددها يناهز الـ 300 معسكر، والتي كانت تخضع لإدارة النازيين وحلفائهم خلال الفترة ما بين 1933 وحتى 1945.
هياكل بشرية تتحرك عارية برؤوس حليقة وعيون غائرة، يتعثرون أمام الكاميرا. رجل يقضم عظمة لا أثر للّحم عليها، في إشارة إلى الجوع الشديد. أكوام من الجثث تقبع في جنبات المكان؛ ووجوه ضامرة تصرخ فاغرةً أفواهها.
وفي كل مستودع من المستودعات، يمكن مشاهدة أسنان ذهبية موسومة، ونظارات قراءة، وأحذية كانت مِلكاً لرجال ونساء وأطفال قبل أن يُقتلوا. وضفائر من الشَعر تمّ قصّها من رؤوس نساء، وقد جُمعتْ تلك الضفائر وجُهّزتْ للبيع لحساب النازيين.
“جسمي يتذكّر ما نسيَتْه ذاكرتي”
استخدم النازيون معسكرات الاعتقال والموت من أجل قتل الأشخاص الذين صُنّفوا كـ “أعداء للرايخ” (الجمهورية الألمانية في زمن النازيين)، واستحياء الآخرين لكنْ مع إجبارهم على العمل بالسُخرة كالرقيق، باعتبارهم بشراً “من الدرجة الثانية”. وهذه الفئة تتضمن البولنديين الأصليين، والرومانيين، وأسرى الحرب من السوفييت، والمعاقين، وغيرهم من الموصومين بسبب ميولهم الجنسية، فضلاً عن الهدف الأكبر على الإطلاق وهم اليهود الأوربيون.
وإجمالاً، قُتل ستة ملايين يهودي فيما أصبح فيما بعد معروفاً باسم الهولوكوست. وهذه الأعداد جرى حسابها اعتماداً على وثائق النازيين، وبناءً على البيانات السُكانية قبل وبعد الحرب.
وقد نُحِتَ مصطلح “إبادة جماعية” بشكل قانوني وأُقرّت هذه العملية بوصفها جريمة دولية، في أعقاب وقوف العالم على حجم وبشاعة عمليات القتل الجماعية التي استمرت بجنون مسعور حتى بعد خسارة الألمان للحرب.
إن مصطلح الإبادة الجماعية يشير إلى أفعال ارتُكبت بقصد التدمير، كُلياً أو جزئيا، على أساس وطنيّ أو إثني أو عِرقي أو ديني.
ومعسكر اعتقال أوشفيتس، ربما كان أشهر معسكرات النازيين. وما ارتُكب فيه من فظائع تمثّل رمزا للهولوكوست بشكل عام.
1.1 مليون شخص قُتلوا في معسكر أوشفيتس، بينهم مليون يهودي، ومعظمهم تم تسميمهم جماعياً في أفران غاز، ثم أُحرقت جثثهم في محرقة ضخمة، وقد أُعطي رماد هؤلاء الضحايا للمزارعين المحليين لاستخدامه كسماد زراعي.
تقول إيفا أوملوف للطلاب: “كنت صغيرة جدا، بحيث لم أكن أدرك معظم ما يجري من حولي في معسكر أوشفيتس، لكن ما نسيَتْه ذاكرتي لا يزال جسمي يتذكره”.
وهنا أخذ الطُلاب يرهفون السمع، فلم يُطرف أحد ولم ينظر إلى هاتفه الذكي، حين أوضحت إيفا أن لهما رقماً موشوماً بلون أزرق على ذراعها.
وكان هذا الوشم إجباريا على كل نزلاء معسكر أوشفيتس ممّن لم يُحكم عليهم بالإعدام خنقاً بالغاز، وجرى اختيارهم بدلا من ذلك للعمل في السُخرة أو للخضوع للتجارب الطبية.
ولكن “لماذا اختاروا أن يوشموا طفلة عمرها عامان؟” تتساءل إيفا، وتقول إنها لا تجد سوى إجابتين لهذا السؤال: الأولى هي أن “أبناء الجنس المتفوق” أي النازيون بحسب مفهومهم عن أنفسهم لم يكونوا يعتقدون أن اليهود ينتمون للجنس البشري.
في نظر النازيين “كنا جرذانا، بشراً من الدرجة الثانية. كانوا يحطّون تماما من شأننا. ومن ثمّ لم يكن يعنيهم كثيرا ما إذا كنتَ ابن عامين أو ابن ثمانين عاما”.
هل اختلفت الصورة في عام 2025؟
ديبورا ليبستات، أستاذة جامعية ومؤرخة أمريكية، كانت المبعوثة الخاصة للرئيس الأمريكي السابق جو بايدن لمراقبة معاداة السامية ومكافحتها.
تقول ديبورا إن معاداة السامية عبر الإنترنت، جنباً إلى جنب مع الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام) وغير ذلك من أشكال التمييز، يتم توظيفها من قِبل أطراف خارجية مثل روسيا وإيران والصين، من أجل زرْع بذور الفُرقة في المجتمع سعياً وراء أهدافهم ومخططاتهم.
ديبورا، تحدثت كذلك عن انتعاش معاداة السامية حول العالم، لا سيما بعد العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة التي خلّفت عشرات الآلاف من القتلى الفلسطينيين، وجاءت رداً على هجوم السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023 الخاطف الذي قامت به حركة حماس الفلسطينية.
وتلفت ديبورا ليبستات النظر إلى أن تبعات العمليات العسكرية الإسرائيلية عادة ما تُلقى على عاتق كل اليهود حول العالم.
وتؤكد ديبورا أنه من غير المعقول تحميل كل يهود العالم مسؤولية قرارات تتخذها حكومة دولة إسرائيل. هذه عنصرية.
“أماديو أنطونيو”، هي مؤسسة مناهضة للتطرّف، تجمع معلومات عن حوادث معاداة السامية في ألمانيا، رصدتْ الشهر الماضي رسماً جداريا “غرافيتي” على جدار كنيسة وكذلك على جدار مبنى البلدية في لانغناو بمنطقة ألب دانوب، يدعو إلى مقاطعة إسرائيل وإلى تسميم اليهود بالغاز في إشارة إلى أفران الغاز النازية في الهولوكوست.
جدير بالذكر أن الطريق إلى معسكر اعتقال أوشفيتس والهولوكوست لم يبدأ بتسميم اليهود؛ وإنما كانت بدايته بتهميشهم على مدى قرون في أوروبا.
الأمين العام لمؤتمر الحاخامات الأوروبي، غادي غرونيش، يحذّر بدورِه من أن استهداف الأقليات الآن صار مجددا اتجاها سائدا، وأن المجتمعات المسلمة في أوروبا تحمل المشعل في هذا الاتجاه. ويُعرب غرونيش عن صدمته من مستوى معاداة السامية التي يشهدها بنفسه.
وأخيرا، فإن إحياء ذكرى تحرير معسكر اعتقال أوشفيتس هذا العام، يُنظر إليها بأهمية استثنائية؛ كونها قد تكون الأخيرة التي يحضرها ناجون من هذا المعسكر ويحكون لنا ذكرياتهم عمّا شاهدوه بأنفسهم من أهوال، ثم يسالوننا بدورِهم: ما الذي نتذكره اليوم من خبر هذه المعسكرات النازية، وأيّ الدروس التي من الواضح أننا نسيناها بالفعل؟
المصدر: صحيفة الراكوبة