سلّمت فرنسا رسمياً، الخميس، آخر قواعدها العسكرية في السنغال خلال مراسم تاريخية في دكار، مثّلت نهاية الوجود الدائم للجيش الفرنسي في البلاد، وأيضاً في وسط أفريقيا وغربها.

ويأتي هذا الانسحاب الفرنسي الذي بدأ خلال السنوات الأخيرة، فيما تواجه منطقة الساحل هجمات إرهابية متزايدة في مالي، بما فيها هجوم وقع أخيراً قرب السنغال، وكلٍّ من بوركينا فاسو والنيجر.

وبعد تسليم القاعدة في دكار، الخميس، ستكون جيبوتي الدولة الصغيرة الواقعة في القرن الأفريقي الموطن الأفريقي الوحيد لقاعدة عسكرية فرنسية دائمة. وتعتزم فرنسا جعل قاعدتها في جيبوتي، التي تضمُّ نحو 1500 جندي، مقراً عسكرياً لها في أفريقيا.

مراسم التسليم

وأُقيمت مراسم التسليم، صباح الخميس، في دكار بحضور رئيس أركان القوات المسلحة السنغالية الجنرال مبايي سيسي، والجنرال باسكال ياني، رئيس قيادة الجيش الفرنسي في أفريقيا. وعَدّ سيسي أن هذه المراسم تُمثّل «نقطة تحول مهمة في التاريخ العسكري الغني والطويل بين بلدينا».

وأكّد في كلمته أن هذا الانسحاب «يأتي بعد أشهر من المحادثات الودية والأخوية بشأن إعادة آخر قاعدتين عسكريتين»، مشيراً إلى أن الجيشين «حدّدا أهدافاً جديدة لتعزيز الشراكة الأمنية» بين البلدين.

 

رئيس أركان القوات المسلحة السنغالية ورئيس قيادة الجيش الفرنسي خلال مراسم تسليم القاعدة العسكرية بدكار في 17 يوليو (أ.ف.ب)

 

من جهته، تحدّث ياني عن «العلاقة الخاصة والضرورية لدول المنطقة» بين الجيشين الفرنسي والسنغالي، مُعرباً عن «فخره بالواجب الذي تمّ إنجازه». وأضاف: «نحن نُجري تغييراً هيكلياً لوجودنا في أفريقيا. هذا التغيير ضروري، علينا إعادة صياغة شراكاتنا في أفريقيا (…) وهذا يتطلب نهجاً مختلفاً: علينا أن نتصرف بشكل مختلف، ولم نعد نحتاج إلى قواعد دائمة لهذا الغرض»، كما نقلت عنه «وكالة الصحافة الفرنسية».

أقوى الحلفاء

يعود الوجود الفرنسي الدائم في السنغال إلى سنة 1960، وهو العام الذي حصلت فيه البلاد على استقلالها. ومنذ 2022، أنهى الجيش الفرنسي وجوده الدائم في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد والغابون؛ حيث أصبحت القاعدة الفرنسية بمثابة «مُعسكر مشترك» غابونيفرنسي، يُركّز على التدريب. ويُمثّل هذا اليوم النهاية الرسمية لوجود «العناصر الفرنسيين في السنغال»، الذين بلغ عددهم 350 جندياً كانت مهمتهم الرئيسية إجراء نشاطات شراكة عسكرية عملياتية مع القوات السنغالية.

 

قوات سنغالية خلال مراسم تسليم القاعدة العسكرية بدكار في 17 يوليو (أ.ف.ب)
قوات سنغالية خلال مراسم تسليم القاعدة العسكرية بدكار في 17 يوليو (أ.ف.ب)

 

وبدأ الانسحاب الفرنسي في مارس (آذار) الماضي، وأعاد الجيش الفرنسي عدداً من المنشآت للسنغال منذ مطلع مارس. ويقع «معسكر غاي» في منطقة أواكام في دكار، ويضمُّ مركز قيادة هيئة الأركان المشتركة، ووحدة التعاون الإقليمي.

وبعد استقلالها، بقيت السنغال واحداً من أقوى الحلفاء الأفارقة لفرنسا، القوة الاستعمارية المهيمنة السابقة في غرب أفريقيا، لكن القادة الجدد الذين تولوا السلطة في أبريل (نيسان) 2024 تعهّدوا بمعاملة فرنسا على قدم المساواة مع الشركاء الأجانب الآخرين، باسم استعادة السيادة.

استعادة السيادة

أعلن الرئيس السنغالي باسيرو ديومايي فايي، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، أن الوجود العسكري الفرنسي والأجنبي على الأراضي الوطنية سينتهي بحلول عام 2025. وقال إن «السنغال دولة مستقلة، وهي دولة ذات سيادة، والسيادة لا تسمح بوجود قواعد عسكرية في دولة ذات سيادة»، مُؤكّداً أن الأمر ليس بمثابة «قطيعة»، ودافع عن «شراكة متجددة» مع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة والحليف التاريخي لبلاده.

ويستند الوجود العسكري الفرنسي في السنغال منذ عام 1960 إلى اتفاقات دفاع وتعاون ثنائية، مع «دعم بناء» الجيش السنغالي بين عامَي 1960 و1974.

 

قوات سنغالية خلال مراسم تسليم القاعدة العسكرية بدكار في 17 يوليو (أ.ف.ب)
قوات سنغالية خلال مراسم تسليم القاعدة العسكرية بدكار في 17 يوليو (أ.ف.ب)

 

وفي عام 2011، أفسحت «القوات الفرنسية في الرأس الأخضر»، التي أُنشئت عام 1974، الطريق أمام «العناصر الفرنسيين في السنغال» التي لم تكن تضمُّ وحدات قتالية، بل مجموعة من المدربين المتخصصين.

وعام 2012، تمّت المصادقة على تغيير شكل الشراكة العسكرية بتوقيع معاهدة في مجال التعاون العسكري بين البلدين. وأصبحت القوات السنغالية وحدها مسؤولة عن الدفاع عن سلامة أراضي البلاد.

وبين عامَي 2020 و2023، أدّت الانقلابات في بوركينا فاسو والنيجر ومالي إلى وصول قادة عسكريين إلى السلطة. وقطعت كل هذه الدول علاقاتها مع فرنسا، وتحوّلت إلى روسيا لمساعدتها في مكافحة التمرد الإرهابي. كما طالبت جمهورية أفريقيا الوسطى، وهي مستعمرة فرنسية سابقة أرسل إليها الكرملين مقاتلين من مجموعة «فاغنر»، بانسحاب القوات الفرنسية.

الشرق الأوسط

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.