اخبار السودان

بعد مرور «500» يوم.. حرب السودان بكل احتمالاتها ما سيناريوهات اليوم التالي ؟

 

دخلت حرب 15 أبريل 2023م في السودان شهرها السابع عشر ومضى على مرورها «500» يوم إثر يوم تتبدد سانحة وقف إطلاق النار و وضع حد نهائي لها،  ضاعت كل الفرص التي اتيحت لوقفها منذ انطلاقة شرارتها،  مثلما نثرت الريح محاولات تلافي وقوعها قبل 15 أبريل .

تقرير : خالد فضل

روزنامة المحاولات ملأى بالمبادرات، من السودانيين ومن دول الجوار والإقليم ومن الدول والهيئات الدولية، عناد شديد طبع بميسمه مواقف الأطراف المتصارعة ؛ خاصة من جانب قيادة الجيش السوداني،  التي ظلت استجابتها لكل النداءات والرجاءات مراوغة أحيانا ورافضة في معظم الحالات، ولعل آخرها فرصة منبر جنيف الذي انفض دون تحقيق تقدم يشار إليه ؛ سوى تعهد منقوص الآليات لتوصيل الإغاثة عبر معبري أدري والدبة .

ظل التمترس خلف شعار مواصلة الحرب هو الخطة الرئيسة التي تسير عليها كل مواقف الجيش تقريبا ,بينما لوّح حميدتي في تغريدة له بالتصعيد لمواجهة ما وصفه بتعنت قيادة الجيش .

حتى الآن تظل الإحتمالات بشأن هذه الحرب المدمرة تبدو في ثلاثة خيارات، أولها انتصاركاسح وحاسم لأحد طرفيها ، الجيش أو الدعم السريع ، الثاني الوصول إلى تسوية سياسية بينهما، أما الثالث فهو استمرار هذه الحرب إلى أمد غير معلوم النهاية . لكل واحد من هذه الإحتمالات واقعيته ونتائجه وأثره على اليوم التالي .

يطرح د. جمعة كندة، مستشار السلام في حكومة رئيس الوزراء في الفترة الإنتقالية قبل انقلاب 25أكتوبر2021م ، خيارا رابعا، هو فرض تسوية خارجية تستبعد طرفي الصراع أو أحدهما على الأقل من المشهد السياسي في المستقبل بحسب إفادة مقتضبة للتغيير .

ربما ما يعزز ما طرحه د. جمعة ، الافادات الصريحة للمبعوث الأمريكي للسودان توم بيريلو، حول أن من ضمن خلاصات تواصله مع آلاف السودانيين بمختلف قطاعاتهم لمس عدم رغبتهم في بناء مستقبل بلادهم تحت هيمنة عناصر الإسلاميين وحزبهم المحلول، مثلما لا يرغبون في رؤية الدعم السريع يسيطر على بلادهم ويتحكم في مستقبلها . إنهم يتوقون لمستفبل ديمقراطي ومسالم لبلادهم .

في الإتجاه نفسه يمضي كمال كرار عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني في إفادته لـ «التغيير» وإن كان بمعطى مغاير ؛ حول ما وصفه بالخيار شبه المنسي، وهو الإحتمال الأقرب حسب رؤيته، وقد أعتاد الشعب السوداني تقديم الدروس لشعوب العالم ، وبنهوضه مثل طائر الفينيق الاسطوري من بين الرماد،  بعد أن تيقن الشعب بأن الحرب في جوهرها هي حرب ضد المواطن وضد الوطن فمعظم الشعب الآن رافض للحرب، ويمكن أن تقف بضغط وغضب شعبي عارم يجتاح مناطق سيطرة الجيش ومناطق سيطرة الدعم السريع، ويفرض عليهما وقف الحرب وترك البندقية مما لا يتيح لهما مجال غير الاستسلام للإرادة الشعبية، وهذه هي رؤيتنا في الحزب الشيوعي على حد قوله .

أن تقف الحرب بدون تسوية أو مساومة أو ثمن، وأخذ المجرمين منهما ليحاكموا على جرائرهم، وتحقيق أهداف الثورة كخيار للقوى الثورية لمواجهة وهزيمة أعداء الثورة وعلى رأسهم الطرفين المتحاربين الآن .

الحسم العسكري الخيار العسير :

في إفادته لـ «التغيير» يرى الجميل الفاضل ؛ الكاتب والمحلل السياسي، أنّ انتصار طرف على الآخر في مثل هذه الحرب يبدو مستبعدا جدا،  فكل المؤشرات على الأرض لا ترجح هذه الفرضية، خاصة وأن كلا الطرفين يبدو وكأنهما قادران على تعويض خسائرهما من العدة والعتاد والرجال، فضلا عن وجود داعمين إقليمين للطرفين لم تفتر همتهم في توفير وتنويع السلاح .

في حين يرى كمال كرار أن انتصار طرف على آخر سيؤدي إلى إنتاج نظام معادي للشعب والوطن،  تابع  ومخلب قط للقوى الخارجية،  ففي حالة فرضية انتصار الجيش مثلا سيكرس ذلك الانتصار لديكتاتورية عسكرية ويعيد انتاج النظام البائد مثلما كان إنقلاب 25أكتوبر يهدف أساسا لهذا الغرض، وما حدث بعده ليس فترة انتقالية وليست ثورة ولا علاقة له بالتحول الديمقراطي لقد كانت عودة الإنقاذ بدون البشير .

أما في حالة انتصار الدعم السريع ؛ يمضي كمال كرار قائلا : سيكرس هو الآخر لديكتاتورية عسكرية ونظام شمولي قابض، ربما سيكون حوله بعض المدنيين الداعمين له، وسيواصل نفس مسيرة الدولة السودانية منذ 56، وتظل الأزمة الوطنية العامة، دولة تابعة ومنهوبة ونظام باطش يتحلق حوله الفاسدون واللصوص .

التسوية بين الممكن والعراقيل :

حول إحتمالات التسوية بين الطرفين، يقول كمال  أنّه بفشل الإنقلاب في أكتوبر 2021م  بدأت محاولات التسوية، وكل المفاوضات الخارجية الآن تدور حول سياق محدد هو أن تقف الحرب لكن بمساومات، منها أن يكون طرفا النزاع جزءا في المعادلة السياسية القادمة وأن يتم تقنين وضعية الدعم السريع ولو لفترة محددة يتم خلالها دمجها في الجيش، المهم أن تظل حاضرة في المشهد السياسي . أن تكون هناك قوى سياسية مدنية ترتضي الشراكة مع العسكر لفترة انتقالية بمهام محددة مثل إعادة الإعمار والتحضير لإجراء الإنتخابات، كذلك من ملامح هذه التسوية، القبول بفلول المؤتمر الوطني ضمن المعادلة السياسية تحت عنوان عريض هو _ عدم الإقصاء _ هذه التسوية هي أقرب الإحتمالات تقريبا، ويبدو أن الجميع مرحب بها سواء الأحزاب أو الحركات المسلحة الداعمة للجيش أو المقاومة الشعبية التابعة للإسلاميين أو حتى بعض القوى المدنية الداعمة للدعم السريع،  ما يعرقل هذه التسوية حاليا هو الاستقطاب الحاد وسط قوى التسوية للبحث عن أكبر حظ من الغنيمة بعد الحرب، والخلاف بين الطرفين المتحاربين حول علو المكاسب . أما أكبر ما يعرقل هذا الإتجاه هو أن هذا النوع من التسويات غير مرحب به وسط قطاعات كبيرة من الشعب ومن قوى الثورة التي لديها مطالب لا تسقط بالتقادم مثل المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، ومواصلة الثورة وتفكيك نظام التمكين الإنقاذي , وعقد المؤتمر القومي الدستوري , وفي كل مرة تتسع دائرة الرفض للتسوية . الجميل الفاضل يبدو على النقيض من كمال كرار، إذ يستبعد احتمال التسوية بين الطرفين ويعزو ذلك لسببين،  أولهما اختطاف قرار الجيش بوساطة الحركة الإسلامية التي تخوض باسمه حربا وجودية، وثانيهما خشية قيادة الطرفين من تبعات الجرائم الكبيرة التي ارتكبتها قواتهما وهي جرائم ترقى إلى مصاف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية .

طول أمد الحرب النتائج الوخيمة :

أما حول احتمالات طول أمد الحرب، فإن كمال كرار يستبعد هذا الاحتمال بقوله : حسب ما أرى أن الحرب لن تطول أكثر مما طالت خاصة وأن مدتها الآن ليست قصيرة ولم تأت بنتائج لأي من الطرفين . كما أن طول أمد الحرب سيخلق مشاكل في دول الإقليم التي تعاني أصلا من توترات داخلية، كما في إثيوبيا وتشاد وجنوب السودان وحتى مصر التي تنفتح على جبهات توتر في ليبيا والسودان وفلسطين .

كذلك بروز الحلف الجديد للجيش بمحور روسيا وإيران واستبدال المحور الأمريكي الأوربي مما يؤدي إلى ضرورة الإسراع بإنهاء هذه الحرب . كما أن طول الأمد بالحرب سيقود إلى توازن الضعف مما ينذر بتقسيم البلاد إلى دولتين بحكومتين كل بحسب مواقع سيطرته مثل ليبيا وسيتعامل العالم بمقتضى مصالحه مع هذا الطرف أو ذاك ،ضف لذلك يقول كرار، إنّ ذلك يعني فتح المجال لمزيد من التدخلات الخارجية وفرض الأجندة الأجنبية , كما يمكن من صناعة المزيد من المليشيات لتدخل أطراف جديدة بحثا عن نصيب من كيكة السودان .

الجميل الفاضل من جانبه يتفق مع كمال كرار في احتمال طول أمد الحرب أكثر مما طالت ويرجح تدخل عسكري تحت الفصل السابع أو بدونه، مثل قرار منفرد من مجلس الأمن والسلم الإفريقي بإسناد عسكري ولوجستي أمريكي أوروبي ليضع حدا لهذه الحرب والتي بات تطاول أمدها يشكل مهددا لدول المنطقة وللإستقرار الإقليمي وللمصالح الغربية على سواحل البحر الأحمر خاصة مع وجود مؤشرات على مساومة حكومة الأمر الواقع في بورتسودان مع روسيا بخصوص قاعدة فلامنغو البحرية مقابل إمدادات السلاح ومنع صدور قرارات ضدها في مجلس الأمن الدولي، كذلك بروز اللاعب الإيراني بعد إعادة العلاقات وبروز أوجه تعاونه مع حكومة بورتسودان في مجالات التسليح والإستخبارات، لذلك أتوقع ضربة عسكرية أمريكية خاطفة بغطاء افريقي تبدد أمل أي طرف في الانتصار على الآخر وتضع حدا لطول أمد الحرب .

 

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *