بعد فشل مباحثات جنيف في وقف حرب السودان .. هل تستمر “دبلوماسية الهاتف”؟
مباحثات جنيف أدت إلى تحقيق عدد من الاختراقات، أبرزها موافقة طرفي النزاع على فتح معبري أدري والدبة لمرور المساعدات الإنسانية، وفقاً للمبعوث الأمريكي الخاص للسودان، خلال مؤتمر صحفي الأحد..
التغيير: نيروبي: أمل محمد الحسن
سادت حالة من الإحباط في أوساط السودانيين بعد فشل مباحثات جنيف التي دعا لها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن.
وشاركت في هذه المباحثات، كل من السعودية وسويسرا كوسطاء، بجانب مصر والإمارات العربية والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، كمراقبين.
فشل المحادثات في إسكات صوت البنادق في السودان، جاء نتيجة لرفض الجيش السوداني المشاركة في المباحثات، متمسكًا بتنفيذ اتفاق جدة من جهة، ومطالبة بمشاركة الحكومة السودانية بدلاً من الجيش في المفاوضات من جهة أخرى إلى جانب رفضه لمشاركة دولة الإمارات التي يتهمها بتقديم الدعم لقوات الدعم السريع .
وفي حديثه عن مفاوضات جنيف، أكد المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بريللو، أن جهود الوسطاء لم تفشل تمامًا.
وأشار خلال مؤتمر صحفي عبر الإنترنت، الأحد، إلى أن مباحثات جنيف أدت إلى تحقيق عدد من الاختراقات، أبرزها موافقة طرفي النزاع على فتح معبري أدري والدبة لمرور المساعدات الإنسانية.
ورداً على «التغيير»، كشف بريللو عن استمرار المباحثات بشأن معبر سنار، الذي يُفترض أن يوفر المساعدات لـ(20) مليون سوداني بحاجة ماسة للغذاء والدواء.
وأشار بريللو إلى أن التجارب العالمية في توصيل المساعدات تستغرق أسابيع، لكنهم تمكنوا من إتمام الأمر في ثلاثة أيام فقط.
بريللو: نطلب من “حميدتي” الالتزام بمدونة السلوك، التي تشمل منع العنف ضد النساء
وأوضح أن مفاوضات جنيف حققت أيضًا التزامًا من قوات الدعم السريع بمدونة السلوك، التي تشمل منع العنف ضد النساء وتخريب المزارع والمحاصيل، وأضاف “نطلب من حميدتي إصدار إعلان بالتزامه بذلك.”
كما أشار بريللو إلى أن مفاوضات سويسرا أعادت التركيز على قضية السودان، موضحًا أن العملية أظهرت للسودانيين من يسعى للسلام ومن يريد استمرار الحرب، متهماً قوى سياسية، في إشارة إلى المؤتمر الوطني، بعرقلة جهود السلام للعودة إلى السلطة.
وأكد بريللو لـ « التغيير» أن الانتخابات الأمريكية لن تؤثر في استمرار جهود الوساطة الأمريكية لوقف الحرب السودانية، لكون الكونغرس اتفق على دعم هذه الجهود.
وقال بريللو “لا نملك وقتًا حتى نوفمبر أو يناير، ففي كل أسبوع يموت الناس في السودان. وتابع: “الرئيس بايدن ووزير خارجيته بلينكن منحوني الضوء الأخضر لبدء المحادثات حتى في ظل عدم التزام الجيش، مما يعكس التزام الولايات المتحدة تجاه الشعب السوداني.”
كما كشف بريللو عن انخراطه في مباحثات شملت رئيس الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو ورئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور، اللذين سينخرطان في المباحثات المتعلقة بإيصال المساعدات الإنسانية، لكنهما لن يكونا جزءًا من مفاوضات وقف إطلاق النار، التي تقتصر على الجيش والدعم السريع فقط.
تحالف لنصرة السودانيين
وفي رده على سؤال من «التغيير» حول دور التحالف الذي تم الإعلان عنه في ختام مباحثات جنيف، قال بريللو إنه تحالف من أجل “نصرة السودانيين”، وسيعمل على استمرار الزخم الذي كان موجودًا في الأسابيع السابقة. “نريد أن نوقظ العالم الذي أغمض عينه عن السودان نيابة عن الشعب السوداني الذي سئم من تجاهل المجتمع الدولي.”
وأشار بريللو إلى أن بلاده سعت خلال الأشهر الماضية لإعادة الطرفين إلى جدة، ولكن مفاوضات أغسطس جاءت استجابة لنداء عاجل تقدم به السودانيون الذين يعانون المجاعة والحرب المتصاعدة والانتهاكات.
وتغيب وفد الجيش عن مفاوضات جنيف، بينما حضر وفد الدعم السريع، مما أعاق التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. ولكن الاتصالات الهاتفية التي جرت مع قيادة الجيش سمحت بالتوصل إلى اتفاق حول معبري أدري والدبة.
وحول “دبلوماسية الهاتف” التي ابتدعها المبعوث الأمريكي الخاص للسودان لتجاوز تعنت الجيش بعدم المشاركة في جنيف، قال بريللو إنه رد على تساؤل وفد الدعم السريع حول منهجية التفاوض في ظل غياب الطرف الآخر، بأنها ترتكز على “النتائج”.
وفي سعيه للحصول على التزامات ونتائج، قام بريللو برحلة من سويسرا إلى القاهرة للقاء وفد الجيش السوداني، لكنه عاد دون نجاح. بريللو أرجع الأمر لما وصفه عبر تغريدة بـ “كسر وفد الحكومة للبروتوكول”. ويبدو أن بريللو كان يتوقع وفدًا يمثل الجيش السوداني، لكنه فوجئ بوفد حكومي.
ففي لقاء إعلامي سابق شاركت فيه « التغيير»، أكد بريللو أنه لن يجلس مع أشخاص لا يملكون اتخاذ القرارات، مشددًا على ضرورة أن يتكون وفد الجيش من جنرالات يمتلكون القدرة على اتخاذ القرارات والالتزام بها.
لكن التحضيرات لجنيف التي أدت إلى غياب الجيش كانت ناقصة، وفقًا للخبير الدبلوماسي السفير جمال محمد إبراهيم.
وأشار إلى أن المبعوث كان يجب أن يقوم بمشاورات واسعة، وليس بالضرورة بنفسه، بل بالاستعانة بالوجود الدبلوماسي لبلاده في العواصم العربية والإفريقية.
وانتقد إبراهيم ما وصفها بـ “مفاوضات الهاتف” التي بدأت بعد وصول الوفود إلى جنيف، مشددًا على ضرورة التشاور مع كافة الأطراف حول التاريخ المحدد بـ 14 أغسطس، مشيرًا إلى أن الدعوة خلت من “الحصافة الدبلوماسية”.
وأضاف إبراهيم في مقابلة مع «التغيير»: “بروتوكوليًا لا يمكن أن يخاطب وزير خارجية رئيس دولة، ويطلب منه إحضار جنرال برتبته العسكرية”. وشدد على ضرورة حسم هذه المسائل قبل تحديد تاريخ التفاوض.
وأكد إبراهيم أن حكومة الأمر الواقع التي جاءت عبر انقلاب عسكري اتخذت من طريقة الدعوة ذريعة لانتقاد المبادرة بشكل تام.
وأشار إلى أن حكومة بورتسودان يجب ألا تبحث عن الشرعية في الخارج، مضيفًا أن المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي والإيقاد لا تعترف بها، وأن الشرعية تأتي من الداخل عبر الانتخابات الشعبية.
وعلق السفير إبراهيم على الخارطة العسكرية، التي قال إنها تكاد تكون متوازنة بين الجيش القومي وقوات الدعم السريع، لكنه أكد في الوقت نفسه عدم امتلاكه لإحصاءات دقيقة.
ولفت إلى إن هناك علامات استفهام حول الجيش، حيث يصفه البعض بأنه “جيش الإخوان المسلمين” أو “جيش الإنقاذ”، مشيرًا إلى تغير عقيدته منذ التسعينيات.
مؤشرات تقسيم البلاد
من جهته، يرى الأمين العام لحزب الأمة القومي، الواثق البرير، أن التحديات والعقبات التي واجهت مفاوضات جنيف تكمن في غياب الإرادة السياسية القوية لتحقيق السلام ووقف الحرب.
وقال في مقابلة مع «التغيير» إن المفاوضات كانت تفتقر إلى رؤية سياسية متكاملة تركز على معالجة الأسباب الحقيقية للحرب والإجابة عن الأسئلة التاريخية التي جعلت المواطن السوداني يعاني منذ قبل الاستقلال.
وأضاف البرير “نحن كسودانيين نحتاج إلى رؤية سياسية شاملة تشمل الأطروحات المدنية والإجابة عن قضايا ما بعد الحرب”.
وأعرب عن سعادته بتوصل الوسطاء في جنيف إلى فتح المعابر لتوصيل المساعدات الإنسانية لملايين السودانيين، لكنه أكد ضرورة أن يصاحب فتح المعابر هدنة مؤقتة تضمن وصول المساعدات، وتسهل حركة القوافل.
وأعرب البرير عن مخاوفه من أن يؤدي غياب هذه الهدنة إلى عرقلة وصول المساعدات، مشيرًا إلى مؤشرات تصعيدية كانت واضحة في الأسبوع الماضي، وراح ضحيتها عشرات المدنيين.
وقال الأمين العام لحزب الأمة القومي، إن هناك مؤشرات لتصعيد سياسي نحو الشرعية ظهر في الدعوة إلى تشكيل حكومة في بورتسودان وأخرى في الخرطوم، مما سيفتح الباب واسعًا أمام سيناريو تقسيم البلاد وإطالة أمد الحرب.
ودعا البرير طرفي الحرب إلى الكف عن التصعيد الذي يبدد الجهود، وينقل البلاد إلى “نقطة اللاعودة”، معربًا عن أمله في أن تتطور جهود وساطة الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات وسويسرا، وأن تتواصل هذه الجهود مع الأخذ في الاعتبار الجوانب الإنسانية والسياسية والدبلوماسية.
وأكد أهمية التنسيق مع الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية الأخرى لمواصلة الضغط للعودة إلى المفاوضات والتوصل إلى مخرج للأزمة التي تعيشها البلاد.
وختم البرير بالتحذير من مؤشرات تصعيد سياسي نحو الشرعية والدعوة إلى تشكيل حكومتين في بورتسودان والخرطوم، قائلًا إن ذلك سيفتح الباب أمام سيناريو تقسيم البلاد وإطالة أمد الحرب. وأكد أن القوى المدنية ستعمل على محاصرة هذه الدعوات السياسية وتعزيز الوحدة الوطنية وتوحيد الصوت المدني الرافض للحرب والداعي للحلول السلمية.
المصدر: صحيفة التغيير