اخبار السودان

بعد عام ونصف من الحرب.. بريطانيا تغير سياستها تجاه السودان وتدفع بمبعوث خاص

دفعت المملكة المتحدة بمعبوث خاص إلى السودان بعد عام ونصف من الحرب الدائرة بين أطراف القتال، القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والتي راح ضحيتها قرابة العشرين ألفًا.

جاء تعيين بريطانيا للدبلوماسي ريتشارد كراودر مبعوثًا خاصًا إلى السودان في أعقاب جلسة عاصفة لمجلس اللوردات البريطاني الذي ناقش فيها بالتفصيل الأزمة المتصاعدة في السودان وجهود بريطانيا ومساهمتها في إنهاء الحرب ووقف معاناة الشعب السوداني.

ويأتي هذا القرار على خلفية تغييرات داخلية بصعود حزب العمال البريطاني إلى السلطة، بعد اكتساحه الانتخابات التشريعية، في يوليو الماضي، ما يعكس التغييرات أيضًا في السياسة الخارجية.

اهتمام بريطانيا:
في هذا السياق اعتبر وزير الخارجية الأسبق السفير د.إبراهيم طه أيوب إنّ تعيين الدبلوماسي ريتشارد كراودر مبعوثًا للسودان، إثر الاجتماع الخاص الذى عقده مجلس اللوردات البريطاني لمناقشة الأزمة الطاحنة والمجاعة المتفشية فى أجزاء كثيرة من البلاد، الأمر الذى عده المجلس عملًا تشترك فى إشعاله الفصائل المسلحة التي تحارب هناك كما أنه اعتبر المجاعة الحالية في السودان عملًا يرقى إلى مرتبة الجريمة الإنسانية.

وقال السفير أيوب لـ”راديو دبنقا” إنَّ اجتماع مجلس اللوردات وتعيين المبعوث البريطاني الخاص بالسودان، جزء من الاهتمام الذى توليه المملكة المتحدة لعلاقاتها التاريخية مع السودان، منذ العقود الماضية، وأنها تسعى الى المحافظة عليها بل تنميتها لتمكينها من ارتياد آفاق أرحب خاصة فى الظروف السياسية والاستراتيجية والعسكرية التى تمر بها منطقة القرن الأفريقي.

ورأى من الجانب الآخر تجاهد الحكومة البريطانية في السعي الحثيث مع الدول الأخرى إلى ايقاف الحرب المستعرة فى السودان منذ أكثر من عام، والتي قال بأن نتائجها تمثلت في التدمير الممنهج للبنى التحتية وقتل المواطنين وتشريدهم ليعيشوا إما لاجئين فى الدول الأخرى وإما نازحين في الداخل يفترشون الأرض ويلتحفون السماء دون مأكل أو مشرب.

واوضح وزير الخارجية الأسبق بأن عودة بريطانيا إلى تعيين دبلوماسي محترف يجيد التحدث باللغة العربية في هذا المنصب، يدلل على أن بريطانيا وصديقاتها في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، عازمون على بذل المزيد من الجهود للضغط على القوى المتحاربة لوقف العدائيات واللجوء إلى الحوار السياسي بتجنيب البلاد المزيد من الدمار والقتل والتشريد.

العالم انصرف للمسار الإنساني:
من جهته قال القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي “الأصل”، د. أحمد بابكر: “إنَّ تركيز البعض على قوى العالم والاقليم كطريق لوقف الحرب، يعني عدم الاستفادة من تجاربنا نحن كسودانيين في الاعتماد على الخارج لحل ازماتنا والتي كانت نتيجتها الخسران المبين”. وأضاف بأن:”إيقاف الحرب رهين بوحدة القوى الوطنية المناهضة للحرب وليس أي طرف آخر”.

واعتبر أن غياب الإرادة الوطنية الموحدة الآن جعل المجتمع الدولي ينصرف اهتمامه من إيقاف الحرب لتنفيذ المسار الإنساني، وتوصيل الإغاثات، ودلل على ذلك بأنه ليس لديه مشكلة في النتائج التي تفرزها الحرب.

وأوضح بقوله، على سبيل المثال، حال سقوط الفاشرسيخضع كل غرب السودان تحت سيطرة قوات الدعم السريع، ولم يستبعد أن تتم معالجات في الشمال أو الشرق تحت قيادة القوات المسلحة السودانية، ليتم التعامل مع الحكومتين بواقع الأمر كما يحدث في ليبيا.

واعتبر أن ذلك يعد مدخلاً كبيرًا لنهب موارد الدولة. مشيرًا إلى أن كل طرف سيكون في حاجة لإثبات الشرعية لنفسه والتي يفتقدها الطرفين داخليًا سيحاول أن يجدها من المجتمع الدولي لكن ذلك مقابل تقديم تنازلات، وتابع:” إزاء ذلك سنشهد بيع للأراضي وبيع للموانئ وغيره”.

البلاد في ورطة:
وحذر من أن البلاد أمام ورطة حقيقية ولايمكن الفكاك منها إلا باتفاق القوى السياسية المدنية والمجتمعية على رؤية موحدة، تتعامل بها مع كل الأطراف وترفض بها الحرب والمساس بوحدة وسلامة السودان وأراضيه وترفض وجود طرفي الحرب في أي معادلة سياسية قادمة.

اعتبر القيادي البعثي، أولويات المرحلة الراهنة تتطلب بصورة جادة تشكيل جسم ثوري ووطني موحد يضم كل القوى السياسية والمدنية، أو القوى التي لديها مصلحة في التغيير والمناهضة للحرب، لانجاز عملية الضغط أو عملية التغيير.

وعبر عن أسفه قائلًا: هذا الجسم افتقدناه منذ الفترة الانتقالية وبعد حدوث الإنقلاب وحتى قبل الحرب، وهو ما شكل تحدي أساسي بالنسبة لنا”. معتبرًا أن الوحدة ضرورية وتشكل التحدي الأساسي بالنسبة للقوى السياسية بالنظر إلى أن الجميع لديه أطماع في السودان مشيرًا إلى المصالح الإقليمية والتقاطعات الدولية، وأضاف “نحن أيضًا لسنا في جزيرة معزولة بالطبع، فالسودان لديه علاقات ومصالح مع الجميع”.

وأشار إلى أن في ظل الصراع الدولي الجديد الذي فيه تخلق ووضع دولي جديد. في صراع حول المراكز المفتاحية في العالم. والسودان واحد من تلك المراكز لموقعه الجيوسياسي، باعتباره مدخل لإفريقيا عبر البحر الأحمر الذي يعتبر الأساس في التجارة العالمية مشيرًا إلى أن 60 أو أكثر منها تأتي عبر البحر الأحمر.

أطماع الدول:
ولم يستبعد تأثير الصراع العربي الإسرائيلي على السودان وتأثير السودان في تلك المنطقة، كذلك الصراع الدولي مع الصين وروسيا حول السيطرة على إفريقيا والأسواق الأفريقية. مشيرًا إلى وضع السودان التاريخي كجسر ما بين إفريقيا وأسيا وليس بالنظر إلى الجوانب السياسية فقط وإنما هنالك جوانب ثقافية وتاريخية وحضارية.

وخلص إلى أن الوضع الجيو سياسي للسودان يجعل العالم يهتم بما يحدث في السودان، واستدرك بقوله: ” نحن ليس لدينا مشكلة بالطبع في هذا الأمر، لكن نعتقد إنه مفروض الأساس، التعاون مع المجتمع الدولي يجب أن يتم عبر الأجندة الوطنية”. وقطع بعدم انجاز ذلك دون وجود قاعدة قوية متسعة عريضة من القوى السياسية والمجتمعية، للتغيير والديمقراطية إن جازت التسمية.

وأعاد التذكير بأن السياسة علم يقوم على توازن القوى. وقال: إذا توازن القوة مختل فإنَّ الأقوى هو الذي يفرض شروطه. وتابع: ” نحن ليس لدينا مشكلة في التعاون مع العالم لكن يجب أن يكون ذلك عبر المصالح المشتركة وبالتركيز على ، المشتركة، هذه أساسية وليس مصالح من طرف واحد”.

وأوضح أن الهدف من إنشاء جبهة عريضة موحدة تضم كل القوى المدنية السياسية والمجتمعية المناهضة للحرب خلفه قوى شعبية عريضة تسنده، من خلالها تقدم رؤية لكيفية إيقاف الحرب، وتستطيع التعامل مع المجتمع الدولي، وراهن على أن هذه الجبهة الموحدة يمكن أن يكون لها تأثير فاعل، ولايجب أن يكون لديها وجود رمزي.

المجاعة أحرجت العالم:

من جهته اعتبر السفير السابق بالخارجية واستاذ الإعلام بالجامعات الأمريكية د. حيدر بدوي، تعيين بريطانيا، مبعوث لها في السودان يعد دليل على تصاعد الاهتمام الدولي بالجرائم وما وصفه بالخراب المزعج للضمير الإنساني. وتوقع أن تكون هذه الخطوة لها ما بعدها.

وقال بدوي لـ”راديو دبنقا” إنَّ المبعوث البريطاني سيعزز اهمتام أوربا. وقد يقود، في المدى المتوسط، مع الولايات المتحدة، إلى العمل تجاه تدخل دولي عسكري (قوات لصناعة وحفظ سلام). ولم يستبعد أن يكون هذا الاتجاه هو الغالب وقال إن ذلك يأتي بعد إلزام من سماها بـ”حكومة الأمر الواقع” بالحجة بإدخال القوات، بعد كل المجهودات التي قامت في اتجاه أن تكون طرف من الحل وليس المشكلة.

وأضاف بقوله:”نحن الآن في لحظة مختلفة لأن المجاعة أحرجت العالم وستحرجه أكثر وقال إنها ستتصاعد موجتها في ظل عدم وجود حلول واضحة واعتبر حتى الإغاثة التي بدأت تدخل غير كافية لكي تغطي احتياجات المتضررين وقال إن معظم أنحاء السودان يعاني من مجاعة

وذكر بقوله: “يجب ألا ننسى أن بريطانيا هي حاملة قلم السودان في مجلس الأمن. وبالتالي سيكون لها تأثير كبير على الاهتمام بالواقع السوداني”. مؤكدًا بأن هذا الأمر سيمثل خطوات نحو الحل. نوه إلى أن الاحتمالات بدأت تضيق وأن الاحتمال الأوفر رغم أنه ضعيف نسبيًا، وتابع قائلًا:” وجائز يكون الخيار لا أقول الأوحد لكنه يمضي في اتجاه أن يصبح الأوحد وهو نشر قوات لصناعة وحفظ السلام”.

اختلاف بريطانيا وأمريكا:
وأرجع تأخر الدور البريطاني بأسباب داخلية للانتخابات التي كانت قائمة وكانت كل الدلائل تشير إلى أن هنالك تغيير جذري قادم بصعود حزب العمال، واعتبر أن ذلك كان يعني تغيير السياسة الخارجية لبريطانيا، ليس في السودان فحسب وإنما في أنحاء كثيرة من العالم.
وقال إن هنالك تحول قد حدث من قبل بريطانيا تجاه ما يحدث في غزة كما أن هنالك اهتمام واضح بالسودان مشيرًا إلى تعيين المبعوث، لم يكن موجود على أيام حكومة المحافظين.
وقطع بعدم وجود اختلاف بين أمريكا وبريطانيا تجاه السودان، وذكر أن الدولتين لديهن توافق عام في السياسة الخارجية وإن كان هنالك بعض الاختلافات، وقال حال وصول حكومات محافظة في كل من أمريكا وبريطانيا، فإن تلك الخلافات تظهر بحدوث تحولات لكنه اعتبرها ليست جوهرية في السياسة الخارجية للدولتين.

جبنقا

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *