بعد خمسين عاماً من الحرب، أصبحت فيتنام أهم وجهة سياحية في آسيا
بعد خمسين عاماً من الحرب، أصبحت فيتنام أهم وجهة سياحية في آسيا
بعد نصف قرن من انتهاء الصراع المدمر الذي خلف دماراً واسعاً في البلاد، برزت فيتنام كواحدة من أكثر وجهات السفر والسياحة شعبية في آسيا.
في أبريل/نيسان المقبل، تمرّ الذكرى السنوية الخمسين لاستسلام حكومة سايغون أمام القوات الفيتنامية الشمالية، ما أنهى حرب فيتنام التي استمرت عقوداً، غير أن البلاد مازالت تكافح، في العديد من النواحي، تبعات تلك الحقبة المظلمة وآثارها المتبقية على أرضها وشعبها.
وعلى الرغم من ذلك، تعمل أجيال جديدة من المواطنين الفيتناميين الآن على التخلص من تبعات ماضي البلاد المثخن بالجراح والحروب، والترويج بدلاً من ذلك لجمال البلاد والتراث الثقافي الفريد.
منذ عام 1997، عندما فتحت البلاد أبوابها للسياح لأول مرة، أصبحت فيتنام واحدة من أكثر الوجهات شعبية في جنوب شرق آسيا، وباتت تشتهر بأسواقها التي تبيع الأطعمة الشهية في الشوارع، ومدنها النابضة بالحياة، ومزيجها الفريد من العمارة الفرنسية والمناظر الطبيعية الخلابة من الغابات الخصبة وصولاً إلى القمم الوعرة، وتشهد البلاد حالياً إقبالاً كبيراً من الزوار الأجانب، وعلى وشك أن تسجل رقماً قياسياً في عدد الزوار خلال عام.
في أحدث حلقة من برنامج The Travel Show على بي بي سي، يسافر مقدم البرامج الأمريكي الفيتنامي ويليام لي آدامز عبر البلاد، في رحلة تفيض بالمشاعر لإعادة الاتصال ببلد والدته الأصلي، وليضع رماد أخيه في مدينة هو تشي منه، الصاخبة (سايغون سابقاً) حيث توجد مقبرة لأسرته.
تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
قصص مقترحة نهاية
كانت سايغون مركز حرب فيتنام في الستينيات والسبعينيات، وكانت بمثابة المقر الرئيسي للعمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة، لكن تاريخ المدينة يمتد إلى ما لا يقل عن 300 عام قبل هذا الصراع، وينعكس ماضيها في المعابد ذات الطراز المعماري الخاص، والأسواق الليلية النابضة بالحياة ومزيج من التأثيرات الآسيوية والأوروبية الموجودة في هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها تسعة ملايين نسمة.
وكما هو الحال في معظم أنحاء فيتنام، يعد الطعام عامل جذب رئيسي للمسافرين إلى مدينة هو تشي منه، وتنتشر أطباق طعام الشارع مثل بوت شين (كعك دقيق الأرز المقلي مع البابايا والكراث والبصل الأخضر) في أماكن كسوق بين ثانه التاريخي وتحظى بشعبية كبيرة، وكذلك هناك المطاعم الأكثر فخامة مثل أكونا الحائز على نجمة ميشلان،.
وتقول ليلى، وهي مرشدة سياحية ومنشئة محتوى، لبرنامج Travel Show إن “السوق والطعام بشكل عام يشبهان قلب الثقافة الفيتنامية، فالطعام مهم للغاية”.
وبعيداً عن الأسواق، تعد مدينة هو تشي منه مزيجاً من التأثيرات الفيتنامية والفرنسية، فهناك دار الأوبرا الفخمة التي بناها الفرنسيون في سايغون، وقد افتتحت لأول مرة عام 1898، وهي تذكير بالماضي الاستعماري للمدينة، بينما تعرض دار لوتس (أحد دور العرض الفنية الخاصة في المدينة) أعمال الفنانين الفيتناميين المعاصرين وغيرهم من فناني جنوب شرق آسيا.
وهناك شيء واحد لن تجده كثيراً في مدينة هو تشي منه، وهو الصراع المسلح، وبات العديد من السكان المحليين يترددون في الحديث عما يُعرف محلياً باسم “الحرب الأمريكية”.
يقول قال نغوين فان كوي ماي، وهو مؤلف فيتنامي، إن “وجهة النظر الرسمية هي أننا فزنا بالحرب، لذا فلا توجد صدمة”، موضحاً أنه لطالما حاول “توثيق الصدمة المخفية، التي تم تجاهلها، دون الاعتراف بها”، في إشارة إلى قصص الناس خلال وبعد الحرب.
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه
شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك
الحلقات
يستحق الانتباه نهاية
وعلى الرغم من ذلك، هناك العديد من الأماكن التي يمكن للزوار الذهاب إليها لمعرفة المزيد عن التأثير الذي خلفته الحرب على المدينة والريف المحيط بها، حيث يحافظ أحد المتحف على بقايا الحرب وقطع أثرية مهمة تلخّص للزوار عواقب الحرب، بينما توضح أنفاق تشو تشي المصاعب التي تحملها الجنود الفيتناميون أثناء الصراع.
مدينة هو تشي منه، متصلة بالجزء الشمالي من البلاد بواسطة خط السكة الحديدية الذي يربط بين الشمال والجنوب، ويشار إليه عادة باسم “قطار إعادة الوحدة”، وتم إنشاءه أول مرة في عام 1899، ويسافر لأكثر من 1700 كيلومتر من مدينة هو تشي منه إلى هانوي على مسار واحد، وتعرض خط السكة الحديدية للقصف عدة مرات أثناء حرب فيتنام بهدف قطع الاتصالات المهمة بين الشمال الشيوعي وجنوب البلاد الذي كانت تسيطر عليه الولايات المتحدة.
واليوم، تعتبر الرحلة طريقة رائعة للحصول على إطلالة على بعض أجمل المناظر الطبيعية في البلاد، حيث تمر عبر المياه الزرقاء الخلابة لشواطئ نها ترانغ، وتقطع غابات سلسلة جبال أناميت. كما يتوقف القطار في العديد من المدن السياحية الشهيرة، مثل دا نانغ وهوي آن، قبل الوصول إلى وجهته النهائية، العاصمة التاريخية هانوي.
وتأسست هانوي، التي كانت ذات يوم عاصمة الشمال الشيوعي، في عام 1009 بعد الميلاد كمدينة إمبراطورية لسلالة لي. ومنذ عام 1873، كانت المدينة بمثابة عاصمة للمناطق التي تسيطر عليها فرنسا، وهي اليوم عاصمة لفيتنام.
وتنعكس الخلفية المتنوعة للمدينة في هندستها المعمارية، وخاصة الحي القديم، بمزيج من الهندسة المعمارية الفيتنامية والفرنسية.
وللتعمق في ماضي هانوي، يمكن زيارة قلعة ثانغ لونغ الإمبراطورية، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، ويعود تاريخها إلى القرن السابع، حيث يغطي الموقع ما يقرب من 1300 عام من ماضي فيتنام.
بالإضافة إلى كونها العاصمة التشريعية لفيتنام، تعتبر هانوي أيضاً العاصمة الثقافية للبلاد، وهي موطن لمشهد مزدهر للفنون والتعليم.
على سبيل المثال، كان ما يُعرف الآن باسم “معبد الأدب” بمثابة أول جامعة في فيتنام، ولا يزال الطلاب يترددون على المعبد للصلاة والدعاء، بالإضافة إلى أن المدينة تزخر بمعارض ومتاحف الفن المعاصر، مثل متحف فيتنام الوطني للفنون الجميلة ومعرض هانوي ستوديو.
ولا تكتمل زيارة هانوي دون التوقف عند سوق دونغ شوان، أحد أكبر وأقدم الأسواق في البلاد، وهو سوق مكون من طابقين حيث يأتي السكان المحليون والسياح من جميع أنحاء العالم لشراء الأطباق المحلية والهدايا التذكارية والتوابل وحتى الحيوانات الأليفة.
وقال آدمز في نهاية رحلته إنه “في كل مرة يزور فيها فيتنام، يشعر بأن هناك شيئاً ما قد اكتمل، لكنني في الواقع أرى هذه الرحلة بمثابة فصل جديد مفتوح”.
المصدر: صحيفة الراكوبة