بعد البيان الصادر من المجموعة الرباعية ارتفعت أصوات الإسلاميين في السودان بردود عنيفة رافضة، ما يشي بأنها قد تسعى لإجهاض خارطة الطريق المطروحة.

تقرير: التغيير

بينما تسعى “المجموعة الرباعية” لوقف نزيف الدم في السودان، تلوح في الأفق تحركات مثيرة للجدل من قبل قوى سودانية تسعى لعرقلة هذه الجهود.

في هذا السياق، يبرز دور تنظيم الإخوان المسلمين، الذي تقاتل بعض كتائبه إلى جانب الجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع، ليبرز السؤال حول رد فعل هذا الفصيل تجاه ما قررته “الرباعية” في اجتماعها الأخير، وما هو النتيجة التي سيصل إليها من وراء ذلك؟

وجاء بيان الآلية الرباعية، المكونة من “الولايات المتحدة الأمريكية، السعودية، الإمارات ومصر”، ليقطع الطريق أمام آمال الإسلاميين في العودة إلى الحكم بعد انتهاء الحرب وهزيمة قوات الدعم السريع وفق مخططهم، إذ أكد البيان أن الفترة الانتقالية لن تخضع لسيطرة الأطراف المتحاربة، مشددًا على عدم السماح للجماعات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين بالتحكم في مستقبل السودان.

هدنة وعملية انتقالية

ودعت “الرباعية” الجمعة الماضية، إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر تقود إلى وقف دائم لإطلاق النار، يعقبها إطلاق عملية انتقالية تُستكمل خلال 9 أشهر على أن تفضي إلى تشكيل حكومة سودانية.

وقالت في بيان مشترك إنه “لا يمكن أن يُملى مستقبل السودان من قبل جماعات متطرفة عنيفة، جزء من جماعة الإخوان المسلمين أو مرتبطة بها بشكل واضح، والتي أدى تأثيرها المزعزع للاستقرار إلى تأجيج العنف وعدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة”.

وأطلقت الولايات المتحدة الأمريكية في يونيو الماضي، مساعٍ جديدة لوقف الحرب في السودان، المستمرة منذ منتصف أبريل 2023، بإعادة إحياء “المجموعة الرباعية” التي تشكلت لدعم التحول المدني عقب الإطاحة بنظام الرئيس المعزول  عمر البشير في أبريل 2019م، وغابت بريطانيا عن المجموعة وحلت مصر مكانها.

كان من المقرر عقد اجتماع لوزراء خارجية الدول الأربع في نهاية يوليو الماضي بمقر الخارجية الأمريكية، لطرح رؤية لحل الأزمة السودانية. ومع ذلك، تم تعليق الاجتماع بعد تسريب معلومات تشير إلى تباين في المواقف بين بعض أعضاء المجموعة.

الواثق البرير: المتوقع هو تحركات إسلامية ضخمة لإجهاض خارطة الطريق

ردود عنيفة

وبعد ساعات من بيان الرباعية، دبجت قوى تتبع لجماعة الإخوان المسلمين في السودان، ردوداً عنيفة على البيان، حيث أعلنت رفضها لمقترحات المجموعة الرباعية بشأن إنهاء النزاع وإبعاد القوى المرتبطة بالحركة الإسلامية، وشددت على رفضها مشاركة الإمارات في وضع حلول لأزمة البلاد.

قال التيار الإسلامي العريض بقيادة علي أحمد كرتي، إنه “يستهجن لغة بيان المجموعة الرباعية التي تنضح بالاستعلاء والتدخل السافر في شؤون السودان الداخلية ومحاولة فرض حلول خارجية”.

واعتبر  أن الإمارات غير مؤهلة أخلاقيًا للحديث عن الأمن والسلام في السودان، بعد تورطها في دعم الدعم السريع بالسلاح والمال والمرتزقة، كما طالبها برفع يدها عن الدعم السريع والاعتذار إلى السودانيين قبل الحديث عن السلام.

وأكد التيار رفضه لمحاولة مساواة الجيش والدعم السريع، مشدداً على عدم استطاعة “أي جهة في العالم فرض مليشيا الدعم السريع كطرف في أي تسوية سياسية أو عسكرية”.

ووصف اتهام جهات معينة في إشارة إلى الحركة الإسلامية والقوى المرتبطة بها بتأجيج الصراع بأنه محاولة بائسة لإضعاف وحدة أهل السودان.

وقال إن  حل الأزمة يكمن في حوار سوداني سوداني داخل البلاد دون إملاء خارجي.

من جهته، رأى الرئيس المفوض لحزب المؤتمر الوطني “المحلول” أحمد هارون أن “الجهات التي أشعلت الحرب أو ساهمت في اندلاعها” لا تصلح للاضطلاع بمهمة إطفاء نيرانها، مشككاً في نوايا بعض الأطراف الدولية التي تقود جهود التسوية.

وقال في بيان إن الشعب السوداني ليس قاصرا ليتم التقرير بشأن مستقبله من دول أخرى، وإن المساواة بين الجيش الوطني والدعم السريع وإعادة إنتاج تحالف “قوى الحرية والتغيير” تحت أي مسمى جديد يُعد إهانة لتضحيات أهل السودان.

من ناحيتها، أبدت قوى الحراك الوطني المحسوبة على النظام الانقلابي الحاكم تحفظاً على مقترحات “الرباعية” وطالبت بإعادة النظر في تكوينها، حيث أن عضوية الإمارات فيها تفقدها الحيادية، وتضعف ثقة الشعب السوداني في قراراتها ومخرجات اجتماعاتها حسب تعبيرها.

وقالت إن الإمارات ظلت توفر السلاح والدعم اللوجستي للدعم السريع ليواصل ارتكاب الانتهاكات وجرائم الحرب.

بدروه، قال حزب المؤتمر الشعبي إنه يرفض بيان الرباعية، لا سيما إبعاد الإسلاميين الذين دعموا الجيش للحفاظ على أمن المواطنين، وعزلهم عن المشاركة في الحياة السياسية، مع غض الطرف عن المرتزقة الذين استجلبتهم الإمارات دعماً للدعم السريع.

وأكد الحزب رفضه لمشاركة الإمارات في أي محفل يناقش قضية الحرب في السودان، كما رفض فرض أي تسوية من الخارج.

إلى ذلك، أعلنت الحركة الوطنية للبناء والتنمية رفضها لوجود الإمارات في المجموعة الرباعية، بعد أن صنفتها الحكومة السودانية دولة عدوان.

وقالت إنها ترفض مساواة مؤسسات الدولة الوطنية، في مقدمتها الجيش، مع مليشيا الدعم السريع، معتبرة مقترحات المجموعة الرباعية “إملاءات خارجية وتدخلاً سافراً في الشأن الداخلي”.

خبير: الإسلاميون سيسعون لتصعيد الصراع من خلال الضغط على الجيش لمواصلة الحرب

إجهاض خارطة الطريق

وحول هذه المواقف والتحركات المتوقعة من الإسلاميين، قال القيادي بتحالف “صمود”، الأمين العام لحزب الأمة القومي الواثق البرير لـ(التغيير)، إن المتوقع هو تحركات إسلامية ضخمة لإجهاض خارطة الطريق عن طريق الإعلام وتحرك بعض سياسيي بورتسودان.

ورحّب الأمة القومي ببيان الرباعية، واعتبر أنه يشكل خطوة مهمة نحو إنهاء الحرب وتحقيق السلام المستدام. وأكد دعمه لمبادئ البيان، وعلى رأسها وحدة السودان ووقف إطلاق النار.

وحث الحزب القوى السياسية والمدنية على توحيد الصفوف وتجاوز الخلافات، والالتفاف حول أجندة وطنية جامعة تحقق السلام العادل والشامل وتحافظ على وحدة السودان وتعيد مسار الانتقال الديمقراطي نحو بناء سودان جديد قائم على الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية والسلام المستدام.

من جانبه، قال المهتم بشؤون الجماعات الإسلامية في السودان أحمد صالح لـ(التغيير)،  إن الإسلاميين في السودان قد يتخذون عدة مواقف بناءً على أهدافهم ومصالحهم السياسية.

وأضاف أن من هذه المواقف العمل على تصعيد الصراع في السودان من خلال الضغط على الجيش السوداني لمواصلة الحرب وإطالة أمدها.

وأشار صالح إلى أنه حال فشلهم في الضغط على الجيش لمواصلة الحرب، قد يلجأ الإسلاميون إلى تعبئة أنصارهم ومؤيديهم سياسيًا وعسكريًا  للمطالبة بحقوقهم في المشاركة السياسية.

واستبعد احتمال دخولهم في حوار وتفاوض، معتبرًا أن الإسلاميين يعتقدون أن البندقية هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تعيدهم إلى السلطة بعد الإطاحة بحكمهم في ثورة ديسمبر 2019م.

وتوقع صالح أن يتخلى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان عن الإسلاميين إذا وجد ضمانات تمكنه من الانفراد بالحكم في السودان.

وقال إن هذا سيزيد من الخلافات داخل معسكر بورتسودان التي تريد الانفراد بالحكم دون مشاركة القوى السياسية الأخرى.

الدومة: إصرار الإسلاميين على التمسك بالسلطة قد يزيد حدة التوترات وربما تشهد المواقف بينهم خلافات عميقة

زيادة حدة التوترات

بدوره، رأى المحلل السياسي البروفيسور صلاح الدين الدومة، أن الإسلاميين سيكون لهم رد فعل تجاه بيان الرباعية الذي استبعدهم ووصفهم بأنهم جماعة إرهابية متطرفة، كما تضمن تهديدات مبطنة وغير مباشرة.

وقال لـ(التغيير)، إنه إذا أصر الإسلاميون على التمسك بالسلطة والمنازعة بعد تحديد الجداول الزمنية لإيقاف الحرب في السودان، فإن ذلك قد يزيد من حدة التوترات.

وتوقع الدومة أن تشهد المواقف بين الإسلاميين خلافات عميقة إزاء هذا البيان. وأوضح أن الإسلاميين عادة ما يختلفون، ولكنهم لا يخوضون اقتتالًا مباشرًا، وبدلاً من ذلك قد تحدث اغتيالات داخلية بشكل سري وبمنتهى الكتمان دون أن ينقسموا إلى مجموعات متقاتلة. واستثنى من ذلك ما حدث في حرب 15 أبريل، حيث أن الدعم السريع يعدُّ صنيعة الإسلاميين، وهذا يمثل حالة فريدة في تاريخ الحركة الإسلامية.

وأشار الدومة إلى أن الحركة الإسلامية تاريخيًا قد تنقسم إلى مجموعات مختلفة دون أن تقاتل بعضها البعض، وقد يترتب على ذلك تبعات مختلفة في المستقبل.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.