اخبار السودان

بعد ان تدهورت العلاقات مع الامارات : هل نستطيع استرداد عائدات النفط منها؟!!

بكري الصائغ

 

اعرف مسبقا ان الكتابة في موضوع عائدات النفط السوداني والتي بحسب اخبار قديمة نشرتها الصحف المحلية وصحيفة “الشرق الاوسط” اللندنية عدة مرات انها مبالغ تفوق الـ(١٣٥) مليار دولار موجودة في بنوك دبي بتوجيهات شخصية من الرئيس السابق عمر البشير منذ عام ١٩٩٩م عام استخراج النفط لاول مرة وحتي اليوم هو موضوع اصبح ضمن المواضيع الكثيرة الهامة التي ما عادت تشغل بال احد في السودان، هذه العائدات خرجت تماما من اهتمامات اعضاء مجلس السيادة وحكومة بورتسودان ، تماما كما خرجت سابقا من اهتمامات المجلس العسكري الانتقالي بعد زوال النظام السابق.

 

طوال زمن حكم الرئيس السابق/ البشير وبعد استخراج النفط وتصديره الى الخارج عبر ميناء “بشائر” عام ١٩٩٩م ، لم يحدث أن قامت جهة سياسية ما او اقتصادية في البلاد بتوضيح رسمي حول اين هي عائدات النفط موجودة ولماذا هي مختفية؟!!، ولماذا لم يتم إستخدامها من أجل رفعة الاقتصاد المنهار واستغلالها في مشاريع التنمية الزراعية والصناعية والمعمارية؟!!، حزب المؤتمر الوطني وقتها منع البنك المركزي من الادلاء باي بيان او تصريح حول عائدات النفط ، وفي نفس الوقت تم توجيه من رئاسة الجمهورية لوزارة المالية والاقتصاد الوطني بضرورة سرية المعلومات عن عائدات النفط وعدم خروجها للعلن … وايضا لمزيد من الكتمان حول عائدات النفط ، ضربت الأجهزة الامنية رقابة صارمة علي الصحف حتي لا تنشر أخباره لا من قريب او بعيد!! .

 

في زمن حكم الرئيس المخلوع ، قامت جهة سياسية معارضة في الخارج وأصدرت بيان نشر بالصحف البريطانية والعربية التي تصدر في لندن ونشرته ايضا صحف الخليج ، جاء في مضمون البيان ، أن عائدات النفط الموجودة في بنوك دبي وماليزيا هي عائدات يكتنفها الغموض والسرية التامة ، ولا يعرف أحد خفاياها واسرارها ولا حجمها بالعملات الصعبة، وأفاد البيان ، أن ثلاثة أشخاص فقط في النظام الحاكم هم من يعلمون بسريتها عندهم إلمام تام بكل صغيرة وكبيرة بهذه العائدات ، والثلاثة اشخاص هم : البشير وعلي عثمان وعوض الجاز، وجاء في البيان ، أن الدكتور/ عوض الجاز هو من يحتفظ بكل الملفات والعقودات السرية الخاصة باستخراج النفط في السودان والتي أبرمت مع الشركات الصينية والماليزية ، أكدت المعارضة الموجودة في لندن ، أن عوض الجاز هو الوحيد الذي يعرف حجم المبالغ والتصرف فيها لا يتم الا بناء علي توجيهات البشير شخصيا لا احد غيره في النظام الحاكم وقتها!! .

 

بعد زوال حكم الانقاذ عام ٢٠١٩م ، وإلغاء كل القوانين واللوائح التي كانت مضروبة حول سرية عائدات النفط ، نشرت صحيفة “الراكوبة” في يوم السبت ٢١/ سبتمبر ٢٠١٩م ، خبر هام تحت عنوان : (وزير عدل السودان : ندرس ملف الأموال التي نهبها رجال البشير) ، وجاء في الخبر : (أكد قيادي في قوى “الحرية والتغيير” أن الاتحاد الأوروبي تعهد بمساعدة السودان في استرداد أموال نهبها قادة النظام السابق وأودعها في بنوك خارجية . وقال أمين سعد لـ”العربية.نت” إن سفير الاتحاد الأوروبي بالخرطوم تعهد بمساعدة الحكومة السودانية في توفير المعلومات الخاصة بالأموال المنهوبة المودعة خارج البلاد ، وكيفية استردادها من دول أوروبية وأخرى مثل تركيا وماليزيا وغيرها . في حين أوضح وزير العدل السوداني نصر الدين عبد الباري لـ”العربية.نت” أن الوزارة شرعت أخيرا في العمل بعدة ملفات ، ويلزمها بعض الوقت لإعلان ما يتعين فعله بخصوص الأموال المنهوبة بواسطة قادة نظام الرئيس المعزول عمر البشير وبقية القضايا الأخرى).

 

وجاء أيضا في سياق الخبراعلاه : (قال القيادي بقوى الحرية والتغيير محمد عصمت، وهو موظف مرموق بالبنك المركزي لل”عربية نت” إن قوى الحرية والتغيير تمتلك المعلومات الموثقة لوجود ما يقارب ٦٤ مليار دولار من المال السوداني المنهوب في ماليزيا ، إلى جانب أموال وأصول وودائع في دول أخرى مثل تركيا والبرازيل وشرق آسيا وسويسرا، ويجري الآن التأكد من حجمها. إلى ذلك ، تشير التقديرات الإعلامية إلى أن ما يعادل ٧٪‏ من الاستثمارات في ماليزيا يخص سودانيين ينتمون إلى تنظيم الإخوان المسلمين وحلفائهم . وهي عبارة عن استثمارات في البترول والفنادق والعقارات . وأن لقادة الإخوان أسهما في شركات عابرة للقارات. وقال أمين سعد إن غالبية عائدات البترول الذي بدأ تصديره أواخر التسعينيات لم تصل إلى البنك المركزي ، داعيا كافة المواطنين السودانيين ، داخل وخارج البلاد ، لتقديم أي معلومات حول فساد النظام السابق).

 

لم يعد يخفي علي احد في البلاد ، سواء من هم في مجلس السيادة او الحكومة وكبار المسؤولين في السلطة، او من هم من عامة الشعب ، ان هناك ادلة وبراهين علي وجود مليارات الدولارات المنهوبة من عائدات النفط قابعة في بنوك بالخارج بل حتي بعض القياديين الإسلاميين في السلطة السابقة لم ينكروا وجود اموال طائلة في بنوك اجنبية بالخارج ، فقد نشرت الصحف المحلية في يوم الاربعاء ٤/ابريل ٢٠١٨م ، خبر نزل كوقع الصاعقة علي رؤوس أهل النظام السابق المدحور عندما طالبت النائبة البرلمانية عن حزب المؤتمر الوطني (الحاكم وقتها) عائشة الغبشاوي باسترداد أموال سودانية من ماليزيا قالت إن قادة الحكومة السابقين نهبوها وأودعها في مصارف هناك ، وتعد مطالبة الغبشاوي بمثابة اعتراف بسرقة قادة نظام الإخوان المسلمين للمال العام على مدى ثلاثين سنة ماضية ، لكن بعد انتهاء حكم الإنقاذ أصبح من الصعب علي قادة النظام الحالي الحصول على المستندات اللازمة لاسترداد المال المنهوب رغم علمهم بأنها في حوزة عوض الجاز !! .

 

كم تمنيت وقتها بعد نجاح الانتفاضة لو انتهج المجلس العسكري الانتقالي نفس خطوات الحكومة المصرية التي جاءت بعد سقوط نظام حسني مبارك في فبراير عام ٢٠١١م ، فبمجرد رحيل النظام واعتقال مبارك سعت الحكومة المصرية الجديدة علي الفور في ملاحقة كل لصوص النظام السابق الذين نهبوا الكثير من أموال الدولة وأثروا ثراء حرام علي حساب هذه الاموال ، الأجهزة العدلية طاردت بشدة كل الذين بحوزتهم أموال وهربوا بها للخارج ، واستطاعت الأجهزة العدلية ان تسترد منهم مليارات الدولارات ، لجأت السلطات المصرية في كثير من الاحيان الى اجراء تسويات مع بعض الهاربين في الخارج (علي طريقة التحلل التي كانت في زمن البشير) ، تم بموجبها استرداد أموال كثيرة مقابل العفو عنهم بل انه حتي الرئيس السابق مبارك وزوجته سوزان وابنيه علاء وجمال لم يسلموا من مصادرة قصورهم واسترداد مبالغ مبالغ كبيرة وتحف اثرية وهدايا من ملوك ورؤساء تخص الدولة.

 

اكبر خطأ ارتكبه الفريق أول/ برهان رئيس المجلس العسكري العالي السابق بعد تسلمه السلطة ، انه تساهل الي حد بعيد في موضوع استرداد الأموال المنهوبة ولم يعطيها اهمية كبيرة ، ومنذ لحظة تسلمه زمام أمور البلاد في أبريل الماضي وحتي بعد ان اصبح هو رجل الدولة الأول في البلاد لم يسأل عن المال المسروق!!، جهات سياسية كثيرة أكدت ، أنه كان من رابع المستحيلات في ظل وجود “حميدتي” رجل الإمارات القوي في المجلس العسكري، أن يتخذ البرهان موقف إيجابي قوي لاسترداد المبالغ الموجودة في بنوك دبي ، وضع البرهان في حساباته، أنه إن سعي بجدية لاستعادة الاموال المنهوبة سينقلب عليه “حميدتي”، الذي ايضا عنده مليارات الدولارات في بنوك دبي من عائدات الذهب المهرب.

 

أكبر صدمة هزت المواطنين هزة شديدة لم يفوقوا منها بعد ، كانت أثناء متابعتهم محاكمة الرئيس المخلوع ، كانت محاكمة هزلية لم يتم فيها توجيه تهم تخص اختفاء عائدات النفط ، ومساءلته عن اختفاء مليارات الدولارات ، انصبت المحاكمة (المهزلة) حول مبلغ (٢٠) مليون دولار تلقاها البشير من العاهل السعودي/ محمد بن سلمان !! ..كل أعضاء مجلس السيادة القدامي والجدد برئاسة البرهان لزموا الصمت الرهيب تجاه موضوع استعادة الأموال المهربة ، وكان على ما يبدو ان هناك جهة ما في السلطة ألزمت حكومة دبلوك بعدم فتح ملفات “عائدات النفط “، وملفات عائدات الذهب، وعدم التطرق لموضوع ”الوديعة” القطرية ، والا يتم مناقشة القروض الاجنبية الكثيرة التي تعد بمئات المليارات من الدولارات دخلت البلاد بصورة رسمية ، بلغ عدد هذه القروض الأجنبية حتي مايو عام ٢٠١٨م بأكثر من (١٢١) قرض مختفي واجبة السداد!! .

 

والسؤال المطروح بشدة في وجه البرهان، ما الذي يمنعك من توجيه أمر للحكومة باستجواب الدكتور/عوض الجاز والملقب محليا ب (الصندوق الاسود للإنقاذ) ، وهو الذي يعرف كل خفايا وأسرار “عائدات النفط” منذ عام ١٩٩٠م حتي عام ٢٠١٨م ؟!!… ما الذي يمنع الحكومة من (عصر) عوض الجاز (علي الطريقة المصرية) حتي يقر ويعترف ويساعد الحكومة في استرجاع الأموال المنهوبة ؟!! . قمة المهزلة ، ان عوض الجاز يعيش الآن حر طليق في حراسة الحكومة التي وفرت له الأمن والأمان ، وآمنت له الاكل والمشرب والعلاج الكامل علي حساب المواطن دافع الضرائب؟!!… يا ترى هل “كسر” عوض الجاز عين البرهان وعين “اتخن تخين” في السلطة الحاكمة بما عنده من دولارات خضراء ؟!!… والا لماذا لم يتم اعتقاله وهو الذي يعتبر واحدا من أثرى اثرياء السودان من المال المنهوب؟!! .

 

كلنا في السودان يعرف حق المعرفة ، أن “عائد الذهب” المنهوب من جبل عامر في دارفور، وتم تهريبه الي الإمارات بمئات الاطنان شكل خلاف حاد بين “حميدتي” وابن عمه موسي هلال وصلت الي حد الاقتتال بالسلاح الثقيل طوال اكثر من اربعة اعوام ، ولولا هذا الخلاف العميق بينهما والذي خرج للعلن ونشرت الصحف السودانية والاجنبية اخباره ، لما عرفنا وعرف العالم حجم المليارات المنهوبة والخاصة بعائدات النفط والذهب الموجودة في بنوك دبي وماليزيا .. هناك جملة مشهورة ترددت كثيرا بين السودانيين مفادها : ثلاثة أشياء سودانية من المستحيل عودتها مرة أخري : حلايب ، وعائدات النفط … والعسكر للثكنات!! .

 

ملحوظة : تضاربت ارقام الاقتصاديين السودانيين والاجانب كثيرا حول تكلفة اعادة بناء العاصمة الخرطوم، وشاركت صحيفة عربية برقم من عندها وافادت ان تكاليف اعادة اعمار الخرطوم وحدها لا تقل باي حال من الاحوال عن (١٥٠) مليار دولار، واذا ما اضيفت امدرمان والخرطوم بحري الي قائمة فسيكون الرقم نحو (٣٠٠) مليون دولار … وبالطبع لن تساهم اي دولة عربية او اجنبية في انقاذ حال السودان ما عدا السعودية التي سارعت اخيرا وابدت رغبتها في المساهمة بالتعمير … عليه ، لابد من استرداد عائدات النفط الموجودة في دولة الامارات العربية، وايضا الاموال المنهوبة والذهب المهرب بمئات الاطنان.

 

مرفق مع المقال: هكذا قضم الإخوان ثروات السودان.. فتوى ونفط وحلقة للبشير .. فساد متفشٍّ .. وإخفاء عائدات البترول:31 مليار دولار اختفت في عهد البشير .. كيف حدث ذلك؟!! المصدر “سكاي نيوز” ٥/ يونيو ٢٠٢٠م:

https://www.skynewsarabia.com/middleeast/135007731

 

السؤال المطروح بقوة في المقال بعد ان تدهورت العلاقات بين نظام البرهان والامارات، هل نستطيع استرداد عائدات النفط من بنوكها، خصوصا وان تعمير البلاد واصلاح ما خرب ودمر يحتاج الي هذه العائدات؟!! .

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *