بعد انسحاب الجيش.. لماذا تهاجم قوات الدعم السريع قرى الجزيرة؟!
بعد انسحاب الجيش السوداني من ولاية الجزيرة ديسمبر الماضي، وسيطرة قوات الدعم السريع، لم يكن متوقعاً استمرار الهجمات، لكن العكس تماماً هو ما حدث.
تقرير: التغيير
قوائم تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحمل في طياتها أسماء مدنيين لقوا حتفهم جراء الهجمات المتتالية التي تشنها قوات الدعم السريع خلال حربها ضد الجيش السوداني، على قرى الجزيرة وسط السودان، مما يزيد وتيرة الاتهامات للطرفين المتصارعين منذ عام ونيف بأن كليهما يستهدف المدنيين باستخدامهم دروع بشرية، فيما تبرز التساؤلات عن سبب استمرار الهجمات على القرى والمدنيين!!
وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة فإن نحو (15) ألف شخص راحوا ضحية هذا الصراع في أنحاء السودان وسط توقعات بزيادة العدد حال استمرار القتال. بينما وصل عدد القتلى بولاية الجزيزة حسب الإحصائيات الرسمية إلى (4500) قتيل، وسط إدانات محلية وإقليمية ودولية.
مسؤولية مباشرة
بعد انسحاب الجيش السوداني من ولاية الجزيرة ديسمبر الماضي، وسيطرة قوات الدعم السريع، لم يكن متوقعاً استمرار الهجمات، لكن العكس تماماً هو ما حدث.
ويحمل ناشطون المسؤولية المباشرة لقوات الدعم السريع بشأن الجرائم المتكررة ضد مواطني الجزيرة خاصة قرى التكينة، ود النورة والهدى في الأيام الماضية، لأنها من نفذتها “رغم تبريراتها التي ساقتها”، غير أن كثيراً من الناشطين والمتابعين، حملوا منسوبي النظام البائد والناشطين الإسلاميين مسؤولية ما حدث لأنهم عملوا على استنفار أهل تلك المناطق وحفزوهم على التجييش.
وقال شهود عيان لـ(التغيير)، إن “الدعم السريع” أصبحت تهاجم قرى الجزيرة بغرض النهب والسرقة، وخطف المواطنين للحصول على فدية من ذويهم، بجانب إجبار الشباب على التجنيد معهم، وفي سبيل حماية أسرهم انضم عدد كبير منهم إلى صفوفها.
شراء سلاح
وراجت أنباء بأن أبناء بعض قرى الجزيرة بالمهجر تنادوا وجمعوا مبلغاً يناهز ربع مليون ريال سعودي لشراء السلاح وتسليح الشباب لحماية أهليهم من الاعتداءات المتكررة للدعم السريع، لكن هذا الأمر جاء بنتائج عكسية، باعتبار أن خبرات المستنفرين القتالية أقل بكثير ويخوضون حرباً غير متكافئة (بالإنابة عن الجيش) مع الدعم السريع.
ظهور عدائي
وقال د. إبراهيم مخير عضو المكتب الاستشاري لقائد الدعم السريع لـ(التغيير)، إنه لم يتم تسجيل دخول لقواتهم إلى أي قرية في الجزيرة إلا إذا كان من ورائها ظهور عدائي معلن للاستخبارات العسكرية ومدنيين مسلحين وإرهابيين وآخرهم كتيبة الزبير بن العوام في ود النورة والتي قال إنهم قضوا على مجنديها تماماً وشتتوا شمل معسكراتهم “ولن تقوم لهم قائمة بعد اليوم ابداً”.
وأكد أن من بين أولئك قد يكون هناك مدنيون وحملوا السلاح اعتقاداً منهم أن القتال ضد الدعم السريع جهاد يدخل الجنة، وأنهم يدافعون عن منازلهم أو شرفهم والحقيقة أن الدعم السريع نبههم عديد المرات أن هذا الإدعاء يقوم على الكذب وأن استقرار مناطق الدعم السريع خير دليل، فالدعم السريع لا يقوم بإجبار المدنيين على التجنيد ولم يعيد نظام الخدمة العسكرية، كما لا يستهدف المواطنين على أساس أثني وعلى اللهجة والسحنة كما يفعل النظام في مناطق سيطرة الجيش الذي شرع لها بإصدار قوانين مثيرة للعار مثل قانون الوجوه الغريبة الذي استعمل في النظام العنصري في بريتوريا حسب تعبيره.
توحش القوات
فيما يرى المحلل السياسي د. عبد الرحمن أبو خريس، أن سلوك النهب والفوضى لدى أفراد الدعم السريع يتزايد في المناطق التي يتوسعون إليها.
وقال لـ(التغيير)، إنه في ظل تعقد المشهد السياسي وعدم وجود أفق قريب للتوصل إلى تسوية، فإن المتوقع هو توحش تلك القوات التي تعاني من قلة الانضباط وعدم وجود رؤية سياسية لها، ولهذا قد تتوسع بلا هدف مسببة فوضى شاملة.
أسوأ مراحل الحرب
من جهتها، وصفت عضو “محامو الطوارئ” رحاب مبارك، ما يحدث في الجزيرة بأنه في غاية السوء والبشاعة، ويدلّل على أن الحرب وصلت أسوأ مراحلها بمهاجمة المدنيين والاعتداء عليهم داخل قراهم، ويدلل على أن الدعم السريع مواصلة في انتهاكاتها غير المبررة.
وقالت رحاب، إن قوات الدعم السريع سبق وأن ارتكبت مجازر في التكينة وتمبول وود النورة، وبهذا الفعل الدعم السريع تخالف كل القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ويخالف المادة (3) في بروتوكول 1948م والمحلق الموجود في البروتوكول الملحق في 1977م بمهاجمة المدنيين داخل قراهم ويعرضهم للموت الجماعي.
ووجهت صوت لوم لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان لتركه المدنيين في الجزيرة لمثل هذه الهجمات وهو على بعد خطوات من القرى التي تتعرض للقتل، وتركهم يواجهون المصائب من الدعم السريع.
وأشارت إلى أن “الدعم السريع” اعتادت في الفترة الماضية مهاجمة القرى ونهب الحبوب والبذور والأكل والشرب والأموال.
تحذير من الاستنفار
وحملت رحاب الإسلاميين مسؤولية ما يحدث في الجزيرة لاستنفارها المواطنين في قرى الولاية وتسليحهم، حتى أصبحوا عرضة لهجمات الدعم السريع، وطالبت الأخيرة بأن تخوض معاركها مع المستنفرين خارج القرى ولا تهاجم القرى وتنهب وتسرق.
وحذرت المواطنين من الاستنفار وحمل السلاح لمحاربة الدعم السريع لأنه قوة مجهزة ومدربة ولا تتوانى في استخدام السلاح لأن هذه مهمة الجيش السوداني.
وكان عدد من الناشطين نشروا فيديوهات توعوية تطالب المواطنين بعدم الانجرار وراء دعوات تسليح المدنيين واستدعاء المليشيا لعدائهم، لأن قوات الدعم السريع هاجمت كل المناطق التي أعلن شبابها الاستنفار والتسلح لمواجهتها وارتكبت بحقهم أبشع الانتهاكات.
انتهاكات واسعة
وقالت لجان مقاومة مدني إن قوات الدعم السريع تواصل ارتكاب المجازر الدموية بحق مواطني الجزيرة وتقتحم القرى وترتكب انتهاكات واسعة ما تسبب في قتل المئات من المواطنين، وأوضحت أنها تستغل انقطاع شبكات الاتصال والإنترنت لممارسة تلك الانتهاكات، وطالبت بضرورة إرجاع الخدمة لولاية الجزيرة باسرع فرصة.
فيما نفى مخير، ممارسة الدعم السريع للنهب والسلب، وقال لـ(التغيير): “كل المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع لا تشتكي من سلب ولا نهب، لكن المناطق الرمادية التي تكون خطوط تماس بين قوات البرهان وقوات الدعم السريع، وخصوصاً عند انسحاب الجيش هي التي تعاني، لأن الجيش يعتمد تكتيكاً ثابتاً منذ أن بدأت الحرب، بفتح السجون للمجرمين وينشر الطابور الخامس بغرض التخذيل وتحقيق مستوى من الفوضى العارمة عبر النهب والسلب والقتل لإعاقة تقدم قوات الدعم السريع”.
وأضاف: “تنشغل أعداد مقدرة من المقاتلين في التصدي لهؤلاء وحماية المواطنين، ومع كل ذلك لم ينجح البرهان في التقدم على أي من المحاور التي وعد بها شيعته منذ شهور بل تقهقرت قواته إلى حدود سنار وأصبحت المناقل بين فكي الأسد”.
لن تسقط بالتقادم
من ناحيته، قال الناطق باسم حزب البعث عادل خلف الله، إن الجرائم والإنتهاكات، التي لا مثيل لها، التي اغترفتها قوات الدعم السريع، دون إسقاط مسؤولية الجيش عنها أيضاً، لن تمر مرور الكرام، ولن تسقط بالتقادم وستبقى عالقة في الذاكرة الوطنية مثلها مثل الجرائم والانتهاكات، والتي يرقى بعضها إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في دارفور وشمال وجنوب وغرب كردفان وغيرها”.
وأضاف لـ(التغيير): “من الأهداف الرئيسية، التي لا تبرر كل تلك الفظائع، إطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها، ودفع الجيش لرفض استئناف التفاوض وتعميم أسلوب الأرض المحروقة كثقافة حربية لدى قاعدة قوات الدعم السريع، كمتنفس انتقامي وتفريغ للتعبئة والإعداد المعنوي التي تشكلت عليها لعدو متوهم أو افتراضي (دولة 56، الفلول)، ومن الإعداد المعنوي عقيدة الغنيمة وهو ما يفسر القيام وفق مراحل على النهب والسرقة والتخيير بين التجنيد أو التهجير القسري”.
وتابع: “تكتيكياً أدى الانتشار الواسع في الجزيرة وما رافقه، لإدانة واسعة لقوات الدعم السريع وفقدت مساحيق (تجميل الوجه) التي حرص إعلام الدعم السريع على رسمها وتهاوى شعار (الديمقراطية) الذي كان اللون الأبرز في عملية تجميل الوجه. وهو ما دفع منظمات حقوق الإنسان ومنظمات أممية على إصدار بيانات رصد وأدانة، كما فعلت الخزانة الأمريكية بإصدار عقوبات شخصية على عدد من قيادات بارزة في الدعم السريع منها اللواء علي يعقوب جبريل الذي اغتيل في الهجوم على الفاشر”.
تطور جديد
وفي تطور جديد للصراع في الجزيرة اتهم تجمع أبناء الكنابي الجيش السوداني بارتكاب مجزرة بالقرية (32) التابعة لمحلية أم القري شرق الولاية بقتله أكثر من (50) من المدنيين بالمنطقة دون مسوغ قانوني.
وحذر التجمع في بيان الأربعاء، من أن المعركة التي بدأت بين القوات المسلحة والتمرد أخذت منعطفات شديدة في الخطورة وخلفت إفرازات اعتبرتها تهدد وحدة واستقرار البلاد بأكملها بحسب البيان.
ويتم تداول اتهامات بأن العديد من سكان الكنابي بالجزيرة يتعاونون مع الدعم السريع ومدها بمعلومات عن جغرافيا الولاية وأسماء مواطنين يمتلكون سيارات وأموال يتم نهبها لاحقاً.
الاستعانة بالمدنيين
واتهم إبراهيم مخير، قيادة الجيش بالاستعانة بالمدنيين والخضوع لشروط الإرهابيين والحركات المسلحة للقتال بجانبه، وكانت شروطاً مجحفة اهدرت فيها ملايين الدولارات وتم بها دهس كرامة وهيبة الجيش السوداني بالتراب ولم تحقق بعد كل ذلك له أي انتصارات حسب تعبيره.
وقال إن كل هذه الدعاوى تكشفت عن دعاية وإشاعات يديرها إعلام البرهان وغرف استخبارات أنصار النظام القديم، ينشرونها محلياً ودولياً بغرض تعطيل عملية التغيير لتحقيق الديمقراطية.
السلطة المدنية
وأكد مخير أن قوات الدعم السريع سلمت إدارة تلك المناطق للسلطة المدنية التي يمثلها أبناء الجزيرة، كما وعدت بحمايتها ودعمها، في المقابل جمد البرهان كل احتياطات الجزيرة من وقود ودواء وغذاء وأوقف الرواتب واستدعى المرتزقة من أقصى الغرب من الحركات المسلحة ليهاجموا الجزيرة ويدمروا مؤساساتها وبنيتها الأساسية.
وقال: “انتهت كل هذه الهجمات إلى إحداث دمار كبير بنتائج كارثية وفقدان العديد من الأرواح وإهدار للإمكانيات والطاقات ولم تسبب سوى الأحزان”.
وأعلنت قوات الدعم السريع، مارس الماضي، تأسيس إدارة مدنية بالجزيرة مكونة من 31 عضواً ويترأسها صديق أحمد، لإيقاف الانتهاكات المتكررة منذ انسحاب الجيش من مدني في 18 ديسمبر الماضي.
وطالب مستشار قائد الدعم السريع، أهل الجزيرة بمساندة سلطتهم المدنية، وليقفوا سداً منيعا مع أبنائهم في الدعم السريع “كيكل” وغيره كي يحكموا انفسهم بأنفسهم كما يفعل اليوم سكان ولاية جنوب دارفور بل على مستوى أقل في مليط وبذلك يجنبوا أنفسهم والمنطقة الكوارث ويستعدوا للتغيير حد قوله.
المصدر: صحيفة التغيير