تعيش مدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان غربي السودان أياما عصيبة مع تصاعد وتيرة القصف والاشتباكات في محيطها خلال الأيام الماضية وتزامن ذلك مع تطورات ميدانية في مدينتي الفاشر وبارا ما دفع مئات الأسر إلى النزوح في اتجاهات متعددة بحثا عن الأمان.
التغيير: فتح الرحمن حمودة
وعقب سيطرة قوات الدعم السريع على مدينتي الفاشر وبارا كانت قد أعلنت تلك القوات أنها تتجه نحو مدينة الأبيض الأمر الذي أثار حالة من الخوف والهلع وسط السكان خشية تكرار سيناريو الفاشر وما صاحبه من انتهاكات وجرائم حرب عند اجتياح المدينة.
و كانت قد تداول على منصات التواصل الإجتماعي أنباء غير مؤكدة عن انتقال حكومة الولاية إلى مدينة كوستي ما أثار موجة من القلق والارتباك بين المواطنين الذين يبحثون عن حقيقة ما يجري وعن سبيل آمن وسط هذا الغموض المتصاعد بالمنطقة.
نفي حكومي
و في ذات السياق أكد مصدر حكومي لـ (التغيير) أن حكومة الولاية نفت تلك الأنباء، مشيراً إلى أنها ما تزال تمارس مهامها من داخل الولاية وأن دولاب العمل يسير بصورة طبيعية مع رصد تحركات ميدانية للوالي داخل المدينة واستمرار النشاط المعتاد للمؤسسات الحكومية والمدنيين.
وبحسب متابعات (التغيير) تعيش المدينة هذه الأيام حالة من الهدوء الحذر وسط مخاوف متزايدة من هجمات محتملة لقوات الدعم السريع، و بحسب مصدر أوضح لـ (التغيير ) أن الجيش عزّز من انتشاره داخل المدينة وفي محيطها مؤكدا أن المدينة مؤمنة وتخضع لرقابة مشددة تحسبا لأي تطورات ميدانية.
وبالتزامن مع تهديدات الدعم السريع باجتياح المدينة بدأت موجات جديدة من النزوح باتجاه مناطق أكثر أمانا و قالت مصادر لـ (التغيير) إن غالبية المغادرين هم من النازحين الذين كانوا قد لجأوا إلى المدينة سابقاً، إضافة إلى عدد من السكان القدامى والتجار الذين يخشون تفاقم الأوضاع الأمنية بالمنطقة.

موجة نزوح
و قال المواطن « ي . ن» من سكان المدينة لـ (التغيير) بدأت موجة النزوح من المدينة عقب استعادة قوات الدعم السريع سيطرتها على مدينة بارا وإعلانها نيتها دخولها إلى جانب إنذارها للمواطنين بمغادرة المدينة فالمشاهد المروعة والانتهاكات التي ارتكبت في بارا والفاشر بثت الرعب في نفوس المدنيين ودفعت أعدادا كبيرة منهم إلى مغادرة الأبيض خوفا على حياتهم.
و أوضح في حديثه شهدت معظم أحياء المدينة موجات نزوح كثيفة خصوصاً أحياء البترول، الدرجة، القلعة، وعرفات وأوضح نجيب أن الأسباب الرئيسية للنزوح تعود إلى الخوف من بطش وانتهاكات قوات الدعم السريع رغم أنه لا توجد حتى الآن عمليات قصف مباشر داخل مدينة الأبيض كما لا يسجل نقص في المواد الغذائية، والأوضاع داخل المدينة ما تزال هادئة نسبيًا.
وأضاف أن حركة النزوح تجري بشكل عشوائي حيث يتجه النازحون نحو مدن أم درمان وكوستي وربك بالإضافة إلى ولايات أخرى تحت سيطرة الجيش مع ملاحظة أن النسبة الأكبر من النازحين تتجه نحو مدينة أم درمان.
مخاوف قطع الطريق
بينما قال المواطن « م . أ» لـ (التغيير) إن موجة النزوح بدأت في اليوم الثاني عقب سقوط مدينة الفاشر مشيرا إلى أن أحد أبرز أسباب نزوح الأهالي هو الخوف من قيام قوات الدعم السريع بقطع الطريق الشرقي الجنوبي للمدينة «طريق الرهد أم روابة» الذي يربط الأبيض بولاية النيل الأبيض.
وأوضح أن الأحياء الشرقية للمدينة مثل الدوحة والشارقة والقلعة شهدت أكبر حالات النزوح حيث غادرت الأسر بشكل فردي ودون أي تنظيم رسمي متوجهة في الغالب نحو أم درمان ومدني كما أن الميناء البري كان قد شهد ازدحاما شديدا بسبب تدفق النازحين إلى جانب ندرة في تذاكر السفر الأمر الذي أجبر الكثيرين على الحجز قبل ثلاثة أيام على الأقل لضمان السفر.
مضيفا أن عملية النزوح ما تزال مستمرة داعيا إلى توفير وسائل نقل آمنة للنازحين حتى يتمكنوا من الوصول إلى وجهاتهم بسلام متمنيا لهم الاستقرار في مناطقهم الجديدة .

تأثير الوضع في الفاشر
لكن المواطنة « و. م » قالت لـ (التغيير) إن موجات النزوح من المدينة كانت قد بدأت مباشرة بعد سيطرة الدعم السريع على مدينة الفاشر وتزايدت عقب تصريحات قوات الدعم السريع التي أعلنت نيتها اجتياح المدينة.
وأضافت أن سقوط مدينة بارا للمرة الثانية جعل المواطنين يشعرون بأن الخطر بات حقيقيا خاصة مع هجوم الدعم السريع على المحور الجنوبي الغربي للأبيض وهو ما فاقم حالة الهلع ودفع المزيد من الأسر إلى النزوح.
وأوضحت أن الأحداث المتسارعة في الفاشر وبارا خلال أسبوع واحد خلقت حالة من الذعر الجماعي داخل المدينة، مشيرة إلى أن أغلب النازحين هم من سكان الأحياء الشرقية الذين غادروا بشكل عشوائي ودون تنظيم وبينت أن معظم الذين نزحوا اتجهوا إلى مدن بعيدة خارج الولاية بل إن بعضهم غادر البلاد تماما بحثا عن الأمان والاستقرار.
صعوبة المواصلات
و قال المواطن « ع. ك» ايضا من سكان المنطقة لـ (التغيير) إن أبرز العراقيل التي تواجه الأهالي حاليا تتمثل في صعوبة المواصلات، موضحا أن المنفذ الوحيد العامل هو طريق الأبيض كوستي بينما توقفت بقية الطرق بسبب الحصار بما في ذلك الطرق الترابية التي تمر عبر القرى.
مضيفا أن هذا الوضع أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار التذاكر التي قفزت من «65» إلى« 125» ألف جنيه إلى جانب ندرة المركبات رغم دخول عدد من السيارات إلى الخدمة دون تنظيم واضح مما اضطر كثيرين للبقاء أياما بانتظار وسيلة سفر.
وأشار إلى أن الاستغلال التجاري وغياب الرقابة فاقما من الأزمة كما أن بعض المركبات غير مهيأة للسفر الطويل فضلا عن كثرة نقاط التفتيش التي تعرقل حركة الخروج، موضحا أن توقف المدارس وعدم صدور قرارات واضحة من الخدمة المدنية جعل العديد من الأسر تتردد في المغادرة خوفا من فقدان وظائفها أو انقطاع تعليم أبنائها.
وما تزال المخاوف تسيطر على المدنيين من احتمال قيام قوات الدعم السريع بقطع الطريق الرابط بين مدينتي الأبيض وكوستي الأمر الذي قد يؤدي إلى فرض حصار كامل على المدينة على غرار ما حدث في الحصار الأول عقب سيطرة تلك القوات على مدينتي الرهد وأم روابة اللتين تقعان حاليا تحت سيطرة الجيش في شمال كردفان.
المصدر: صحيفة التغيير