بريطاني يتبرع بمائة ألف إسترليني لمحاربة الفقر السودانية , اخبار السودان
صديق الزيلعي
أثارت قضية التمويل الأجنبي نقاشا واسعا، لم يتوقف بعد. طرحت البعض، خلال النقاش، اطروحات ناقدة لتقدم تميزت بالموضوعية، اتسمت اطروحات أخرى بالحدة والتخوين، بينما أيدت مجموعة ثالثة حق تقدم في طلب التمويل للظرف الذي تمر به بلادنا. هاجمني البعض بأنني أقدم تبريرات لعمالة تقدم. ذكرت في المقالات السابقة انني لا ادافع عن تقدم، وانما أساهم، مع الآخرين، في تنقية الجو العام. وطلبت ان تكون حواراتنا عقلانية شفافة وأمينة، فبلادنا تمر بمنعطف كارثي، لا يتحمل المعارك الجانبية. وكررت انه مجافئ للمنطق تماما وصم كل المنظمات بالتآمر والتخابر، وان هناك منظمات سيئة غاية السوء، وفي نفس الوقت، هناك منظمات نبيلة غاية النبل. وأن هناك العديد من الخيرين في اوربا، وحول العالم، الذين كونوا المنظمات النبيلة، بهدف خدمة الإنسانية. اليوم أقدم هذا النموذج الذي هو واحد من الاف الناس المحسنين، الذين يحملون أرفع القيم.
مواطن بريطاني اسمه ديفيد كلارك، يبلغ من العمر 34 عاما، يعيش في مدينة ليفربول في شمال إنجلترا. يعمل باحثا ومهموم بالتفاوت الاجتماعي الكبير في مدينته ليفربول. فرغم ثراء بريطانيا، والتي يعتبر اقتصادها من الاقتصاديات المتقدمة في العالم، الا ان هناك الالاف الذين يعانون في توفير الاحتياجات الأساسية، بسبب السياسات التقشفية التي نفذتها الحكومة في السنوات الماضية. وكالعادة وقع عبء تلك السياسات الجائرة على الفقراء.
ورث ديفيد كلارك مبلغ 100 ألف جنيه إسترليني من والدته. فكر كثيرا حول أفضل السبل لاستخدام المبلغ لحل جزء من معاناة الآخرين. توصل لفكرة مفادها ارسال دعوة لمواطني أفقر الاحياء للتداول حول المسألة. قام بإرسال 600 خطاب للمواطنين يطلب منهم تحديد كيفية صرف المبلغ. اعتبر الغالبية العظمى الدعوة غير حقيقية لذلك تجاهلوا الرسالة. استجاب 38 مواطنا، وحضر منهم 12 لاجتماع مكرس لنقاش المقترح. وضع ديفيد كلارك شرطا للحضور الا ينال أي منهم فائدة شخصية من الاقتراحات الي يتقدمون بها. استغرق التداول زمنا ما بين اتفاق واختلاف، ليستقر الامر، في النهاية، ان تقوم أربعة من منظمات المجتمع المدني العاملة في المنطقة، والمهمومة بقضايا التفاوت الاجتماعي وما ينتج مه، ان تقوم بصرف الأموال في مشاريعها الإنسانية.
أنشأ ديفيد كلارك موقعا لجذب آخرين للقيام بمساهمات مماثل لمشاريع اجتماعية. وكتب ان انجاز المشروع كان من لحظات السعادة النادرة التي مر بها في حياته. عندما سئل بانه شاب ويمكنه الاستفادة من المبلغ لنفسه، أجاب بأنه يعمل وينال اجرا يكفيه.
مثال آخر وشهير هو منظمة بيل وزوجته مالندا قيت الخيرية. فقد دفعا للمنظمة 36 مليار دولار في عام 2018، لتبلغ في عام 2023 69 مليار دولار. وتعمل المنظمة في تحسين الخدمات الصحية ومحاربة الفقر حول العالم. وكلنا يذكر جهودها لاستئصال الملاريا في افريقيا.
هذا المثال، وغيره من الاف الأمثلة المشابهة، توضح انه من غير المقبول تعميم الاتهام ووصف كل المنظمات بأسوأ الصفات. نعرف، هنا في بلادنا، وقف البغدادي الذي دعم جامعة الخرطوم دعما كبيرا، وكذلك العديد من الخيرين الآخرين في وطننا.
جون قرنق مفكر وشخصية كاريزمية له القدرة على تبسيط أعقد القضايا بلغة بسيطة يفهما المواطن العادي. تحدث عن التدخل الأجنبي فقال إذا عندك ناموسية فوق سريرك، وقبل النوم لم تهتم بإغلاق الناموسية بإحكام. جاء البعوض واصابك بالملاريا. هل نلوم البعوض ام نلومك انت لإنك لم تحم نفسك. ومهما حاول الأجنبي التدخل لن ينجح الا بسبب تساهلك، كما فعلت مع البعوض.
المصدر: صحيفة التغيير