برهة في عوالم التتمع الصوفي بشهر رمضان
في شهر رمضان، يُعد الصيام والعبادات الأخرى جزءًا مهمًا من الممارسة الصوفية، ويُنظر إليها بصفة فرصة لتعميق الروابط الروحية والتقرب أكثر إلى الله
المتصوفة يُكثرون من الذكر والتأمل والصلاة، ويسعون للتغلب على النفس والشهوات، ويُعتبر شهر رمضان فترة مثالية لتجديد النيات وتطهير القلب والروح , يُشجع الصوفيون على الاستفادة من الأجواء الروحانية
لشهر رمضان لتعزيز ممارساتهم الدينية والروحية، ويُعتبر الشهر الكريم فرصة للتفكر والتدبر والتقرب من الله بشكل أكبر, ومع ذلك، يجب أن تكون هذه الممارسات
مع الشريعة متوافقة أولا تتعارض مع أركان الإسلام وواجبات الصيام
في رمضان تهل الأفراح والنور
والقلب يسمو بالصيام إلى السرور
يا شهر الصوم، يا موسم التقوى
فيك الروح تسمو، والهدى يتجلى
تطهير النفوس، والقلب يتلألأ
والعابد في ذكر الإله يتجملا
بالليل، القيام، والدعاء يرفعه
والنفس تسكن، بالقرآن تطمئنه
فرحة العابد بالإيمان تزهو
وبالصيام، للرحمن يقربه
يا شهر الصبر، يا شهر الجود
فيك العطاء، والخير يفيض ويعود
الروح تسعى للعلا، وترتقي
وبالعبادة، للخالق تنتسب وتحتوي
في رمضان، السلوة بالصيام
والعابد يرجو، للجنان القيام
في التصوف، تُعتبر متعة العبادة تجربة عميقة تتجاوز الأفعال الظاهرية للعبادات إلى حالة من الغرق والتماهي مع العوالم الروحية. هذا المفهوم يشير إلى الاندماج الكامل مع الحقيقة الإلهية، حيث يفقد الصوفي الوعي بذاته الفردية
ويصبح واحدًا مع الكون والوجود الإلهي. يُعبر عن هذه الحالة بمصطلحات مثل الفناء والبقاء، حيث يفنى الصوفي في الله ويبقى بالله
يُنظر إلى العبادة في التصوف ليست كمجرد تأدية واجبات دينية، بل كوسيلة لتحقيق القرب من الله والتجرد من كل ما هو دنيوي. يُعتبر الزهد والتقشف والمحبة والشوق إلى الله من الخصائص الأساسية للممارسة الصوفية، والتي تُمكن الصوفي
من تجربة السعادة الروحية والراحة النفسية
يُعد الذكر والتأمل والمراقبة من الأنشطة الروحية التي تُساعد على تحقيق هذه الحالة من الغرق الروحي. من خلال هذه الممارسات، يسعى الصوفيون لتطهير القلب والنفس من الشوائب والتعلقات الدنيوية، والتوجه الكامل نحو الله بكل وجودهم
في التصوف الإسلامي، يُعتبر الحق المطلق ليس فقط درجة من درجات الفهم، بل هو مرحلة من مراحل الوصول إلى الكمال الروحي والاتحاد مع الله. يُنظر إلى الحق المطلق على أنه الحقيقة الإلهية الكاملة التي يسعى المتصوف لإدراكها من خلال تجاربه وممارساته الروحية
الحق المطلق يُمثل الوجود الأسمى والمطلق الذي لا يتغير ولا يتأثر بالزمان والمكان، وهو المصدر الأول لكل الوجود. المتصوفة يسعون لتجاوز الأنا والوصول إلى معرفة روحية عميقة تتجاوز الفهم الحرفي للنصوص الدينية، ويتم ذلك من خلال التأمل والذكر والممارسات الروحية الأخرى3.
الغرق في المفاهيم الصوفية يُشير إلى الانغماس الكامل في البحث عن الحقيقة الإلهية والسعي لتحقيق الاتحاد مع الله، وهو ما يُعرف بالفناء في الحق، حيث يفقد الفرد إحساسه بالذات المنفصلة ويشعر بأنه جزء لا يتجزأ من الوجود الإلهي
بهذا، يُعد الحق المطلق في التصوف الإسلامي هدفًا ومقصدًا روحيًا يسعى المتصوف لتحقيقه من خلال مسيرته الروحية، وليس مجرد مفهوم نظري يُدرس ويُفهم فحسب.
المدرسة الصوفية المغربية تُعتبر من أبرز المدارس في الخط الصوفي العميق، وهي معروفة بتأكيدها على الوسطية والاعتدال. تُركز هذه المدرسة على الجوانب الروحية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وتسعى للإصلاح الإنساني وفق رؤية أخلاقية تعكس القيم الصوفية1. كما أنها تُعرف بتأثيرها الكبير في المجتمع المغربي ودورها في نشر الثوابت الدينية في دول إفريقيا
في التصوف الإسلامي، يُعتبر الحق المطلق مفهومًا يشير إلى الله كمطلق وغير محدود، وهو الوجود الأسمى الذي لا يتغير ولا يتأثر بالزمان والمكان. يُنظر إلى الحق المطلق على أنه الحقيقة الكلية التي تتجاوز كل الحدود والتعريفات البشرية، وهو المصدر الأول لكل الوجود
أما بالنسبة لأبرز من كتب في موضوع الحق المطلق في التصوف الإسلامي، فمن الشخصيات البارزة في هذا المجال , فريد الدين العطار: يُعد من أهم الشخصيات في التصوف الإسلامي، وقد تناول موضوعات التصوف بعمق في كتاباته
محمد بن بريكة الحسني الجزائري: مؤلف كتاب “التصوف الإسلامي من الرمز إلى العرفان”، وهو عمل يُعتبر مرجعًا هامًا في دراسات التصوف
كتاب “التصوف من الرمز إلى العرفان” للدكتور محمد بن بريكة الحسني الجزائري، يعتبر من الأعمال الهامة في مجال التصوف الإسلامي. يتناول الكتاب التصوف بوصفه مسارًا روحيًا يهدف إلى تطهير القلب والنفس من أجل الوصول إلى معرفة الله. يستكشف الكتاب الرموز والمفاهيم الصوفية ويحللها في سياق العرفان، وهو الإدراك الروحي العميق .و يُعرف الدكتور محمد بن بريكة بأنه أصغر أستاذ في تاريخ الجامعة الجزائرية، وقد أسهم بشكل كبير في التعريف بالتصوف وأعلامه. يُظهر الكتاب جهوده في تقديم التصوف كمنهج حياة يجمع بين الزهد والعمل وفقًا للشريعة الإسلامية.
نعم، في التصوف الإسلامي، تُعتبر المعرفة حالة روحية تأتي نتيجة للعبادة العميقة والانغماس في ممارسات التقرب إلى الله. المعرفة الصوفية ليست مجرد معرفة عقلية أو نظرية، بل هي معرفة قلبية تحضر من خلال تجربة الذوق والشهود الروحي , يؤكد الصوفية على أهمية الذكر والتأمل والمراقبة كوسائل لتحقيق هذه المعرفة، والتي تُعد أساسية للوصول إلى مقامات الخضوع والعبودية لله
المعرفة في التصوف تُعد أيضًا معرفة لدنية أو إلهامية، تُعطى للمتصوف من الله مباشرة، وهي تتجاوز المعرفة العادية التي يُمكن اكتسابها من خلال الدراسة والتعلم العقلي. هذه المعرفة تُمكن المتصوف من اكتشاف البعد الروحي والجمالي في علاقته بخالقه
التعلم العقلي والعلم اللدني يمثلان مفهومين مختلفين في التصوف الإسلامي ,التعلم العقلي: هو العلم الذي يُكتسب من خلال الدراسة والتحليل والاستدلال. يعتمد على العقل والمنطق ويُعتبر مصدره إنساني. يشمل هذا النوع من التعلم المعارف العلمية والفلسفية والشرعية التي يتم تدريسها ونقلها بين الأجيال
العلم اللدني: هو علم يُعتقد أنه يُمنح مباشرة من الله دون واسطة تعليم بشري. يُعتبر علمًا روحيًا ويُركز على المعرفة الباطنية والإلهامات. يُنظر إليه على أنه يتجاوز العلم العادي ويُعطى للأنبياء والأولياء كما في قصة الخضر وموسى
بالنسبة للحقيقة، فإن كلا النوعين من العلم يُعتبران مهمين في التصوف. التعلم العقلي يُعد أساسيًا لفهم الشريعة والعلوم الدينية، بينما العلم اللدني يُعد مهمًا للتجربة الروحية والمعرفة الباطنية. الأقرب للحقيقة يعتمد على سياق البحث والمسار الروحي للفرد.
في التصوف الإسلامي، “الغرق” و”التلاشي” يُعتبران من المراحل الروحية العميقة التي يمر بها المتصوف في سعيه للاتحاد مع الحق المطلق. هذه المراحل تُعبر عن حالات ذهنية وروحية يختبر فيها الصوفي فقدان الإحساس بالذات المنفصلة والاندماج في الوجود الإلهي.
الغرق: يُشير إلى الانغماس الكامل في الذكر والعبادة بحيث يفقد الصوفي الوعي بالعالم المادي ويشعر بالوجود الكلي لله.
التلاشي: يُعبر عن مرحلة أكثر تقدمًا حيث يتلاشى الوجود الفردي للصوفي ويصبح واحدًا مع الحقيقة الإلهية , وكلاهما ليس فقط حالة ذهنية بل هما درجة صوفية تُعبر عن تقدم الصوفي في مساره الروحي نحو الفناء في الله والبقاء بالله، وهما تُعتبران من الأهداف الأساسية في التجربة الصوفية
أن المدرج السبع في التصوف هي مراحل روحية يمر بها المتصوف في سعيه للتقرب من الله وتحقيق الاتحاد مع الحق المطلق. هذه المراحل تُعبر عن تطور الروح والقلب وتشمل
التوبة (التوبة): العودة إلى الله والابتعاد عن كل الذنوب والمعاصي.
الورع (الزهد): تجنب كل ما هو محرم أو مشكوك فيه للحفاظ على النفس نقية.
الزهد (التقشف): التخلي عن التعلق بالدنيا والرغبات المادية.
الفقر (الفقر): الشعور بالاحتياج الكامل لله والاعتماد عليه وحده.
الصبر (الصبر): التحمل والثبات في مواجهة الابتلاءات والمحن.
التوكل (الثقة بالله): الاعتماد الكامل على الله في كل الأمور.
الرضا (القناعة): القبول بقضاء الله وقدره والرضا بما قسمه الله.
هذه المراحل تُعتبر خطوات في السلوك الصوفي تقود السالك نحو تحقيق الفِنَاء في الله، وهو الذوبان والاندماج في الوجود الإلهي، والبقاء بالله، وهو الحياة بالله بعد الفناء.
وأخير يردد قلبي هذا القصيد يبكي مشتاق
المجذوب عشقًا إليك ربي
في القلب نارٌ والهوى قد توقدا
والروح تسمو فوق أمواجها سُدى
أبحرتُ في بحر الهوى متجردا
عن كل دنيا، للإله تعبدا
أشرقت شمس الحق في ليلي البهيم
والنفس تغدو في هواكم متيمة
في كل نسمة، في صدى كل نغمة
ألقى حبيبي، والفؤاد مُقيمة
يا رب، يا منتهى أملي ورجائي
فيك انطوى كل الوجود ومعناي
أنت السكون في زمن البلوائي
والنور يملأ دربي المستوحشاي
أسري إليك والدروب مظلمة
والخوف يعصف بالقلوب مُظلمة
لكن حبك نورها المتقدمة
في الليل يبدو كالشموس مُقدمة
أدعوك ربي، فاستجب لي دعائي
واجعل حياتي في هواكم بقائي
أنت الذي أرجوه في كل بلائي
والقلب يخفق بالهوى، لك فدائي #
المصدر: صحيفة الراكوبة