براؤون وبرهانون صراع التمكين في الوسط

خالد فضل
ما بين القصر والمنشية اشتبكت خيوط جماعة الإسلام السياسي عند ذروة صراع التمكين والإستحواز والهيمة , فكان ميلاد حزب المؤتمر الشعبي وبروز حركة مسلحة سميت بالعدل والمساواة, ترفع قميص عثمان , وتستحلب العواطف باسم القيم الرفيعة,ويتم نشر الإحصاءات عن انتشار فيروسات الجهوية والعرقية والمناطقية في سلطة المركز , وعن التهميش الذي اصاب الأقاليم وأناخ بكلكله في دارفور .والإحصاءات دقيقة لأن مصدرها أضابير السلطة نفسها , والترابيون بقسميهم ؛شعبيون وعدليون, ممن حظوا فيها بالتوظيف على سنة التمكين وشراسة شريعة بيوت الاشباح والزنازين .
نشرت أخبار زيارة خاطفة قام بها قائد الجيش الفريق أول البرهان إلى مدينة الدندر يوم الخميس 24/4/2025م , خاطب خلالها جمعا من الناس , متوعدا بمواصلة القتال , وقابل السيد حماد عبدالله حماد ؛ صاحب الترند المشهور على مواقع التواصل الإجتماعي ,الذي عبّر فيه بحماس مفرط عن تفويضه الشخصي للجيش بالإستمرار في الحكم إلى يوم القيامة , مع توجيه إساءة بذيئة للدعامة , وهو الأمر الذي يشير إلى تقدير وإعجاب قائد الجيش وامتنانه ,مما منح السيد حماد هدية مجانية لأداء الحج هذا العام . وهي إشارة مرموقة حول استغلال شعائر الدين كمكافأة للولاء السياسي .
يمكن ربط تلك الزيارة المفاجئة بعدة مؤشرات , مقرونة بطبيعة الصراع على السلطة والهيمنة , خاصة مع العودة غير المواربة والظهور العلني لحزب المؤتمر الوطني المحظور , فهو يكاد يكون الحزب الوحيد الذي يمارس العمل الآن ؛ ولعل مردّ ذلك إلى طبيعته العسكرية , وتكوينه الجهادي المسلح , وبيئة الحرب هي الوسط المثالي لإستعادة تمكينه وبريقه وسط الخراب و فوق الجماجم والأشلاء . مناطق الهيمنة التي برزت فيها التشكيلات المسلحة للتنظيم هي أواسط البلاد بما في ذلك العاصمة الخرطوم . وهي نفسها المناطق التي انسحب منها الجيش لصالح تمدد الدعم السريع منذ بداية الحرب . وفي ولايتي الجزيرة لمدة عام وسنار لبضعة أشهر, واجه المدنيون العزل الحملات الوحشية التي شنتها ضدهم فصائل الدعم السريع , وراح ضحيتها أعداد من الضحايا المدنيين ؛ بما في ذلك توثيق حالات إغتصاب وزواج قسري واختطاف الفتيات , وطالت عمليات النهب والتخريب الممتلكات و المرافق الخاصة والعامة وشملت مناطق جنوب و وسط وشمال غربا لجزيرة بصورة خاصة , فيما ظلت مناطق شرق الجزيرة وشمالها تحظي بحماية (الخائن ) كيكل , ولم تتعرض للإنتهاكات مثل بقية المناطق إلا بعد تصنيف كيكل(كبطل) والوصف بالخيانة والبطولة مما تسبغه آلة الدعاية الحربية الداعمة للحرب من طرف الجيش .
في ولاية سنار , تمّ إغتيال قائد حملة الدعم السريع (الخائن) البيشي في الدندر ؛ وهو من أبناء الولاية في ظروف تكتنفها الشبهات . وبعد انسحاب قوات الدعم السريع سيطرت مليشيات العمل الخاص التابعة لجهاز الأمن و البراء الجهادية و التقراي الإثيوبية ومليشيا قبلية على المدينة , وأفادت تقارير متواترة بوقوع تصفيات وحملات إنتقامية على أسس قبلية وعنصرية في بعض القرى , وحملات إعتقالات وتعذيب لمواطنين في المنطقة بشبهة التعاون مع المليشيا , شملت بعض النشطاء المدنيين الذين لهم مواقف صارمة ضد تنظيم الإسلام السياسي . وقد انتشر مقطع فيديو للضابط الإداري وهو من أبناء الدندر , يتوعد فيه ويطلب القبض والتبليغ عن أي قحاطي وتقزمي , وهم معروفون لديكم ؛حسبما قال , مما استدعى أنْ يرد عليه الكاتب الصحفي يوسف التاي بكلمة منشورة نبّهه فيها إلى أنّ الذين يتوعدهم فيهم أخيار الناس في المنطقة .في وقت لاحق تم إعتقال الاستاذ التاي وإقتياده إلى سنجة قبل أن يطلق سراحه فيما بعد .
صراع الهيمنة والتمكين يبدأ بالفعل من المنطقة التي إبتدأت فيها عمليات الإنسحاب المتتالي لقوات الدعم السريع , وسيطرة مليشيات الإسلاميين . بينما لم تُمح من ذاكرة المدنيين المذعورين بعد , وهم يتدافعون بالآلاف لعبور الجسر الضيق على نهر الدندر صورة سيارات الجيش التي أغلق من أجل مرورها الجسر في وجه الأطفال والنساء وكبار السن ,وهي محملة بالجنود في طريق انسحابها (إنْ لم أقل هروبها ) أمام جحافل (الجنجويد) وأضطرت أسر بمن فيهم النساء والأطفال لخوض مياه النهر طلبا للنجاة , في وقت لم تظهر مليشيا البراء أو قائدها الضابط الإداري في خط المواجهة والتصدي لمليشيا آل دقلو الإرهابية و عرب الشتات وجراد الصحراء كما يصفونها الآن . وبالطبع عاد بعض قادة المليشيا من مواطني المنطقة , واستقبلوا كأبطال على غرار عودة كيكل . ولا أدري إنْ كانت شتيمة حمّاد ما تزال تلحقهم أم تمّ إسقاطها عنهم ضمن العفو العام . وما إذا حظوا بمظروف مكتظ بالأوراق المالية عديمة القيمة ؛ ثمنا لبطولتهم .
الواقع في ولاية سنار تحديدا تبرز فيه تعقيدات الحرب وعمقها الإجتماعي , فهناك قرى تقطنها غالبية من قبائل عرب دارفور , تمّ تصنيفها كحواضن إجتماعية للدعم السريع , وقد طالعت مقالا لأحد الصحفيين في موقع سوداني يحرّض على قرى بعينها ويحددها بالاسم في منطقة جبل موية . بينما ظهر الإنقسام في قبيلة رفاعة بقسميها شرق وغرب ؛ وهي من أكبر قبائل المنطقة , وأعلن الناظر أب روف تأييده للدعم السريع, ومضى للإنضمام إلى قائمة الموقعين على ميثاق تأسيس , فيما انحاز بعض قيادات القبيلة إلى صف الجيش وتشكيل مليشيا قبلية لمؤازرته , وتذبذبت مواقف بعضهم , علما بأنّ معظم قادة الإدارة الأهلية في السودان كانوا قد أظهروا ولاءهم لحميدتي عقب الإنقلاب في 25 أكتوبر 2021م, وتمّ حشدهم في أرض المعارض ببري , ونال بعضهم عطايا حميدتي (سيارات جديدة) في وقت كانت مواكب الثوار تطالب بالحكم المدني وعودة العسكر للثكنات وحل الدعم السريع , فتزهق أرواحهم في شوارع الخرطوم .
ظهور مليشيات الإسلاميين , وسطوتها البارزة , في مناطق وسط السودان مقرؤة بتلميحات وتصريحات قائدها الأبرز المصباح طلحة حول ترفيعها المتتالي إلى لواء ثم فيلق , وربطه بما صرّح به د. عبدالحي يوسف حول سيطرتهم على الجيش وإحاطتهم بالبرهان من داخل مكتبه فلن يستطع منهم فكاكا , ربما جعلت الأخير يبحث عمن يتقوى به شعبيا بحكم يقينه من صحة مزاعم عبدالحي حول وضعيته على مستوى الجيش , وبطبيعة صراعات المصالح فهي بلا سقوف أخلاقية , فإنّ قائد الجيش يستثمر في حالة الغضب الشعبي وسط الضحايا الذين تضرروا من ممارسات عناصر الدعم السريع ومستغلا حالة التضليل الكثيفة التي رافقت الحرب في أوساطهم بدرجة جعلتهم يتماهون مع خطاب التضليل ويكذبون الحقائق والوقائع التي حدثت أمام أعينهم .
ساحة الصراع حول التمكين والهيمنة في الوسط تمثل صورة من طبيعة الصراعات في الشرق , فيما يبدو الشمال النيلي أميل للركون لسيطرة مليشيات الإسلاميين بحكم إنتماء معظم قادتهم إلى ذلك الإقليم . أمّا دارفور وكردفان وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق الموسومة بمناطق الحواضن الإجتماعية للتمرد فيبدو الصراع فيها مؤجلا لحين إتضاح الرؤية حول وضعها في المستقبل القريب , وحتى ذلك الحين ستكون آليات فرق تسد , وإثارة النعرات العنصرية والقبلية والدينية وتأجيجها , مما يشكل القاسم المشترك بين المتصارعين , توحدهم إلى حين .
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة