اخبار السودان

بحر المالح!!.. السودانية , اخبار السودان

ركن نقاش

لله في خلقه شؤون: بحر المالح!!..

عيسى إبراهيم

** بحكم ميلادي وطفولتي ببورتسودان ارتبطت بالبحر الأحمر (بحر المالح) ومن المعالم المحفورة في الذاكرة الباكرة في ذلك الزمان ما يسمى بالسقالة وهي ردمية ترابية تسوق من الشاطئ الضحل إلى عمق البحر وهناك “سقالتان” إحداهما مشاطئة لديم التجاني الحي الذي يسكنه عمال مرتبطون بميناء بورتسودان من حيث النشاط العملي والأخرى “سقالة الصحة” مجاورة لحي العظمة المتاخم لأبو حشيش وأبو الدهب ومن اسمها (الصحة) تأخذ وظيفتها آنذاك حيث كان عمال الصحة يفرغون من عليها حمولاتهم زمن (مراحيض الجرادل) وبتطور الزمن تطورت المراحيض واختفت المهمة باختفاء المصدر..

** حيوانات بحر المالح (أسماك وغيرها) من حيث مسمياتها الشعبية في ذلك الحين هي الهبابر والسيجان والقشلي والبياض والحيمور (الناجل) والجمبري والكومبير والشارقمة وأبو سوط وأبو صندوك وأبو جلمبو (الظرمباك العلف) وأبو مقص وأبو شوك وسمك “القرش” المفترس بأحجام كثيرة ومتعددة..

** من خصائص مياه البحر الأحمر أنها شفافة ولا تحجب الرؤية فكل ما تحت الماء يرى بالعين المجردة ومن أجمل ما يرى الشعب المرجانية مختلفة الألوان والأشكال في إبداع منقطع النظير كما ترى الأسماك بأنواعها المختلفة والمتعددة وجميع ما هو في قاع البحر من حيوات في المناطق الضحلة..

** وإن انسى لا انسى سمكة التوينا العملاقة التي تجاوز طولها ما يقارب الخمسة عشر متراً طولاً وعرضها أكثر من مترين في سبعينات القرن العشرين الماضي حيث أصيبت بمروحة إحدى السفن العملاقة التي أودت بحياتها ورفعت بواسطة رافعة الباخرة نفسها وكانت بمثابة حديث أهل المدينة لغترة طويلة حيث وضعت على سطح عربة من عربات السكة حديد التي ليست لها جدران (عربة سطح) وأذكر أنني أرسلت صورة السمكة العملاقة والتعليق ونشر في الصفحة الأخيرة لصحيفة الأيام أيام عملي بمكتب إعلام بورتسودان..

** من ملاحظاتي أن سمك الهبابر يلتهم كل ما يرمى له وخاصة ما هو عالق بسنارة الصيد من علف (الظرمباك) لذا فهو سهل الصيد أما السيجان فهو ليس متهوراً كصاحبه الهبابر ولعله صاحب تجارب مختزنة في ذاكرته وكان من النادر اصطياده..

** الشعب المرجانية من آيات الله الجمالية في بحر المالح وكان لهيئة الموانئ البحرية عبارة خاصة في قاعها زجاج شفاف تحمل فيها السياح إلى أعماق قريبة من الشاطئ ليتمكنوا من رؤية الشعب المرجانية زاهية الألوان وبداخلها أسماك مخططة وجميلة بألوان مختلفة.. ومن العجائب أننا كنا نحصل على أجزاء من هذه الشعب ونأتي بها إلى منازلنا ونزيل ما بها من رواسب تخفي ألوانها الزاهية بواسطة تسليط ماء مندفع بقوة من الحنفيات (الصنابير) فنحصل على ألوانها الطبيعية الخلابة الممتعة..

** المعلوم أن البحر الأحمر هو انكسار (أخدود) يفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا ويبدأ من مضيق باب المندب وينتهي بلسانين أحدهما الشرقي ينتهي الى فلسطين (إسرائيل) والآخر الغربي الذي في رأسه قناة السويس التي تربط المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط (وفي وسط اللسانين صحراء سيناء) والتي اختصرت المسافة للسفن التي كانت تعبر إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط عن طريق العبور من جنوب القارة الأفريقية إليها..

** المسافة بين شاطئ البحر الأحمر إلى عمق الأخدود تتجاوز المئتي متر (وهي المنطقة الضحلة ولونها أزرق فاتح) أما في حافة الأخدود حيث يكون لون الماء في الأخدود أزرق غامق والذي يشير إلى العمق الحقيقي للانكسار والتي تجوبه السفن العملاقة..

** فنار سنجانيب: المنارة أو الفنار هو مبنى يقع على شاطئ البحر الأحمر مقام على منطقة شعب مرجانية يرسل إشارات ضوئية ليرشد السفن القادمة إلى الميناء أو المغادرة لتبتعد عن مواقع هذه الشعب المعيقة لها وكثيراً ما تعلق بها وتعطلها.. ولقد شاهدت أيام وجودي ببورتسودان عدداً من تلك السفن ضلت طريقها في أخدود البحر الأحمر فارتطمت بالشعب أو بحافة الأخدود وتعطلت..

** تعلم العوم بالبحر الأحمر أكثر سهولة من النيل لعدم وجود تيار ببحر المالح يمكن أن يجرفك وأذكر أنني غامرت مرة في الاقتراب من حافة الأخدود بل ودخلت إليه عائماً وسرعان ما خرجت لأن عمق البحر مخيف ومرعب لوجود سمك القرش المفترس!!..

** من مآسي ميناء بورسودان أن عبوة سامة سقطت في محيط مياه الميناء وقتلت كمية كبيرة من الأسماك التي طفحت على ظهر الماء نافقة وامتنع سكان المدينة عن اصطياد السمك أو أكله لفترة طويلة حتى اطمأنوا على زوال السبب!!..

[email protected]

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *