بالإجماع !
مناظير
زهير السراج
* وجه مجلس الأمن ضربة ساحقة أمس لحكومة الكيزان التي كانت تأمل في عدم تمديد القرار رقم 1591 لعام 2005 بحظر توريد الأسلحة إلى دارفور لتزيد من أعمالها الوحشية بقصف وقتل وتشريد المدنيين الذين ذاقوا الويل من قصفها الجوي المتلاحق لهم، ولكن خاب أملها بصدور القرار رقم 2750 لعام (2024) بتأكيد القرار 1591 وتمديد الحظر لعام آخر (ضمن حزمة عقوبات أخرى)!.
* ليس ذلك فقط، بل جاء صدور القرار بإجماع أعضاء المجلس بما فيهم روسيا والصين اللتان كانت حكومة الكيزان تأمل في معارضتهما للتمديد ولكنهما شاركا في توجيه الضربة الساحقة، وصوتا لصالح القرار مما أربك ممثل حكومة الكيزان في المجلس فأثنى في بداية كلمته المرتبكة على الإجماع الذي وجده القرار وشكر حكومة الولايات المتحدة التي قادت عملية التفاوض مع أعضاء المجلس للتوافق على القرار، ثم أخذ بعد ذلك في انتقاد القرار الذي “يحد من قدرة الحكومة” ـ حسب ـ زعمه ــ “على حماية المدنيين في دارفور من هجوم المليشيا”، ولا أدري كيف يثني ممثل الحكومة (أي حكومة) على قرار يحد من قدرة حكومته على الدفاع عن المدنيين بحرمانها من السلاح إلا إذا لم يكن ــ أو من أملى عليه الخطاب ــ في وعيه، أو خاف من إدانة القرار تملقا لروسيا والصين!.
* لم يكتفِ الممثل الأجوف بتلك الجلطة فقط، بل وضح جليا إنه لا يفهم شيئا في قواعد وتقاليد الأمم المتحدة ومجلس الأمن في اتخاذ وتجديد القرارات، فالجلسة كما كان معلنا، كانت للنظر في تجديد القرار أو إلغائه، وليس صدور قرار جديد بمحتويات جديدة، إلا أن الممثل الكوميدي المدعو (الحارث إدريس) أبى إلا أن يظهر عجزه وعدم فهمه لأعمال المجلس، فندد في كلمته بعدم إدانة القرار لقوات المليشيا ووحشيتها أو إدانة دولة الإمارات التي تمولها بالسلاح، الأمر الذي يعني صدور قرار جديد لا شأن له بالقرار السابق!.
* كما حشد الكلمة بأشياء لا علاقة لها بموضوع القرار معتقدا أنه في مسرح كوميدي أو (قعدة ونسة)، متحدثا عن الهجوم الإرهابي الذي وقع على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر، 2001 والذي تصادف تاريخه مع تاريخ انعقاد الجلسة، وهو الأمر الذي لم يذكره في كلمته حتى ممثل الولايات المتحدة نفسها الذي اقتصرت كلمته على دقيتين فقط تحدث فيها عن الانتهاكات والجرائم التي يتعرض لها المدنيون في إقليم دارفور من طرفى الحرب مما استدعى تمديد الحظر، وشاركه في ذلك ممثل المملكة المتحدة الذي أشار في كلمة موجزة جدا إلى تقرير لجنة تقصي انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب التابعة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والذي صدر قبل بضعة أيام ووجه اتهامات صريحة إلى طرفي الحرب بارتكاب جرائم وانتهاكات ضد المدنيين ترقى إلى جرائم حرب، وأوصى بحظر السلاح في كل أنحاء السودان ونشر قوات دولية محايدة في السودان لحماية المدنيين، وهي إشارة القصد منها التلميح لما يدور في ذهن المجتمع الدولي حول هذا التقرير، خاصة مع الإستجابة الدولية الواسعة التي وجدها!.
* غير أن الممثل الكوميدي المهرج المتملق أغرق المجلس والمتابعين للجلسة، كما أسلفت، في كلمة طويلة متناقضة لا علاقة لها بموضوع الجلسة متملقا روسيا والصين مرة بالثناء على القرار، والولايات المتحدة مرة أخرى بانتقاد هجمات (الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية)، ومنتقدا القرار عدة مرات لأنه لم يتضمن أية إدانة لدولة الإمارات العربية التي تمول قوات الدعم السريع بالسلاح والمال في مقابل الذهب الذي تُهرِّبه لها المليشيا، ومسترشدا بقراءة مقالات من عدد من الصحف والمجلات، من ضمنها صحيفة الأرزقية المسماة بـ(الكرامة) وتهريج من مثل هذا النوع لا علاقة له بالموضوع، الأمر الذي يستوجب على الكيزان (ليس حرصا عليهم وإنما حماية للشعب من الفضائح المتواصلة) إما إستبدال هذا الكوميديان الجاهل بكوميديان آخر أقل جهلا، أو إيفاده في بعثة إلى أحد المعاهد بنيويورك ليتعلم أبجديات العمل في الأمم المتحدة ومجلس الأمن والحصول على نثريات ضخمة من التي تخصصها حكومة الكيزان من مال الشعب المنهوب لمهرجيها في مثل هذه البعثات، بينما يعاني الشعب من التشرد والجوع والمرض، ولا يجد غير أوراق الشجر والحشرات يقتات بها إذا نجا من القتل!.
* لعلم السيد الكوميدي المهرج إذا كان ناسيا أو متناسيا أو متغافلا، أن المُورِّد الرئيسي للذهب حتى هذه اللحظة إلى دولة الإمارات، سواء تهريبا أو تصديرا، هى حكومة الكيزان (باعتراف وزير تجارة بورتسودان نفسه الفاتح عبدالله يوسف في مؤتمر صحفي في شهر مايو الماضي، مسبباً ذلك بأن التجار يفضلون التعامل مع الإمارات لسهولة التمويل، وعندما سُئل عن استمرار صادر الذهب إلى الإمارات المتهمة بتمويل قوات الدعم السريع، أجاب بأن الحكومة لا تفرض قيودا على مكان بيع الذهب، ولم يذكر بالطبع (أن هؤلاء التجار هم تجار وسماسرة الكيزان وشركاؤهم في الفساد من عسكريين وغيرهم) .. هل لك أن تتخيل ماذا يحدث أيها الكوميدي الذي تملأ الدنيا تهريجا وصراخا عن دولة الإمارات العربية، وتذرف الدموع لعدم إدانتها في المحافل الدولية، بينما حكومتك وكيزانك اللصوص هم الذين يصدرون لها الذهب.. وبماذا تجيب لو سألك أحد الذين تشنِّف آذانهم بالصراخ اليومي عن هذا الموضوع، أم أن مصالح الكيزان الذين لا يقدرون على الفطام من الرضاعة الفاسدة التي تعودوا عليها، لا علاقة لها بتمويل الدعم السريع بالسلاح وقتل الشعب، فيتركونك تنبح كالكلب المسعور في مجلس الأمن بدون أن يصغي أحد لنبيحك؟!.
* مبروك تمديد حظر السلاح في دارفور، وعقبال كل السودان وتوقف الحرب وانتهاء معاناة الشعب السوداني، إن شاء الله !.
[email protected]الجريدة
المصدر: صحيفة الراكوبة