إسماعيل عبد الله
كل المراقبين للعلاقة التكتيكية بين إخوان السودان والنظام في مصر، يدركون أن هذه العلاقة لابد وان تصطدم بالوجه الحقيقي للنظام المصري، الذي أطاح بإخوان مصر ورئيسهم محمد مرسي، فالخلاف بين النظامين دموي عكسته حادثة رابعة، والدولة العميقة في مصر منذ عبد الناصر أسست على عكس هوى جماعة الإخوان حسن البنا وسيد قطب التي يعود منبعها إلى مصر ذاتها، والإخوانيون في الدولتين مصر والسودان متناغمون، ارجع البصر كرة واحدة لعهد الرئيس المصري الإخواني محمد مرسي، لترى كيف استُقبِل عرّاب إخوان السودان حسن الترابي، كاستقبال بابا الفاتيكان في البرازيل (أكبر قطر مسيحي في العالم)، إن العلاقة بين نظام البرهان رأس ما تبقى من الإخوان من جانب، ونظام عبد الفتاح السيسي من الجانب الآخر، لا تسير كما يشتهي الأول، رغم دعم مصر السخي لإخوان السودان وخسرانها للمال والرجال في الحرب، فالمصريون يحترمون مصالحهم، سواء كانوا حكومة أو شعبا، ولن ينساقوا وراء كذب نظام إخوان السودان المحتمي ببورتسودان، وهم يعلمون أن ثلاثة أرباع البلاد مساحة وشعب وموارد، تحت سيطرة قوات الدعم السريع، خاصة بعد إعلان حكومة “تأسيس” المنطلقة من الأراضي المحررة، التي تنظر إليها مصر كمخزون للمحاصيل الزراعية الرأسمالية المنافسة عالمياً، ومكمن الثروة الحيوانية المعتمدة عليها في المأكل والتصدير.
المتابع للمؤشر الراصد لتقلبات السياسة المصرية الدكتورة أماني الطويل من مركز الأهرام، يلحظ التحول الكبير في حديثها عن الطرف الآخر قوات الدعم السريع، خاصة بعد تحريرها للمثلث الحدودي الفاصل بين الدول الثلاث مصر والسودان وليبيا، هذا التحول فرضته براغماتية العلاقات الدولية الاقتصادية، فلا يظن أحد أن مصر ترى فروق بين السودانيين جنوبيين وغربيين وشماليين وشرقيين، إنّها تبني سياستها على أبحاث حقيقية، تقوم بها مخابراتها الأكثر خبرة في المحيطين العربي والإفريقي، فالمصري الرسمي والشعبي أولويته أكل العيش، خلاف السوداني الحكومي والمواطن، الذي تحركه العواطف الدينية والشعبوية غير المرشدة، هنا يحدث الفرق في طريقة إدارة الدولتين لملف العلاقات الخارجية، فالسودان ومنذ فجر (الاستقلال) يربط مصيره بمصير القضية العربية المركزية، التي خرجت من غيبوبتها مصر عبر بوابة اتفاقية كامب ديفيد، بينما استمر السودان في الكوما (التي غطّست حجره)، فمصر الرسمية لا تعرف غير مصلحة شعبها واحتياجاته الأساسية من مسكن ومأكل ومشرب وتعليم وصحة، حتى السودانيين الذين ضمتهم قسراً إليها بعد احتلالها لحلايب وشلاتين، لن يرضوا بالعودة لراية الحكم السوداني الغارق في الحرب والفقر والمرض والجهل، فمعظم السودانيين الشعبيين والرسميين لا يعون أن مصر لن تبخل عليهم بشيء إلّا السيادة الوطنية.
البرهان مجبور على دعم نظام السيسي في مشروع استئصال الاخوان، ولن يجد بد من الرضوخ للتوصيات الدولية الخارجة من فوهة البندقية المصرية الممولة لحربه، فحتى حليفتا إخوان السودان تركيا وإيران لم تقدما ما قدمته مصر في حربهم الظالمة على شعبهم، لذلك سيخرج إخوان السودان من المولد بلا حمص، ذلك أنهم لا يقيمون للواقعية وزناً، وأن الطمع ديدنهم الذي بلا شك سيوردهم مورد مهلك لا مفر منه، ومن أخطائهم الاستراتيجية القاتلة قرار مواجهتهم للقوة العسكرية التي كسبت ود المجتمع الدولي، لدورها الفاعل في كبح أمواج الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط، لا سيما وأنها أسهمت في تغيير معادلات الحروب الشرق أوسطية، لم يحسب إخوان السودان حساب المتغيرات الجيوسياسية التي طرأت على المشهد الإقليمي، فالحرب التي أشعل عود ثقابها جهلاء الحركة الإسلامية التي يقودها قائد مليشيا الدفاع الشعبي علي كرتي، دون تقديم أي ضمانات اقتصادية للجهات الداعمة مصر وتركيا وإيران، عادت وبالاً على الإخوان، فحرب السودان يدعمها التنافس العالمي والإقليمي على الموارد، واشتعلت لأن أبناء السودان ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا عبيـــدا في بلادهم، والعبـــد لا يطمح في تحرير رقبته من بؤس العبـــودية، وإنّما يستميت في خدمة سيده حتى لو أدى ذلك إلى المجازفة بحياته.
المصدر: صحيفة الراكوبة