اخبار السودان

اندلاع المرحلة الثانية من ثورة ديسمبر السودانية , اخبار السودان

د. عبدالله عابدين*

الثالث من يونيو 2019

في صباح اليوم الثالث عشر من يونيو 2019 وجدت هذه القصاصة التي تركتها لي زوجتي، وكنت وقتها في الداخل منهمكا في إعداد كتابي عن الثورة السودانية حيث كنت شاهد عيان تشرفت بالمشاركة في اعتصام القيادة العامة في السادس والسابع والثامن من أبريل عام 2019.

تقول القصاصة، التي تركتها لي زوجتي، وقد خرجت مع ابنتي في شأن لهما:

“للأسف فض هؤلاء الخونة الاعتصام بالقوة منذ ساعات الفجر الباكر، ونحن نتابع الأحداث: حزنت وبكيت، وقلت العسكر لا ولاء لهم ولا ذمة.!!”

هرعت بعد قراءة محتوى القصاصة إلى حيث التلفاز لأقف على جلية الأمر، فماذا وجدت؟! وكيف كانت ردة فعلي الأولى؟!

هذا ما كتبت واصفاً، ومحللاً لما حدث ومنددا به.

ارتكب المجلس العسكري الانتقالي مجزرة في ساحة اعتصام الثوار في القيادة العامة للجيش، ففي صبيحة اليوم الثالث من يونيو ٢٠١٩، الموافق للتاسع والعشرين من شهر رمضان الكريم، وفي ساعات الفجر الأولى داهمت قوة تتبع للمجلس العسكري وقوات أخرى بلباس الشرطة السودانية، ساحة اعتصام الثورة السودانية أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة.

وقد تلبس أعضاء المجلس العسكري خلعهم البالية من النفاق والكذب الذي يندى له جبين الإنسانية ناعما على لسان متحدثها الرسمي عمر زين العابدين بترهاته وأكاذيبه منكرا “إنهم لم يكن يريدون فض الاعتصام، وإنما كانوا بصدد “تنظيف” المنطقة المعروفة بكولومبيا.” بالله عليك، على من تجوز هذه التخريجات الخالية من أي مسحة ذكاء، بل يكلل حينها، إن كان لها جبين أصلا، بالعار، كل العار، وليس سوى العار!!

كيف لك يا مجلس يا عسكري اجتراح مثل هذه الجريمة النكراء، ظاناً أنك ستنجو من عقابيلها، هكذا بكل بساطة؟! إنكم يا فلول البشير، ويا ردفاء “الكيزان” وعملاء محور الشر الإقليمي و متسوليه تلفون حبال المشنقة حول رقابكم أمام العدالة الدولية: هل تدرون الآن أيها المتجببون بألبستكم العسكرية، و بنياشين عاركم العسكري: هل تدرون أنكم تحولتم إلى مجرمين مطلوبين محليا وعالميا؟!

أين أنتم من رجالات جيشنا من الشرفاء الذين انحازوا إلى الشعب السوداني في أكتوبر ١٩٦٤، وفي أبريل ١٩٨٥؟ وأين أنتم من كلمة الشرف العسكرية؟! الآن سقطت ورقة توتكم: إذ أنتم عراة أمام كل العالم يشاهد عوراتكم، ويطلع على وساوسكم الشيطانية، فانتظروا بوائق أفعالكم الشنعاء التي كنتم تحاولون جاهدين سترها، ولكن هيهات: فكل إناء بما فيه ينضح.

شكرا لكم، فقد و حدتمونا وأشعلتم المرحلة الثانية من ثورتنا، ثورة الثالث من يونيو، ثورة التاسع والعشرين من رمضان، وثورة ليلة القدر المنصورة بإذن الله. ثورة على أعتاب عيد الفطر المبارك: ثورة حتى النصرة.

شكراً لكم، فقد قطعتم شكنا باليقين، و علمتونا “علم تجربة لنا” بافتراع خط الثورة الشاملة. وقد كان الحوار الذي زعمتموه معنا يشكل تقييدا لحراكنا المجيد. فما عادت هناك سلاسل أو قيود. ألا تروا أن هذه فرصة قيضها الله لنا ليمكننا من إعادة رسم المشهد السياسي السوداني من جديد بدخول الثورة في مرحلة جديدة، وفي طورها الأخير المؤدي إلى دك النظام القديم برمته وبناء سودان جديد يسع الجميع، ويعبر عن الجميع، ويحتفي بتنوع موارده وأعراقه وثقافاته ولغاته وشعوبه؟!

شكرا لكم، فقد مكنتمونا من رؤية هذا اليوم المجيد الذي كشفكم الله فيه على حقيقتكم التي إن هي إلا عاركم الفاضح، و تبعيتكم التامة لنظام الإنقاذ وفلول الإسلام السياسي التي ادعيتم أنكم “اقتلعتم رأسه، و تحفظتم عليه في مكان آمن”، كما نعق به كبيركم الذي علمكم السحر، عوض ابن عوف وزير دفاع الرئيس المخلوع البشير.

نعق بذلك ابن عوف، وقد بدا واضحا علي سمته الكالح علامات المسرحية سيئة الإخراج تلك، والتي سرعان ما اكتشف الشعب السوداني زيفها وفجاجتها.. فهتف الثوار في الحال بسقوطه، وتنحيه فهوى لتوه، مخلفا وراءه، في غبار الكذب والنفاق الذي لف هيكله المتداعي أمام الكمرات، أشباحا له، وخيالات مواته ما فتئوا يخرجون كل يوم بألوان من المسرحة الممجوجة والادعاءات الفاضحة من التماطل وشراء الوقت واللجوء الرخيص إلى موائد محور الشر الإقليمي و عرابو الثورات المضادة لانتفاضات الشعوب في الإقليم.

وها أنتم ذا تهدوننا ساحة اعتصام أوسع وهي كل شوارع وساحات السودان في قراه وبواديه ومدنه المختلفة. فعلى قارعة ما أجبرتم من غدر وخيانة وقتل للمواطنين العزل، فتحتم الطريق لثورتنا أن تعلو موجتها من جديد. هذا بعد أن بعد أن لجأت جموع الثوار والثائرات إليكم في عقر داركم احتماء بكم وطلبا للأمان، فإذا بكم العدو بكل دناءة خلقه وخسة أساليبه وطرائقه. ولكنكم لفرط جبنكم لم تنالوا حتى شرف ظهور حقيقتكم في مواجهة الشعب بوجه مكشوف، وإنما لبستم لبوس الصداقة، و تنكرتم في أزيائها في خبث، وفي دناءة لا يجاريكم فيها أحد.

عار عليكم! كيف تدعون الحوار في الواجهة الظاهرة، وتتواطئون على الغدر والخيانة في كواليسكم لترتكبوا هذه المذبحة التي راح ضحيتها العشرات والمئات من الجرحى وحرقت الخيام؟! ودكت مقرات إبداعات المعتصمين الحضارية من تشكيل ومنصات حوار وعيادات، ومن شعارات تنادي بالعدالة والحرية والسلام.

أين هي إدعاتكم بأنكم إنحزتم إلى الثورة وجماهيرها؟ وهل من سمات الانحياز الغدر، وهل من صفات الانحياز البطش بمن أحتمي بك، وطلب منك الأمان؟!

وقد وصفكم محقا أحد الحصفاء بأنكم وكأنكم تقولون: أنا انحزت إليك، ولم أقتلك، فأعطني نصيبي.

هكذا أنتم، إذن، طلاب أنصبة وعُباد غنائم، بل أكثر من ذلك، أنتم متسولون على موائد المنعمين من دول الجوار مقابل سفك دماء أبناء السودان الأبرياء في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

هل تعرفون الشعب السوداني؟ هل حقا تعرفون هذا الشعب الذي تواجهون أبناءه بالبطش والتنكيل؟ وهل تعرفون بحق “شعبنا المعلم؟ ومن أنه “شعب عملاق يقوده أقزام؟”

هل تفكرتم في طرائقه هذه المبدعة، التي وكأنها الإلهام منساباً من الروح ومن أرض حكمة بعيدة الغور في أعماقه العبقرية التي تقدست منذ أقدم عصور التاريخ؟ وإلا فمن أين جاءت الكنداكات؟! نساء السودان الزاهيات؟ ومن أين صدر طفل الثورة: براعمها المتفتحة، وعجيبة عجائبها؟ أليس فيكم رجل رشيد، يوقفه شيء من هذا الإدهاش والغرابة اللامتناهية التي تسم بميسمها ثورة السودان؟!

الثورة الآن لها ساحات اعتصام “بعد أنفاس الخلائق!” فهي في قلوب كل السودانيين والسودانيات، وفي أكباد أمهات الشهداء المفجوعة بفقدها الأليم. الثورة الآن سارت بها الركبان ولا كابح لبركانها المتفجر وشلالها الهادر في السودان، وفي مهاجر السودانيين في كل أنحاء العالم.

أم ماذا ظننتم في خيالكم القاصر عند إقدامكم على المجزرة وسفك الدم الثوري الطاهر في أطهر ساحات العالم؟! أكنتم تحلمون بأنها النهاية لهذا المد الزاخر من بحر الثورة الهائج المتلاطم الأمواج؟! ها أنتم وقد مكر الله بكم، وسفه أحلامكم، انقلبتم على أعقابكم خاسئين، فلا نامت أعين الجبناء.

من أين أنتم قد أتيتم؟

ألم تلدكم أمهات من بلادي؟!

حقا من أين أنتم قد أتيتم؟ ألم تلدكم أمهات من بلادي؟!

*كاتب وطبيب نفسي

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *