اخبار السودان

انثروبولوجي العدالة

مصعب عبدالماجد محمد علي

في مقال سابق نشر ب أشرتُ الى أن العدالة الإنتقالية تتضمن اشكالاً عقابية عدة ، كما انها تقوم بالاساس على ثلاث عناصر اساسية ، هي الحقيقية ، الإنتصاف والمصالحة. هذه العناصر لا يمكن ان تتحقق إلا بعد دراسة علمية وعملية جادة للمجتمع السوداني بكل إختلافاته الثقافية والإجتماعية تُكشف فيه طبيعة العلاقات الاجتماعية والعناصر التي يمكن ان تدفع وتساهم في تحقيق العدالة نسبةً لارتباطها بالاخلاق والسياسة والقانون ، وهنا لابد من الإشارة الى ان لكل مجتمع طرقه في تحقيق العدالة ، تحدد وفقاً لطبيعة الفظائع المرتكبة وخصائص المجتمع نفسه ، بما في ذلك ثقافته وبناءه القانوني وانتماءاته السياسية والإثنية والتشكلات الإجتماعية والإقتصادية. فالسؤال الكبير الذي يجب على الدراسة الإجابة عليه هو ماهية التجليات الإجتماعية او العواقب المترتبة حال تم تطبيق أيةً من أشكال العدالة في الفترة الإنتقالية ، وما اثر ذلك على البناء الإجتماعي، الإقتصادي السياسي والحقوقي للسودانيين مستقبلاً؟ .
من المعلوم ان الإنتهاكات التي وقعت ضد المدنيين سواءً في الحرب الحالية او تاريخياً لم تقتصر على القتل او الإغتصاب او التعذيب والإعتقالات التعسفية فقط ، بل تعدت ذلك ، حيث شملت إنتهاكات واسعة مرتبطة بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية ، مثل التهجير القسري، نهب الممتلكات ، الإستيلاء على بيوت المواطنيين ، والأراضي الزراعية ، الإعتداء على المعابد وإتلاف المكتبات والمرافق الأثرية … الخ ، الامر الذي يتطلب قدر عالٍ من المحاسبة لمرتكبي هذه الإنتهاكات ، وفي ذات الوقت استعادة حقوق الضحايا ، جبر اضرارهم واعادة تماسكهم اجتماعياً وثقافياً بطريق تتسق مع التحول الديمقراطي الذي لا غنى عنه.
اشار علماء الاجتماع الى ان” الانثروبولوجيا بشكل عام معني بدارسة الخصائص الثقافية والبيولوجية للمجتمعات البشرية ، من خلال الوصف التحليلي وتقييمه ومقارنة وتطبيقه بشكل عملي لمعرفة المجتمعات البشرية. “اما انثروبولوجية القانون فهي تركز على الجوانب المعيارية للحياة البشرية الثقافية والبيولوجية مثل الدين ، السلوك ، العادات والعصبيات ، وتستند لعنصرين يحددهما القانون هما السلطة والعقوبة. وراى بعض علماء الانثربولوجية اهمية دراسة مظاهر الوظيفة الإجتماعية للقانون ، حسب لهوبيل ان للقانون اربع وظائف من ضمنها تسوية الخلافات وتحديد أسس السلوك والعادات المقبولة اجتماعياً بهدف ادراجها في ثقافة المجتمعات.
ان اهمية الدراسة الانثروبولوجية للمجتمعات السودانية تمثل غاية في الأهمية ، وتكمن اهميتها في نظرتها الشاملة لكل ابعاد عملية العدالة نفسها ، فهي تعطي اعتباراً للابعاد السياسية المجتمعية الاخرى المرتبطة بالانتقال اثناء تحقيق الانصاف للضحايا ، الشئ الذي لا يتوفر في العدالة الجنائية ، فالمحاكم الجنائية لا يهمها ما يحدث داخل المجتمعات من تشظي او غيره بعد اصدارها للحكم. لذلك لابد من دراسات انثروبولوجية جادة ورصينة تسبق عملية العدالة الانتقالية اذا قدر للضحايا الإنصاف مستقبلاً.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *