انتصار العزيمة : قصة تحرير بعض المدن السودانية ..!!؟؟
د. عثمان الوجيه
في قلب السودان ، حيث تتلاقى رمال الصحراء مع مياه النيل الخالد ، تدور رحى حرب ضروس ، أسبوع تلو أسبوع ، وشهر تلو شهر ، تتغير موازين القوى ، وتشهد المدن صراعاً دامياً بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع المتمردة ، في هذا الأسبوع ، الذي شهد تطورات عسكرية متسارعة ، أعلنت القوات المسلحة السودانية عن تحرير مدينة بحري ، باستثناء جيوب صغيرة يجري تطهيرها ، وفي الوقت ذاته ، اقتربت لحظة الحسم في معركة استعادة الخرطوم ، حيث تقدم الجيش من عدة محاور ، وبات الناس يتوقعون إعلانًا رسميًا قريبًا بتحرير العاصمة واستعادة القصر الجمهوري والوزارات والمنشآت الاستراتيجية ، لكن ، هل يعني هذا النصر نهاية الحرب؟ ، من الناحية العسكرية ، لا يزال المشوار طويلاً ، فبعد معارك تحرير الخرطوم ، ستنتقل المواجهات نحو إقليم كردفان ثم إقليم دارفور ، حيث ستكون طبيعة المعارك مختلفة تمامًا ، ومعظمها قد يدور في مناطق مفتوحة نسبيًا ، الأمر الواضح الآن هو أن الحرب دخلت مرحلة مفصلية ، وأن زمام المبادرة بات في يد الجيش والقوات التي تقاتل في صفوفه ، هذا التغير في موازين القوى أشعل فتيل الحرب الإعلامية والنفسية ، فبينما يعيش أنصار الجيش والمواطنون في المناطق المحررة أجواءً من الفرحة ، يبث خصومهم كلامًا للتشويش ، من شاكلة أن كل ما تحقق إنما كان باتفاق لتهيئة أرضية العودة للمفاوضات ، لكن هذه الأقاويل لا تصمد أمام الحقائق على الأرض ، فالانسحابات غير المنظمة لمليشيا الدعم السريع المتمردة من مواقعها ، وتركها أسلحتها وراءها ، تشير إلى تشتت وضعف ، كما أن تصريحات قيادات الجيش تؤكد أنها ماضية في طريق الحسم ، ولا مجال لأي مفاوضات الآن ، وما يدحض أيضًا فكرة الانسحاب “بصفقة” ، هو الخلافات التي دبت في صفوف الدعم السريع ، والتي أدت إلى تصفية بعض قادتها ، بالإضافة إلى مقاطع الفيديو التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي لمجندين في الدعم السريع يهاجمون قياداتهم ويحملونهم مسؤولية الهزائم ، بعد تحرير الخرطوم ستنطلق معركة أخرى ، وهي عودة الخدمات الأساسية وإصلاح البنى التحتية في العاصمة المدمرة ، فعودة الناس إلى بيوتهم تمثل انتصارًا معنويًا ونفسيًا ، بعدما ذاقوا عذاب التشرد ، صحيح أن هذه العودة ستفرض تحديات وأعباء كبيرة ، إذ إن الخرطوم بمدنها الثلاث من أكثر مدن السودان اكتظاظاً بالسكان ، ولكن ، مع الإرادة والعزيمة ، يمكن تجاوز هذه التحديات، إلى جانب ذلك ، ينتظر الناس عودة الحكومة لمزاولة أعمالها من الخرطوم ، فهذه الخطوة ستبعث الطمأنينة في نفوس المواطنين ، وتوجه رسالة إلى العالم بأن موازين الحرب قد تغيرت ، لا شك أن الطريق لن يكون سهلاً ، ولكن الأمل يحدو الجميع بأن الأصعب قد انقضى ، وأن الشعب السوداني سيتعلم من مرارة التجربة دروسًا قيمة .. هنا تحضرني طرفة فليسمح لي القارئ الحصيف بأن أوجزها في هذه المساحة وبهذه العجالة وهي : “في أتون الحرب : روايتي عن صراع السودان المرير” فمنذ أن اندلعت شرارة الحرب في السودان في 15 أبريل 2023م ، لم يعد شيء كما كان ، تحولت بلادي إلى ساحة قتال ، وقُتل الآلاف ، وتشرَّد الملايين ، وقُضي على كل ما كان جميلاً ، أنا ، كغيري من السودانيين ، اخترت أن أقف إلى جانب الجيش السوداني ، رغم تحفظي على بعض قياداته ، إنه جيش بلادي ، والمؤسسة التي تمثل سيادة الوطن ، لطالما دافعت عن هذا الموقف في مقالاتي ، التي طالبت فيها قيادات بلادي بعدم حجب المعلومات عن الإعلام ، وحذرت من خطورة المعلومات المغلوطة التي تبثها الميليشيا عبر أذرعها الإعلامية وحساباتها القوية على منصات التواصل الاجتماعي ، اليوم ، أشعر بالقلق والحيرة ، فبعد أن أعلنت الحكومة السودانية رسميًا عن تحرير القصر الجمهوري ، نفى قائد كتيبة البراء بن مالك ، المصباح ، الخبر على حسابه في تويتر! يا له من تناقض! ويا لها من فوضى! ماذا يعني هذا؟ هل هي حرب إعلامية أخرى؟ هل هي محاولة لتضليل الشعب؟ أم أن هناك حقائق أخرى لا نعرفها؟ أسئلة كثيرة تدور في ذهني ، ولا أجد لها إجابات ، أنا ، كصحفي ، أؤمن بحق الشعب في معرفة الحقيقة ، ولكن في هذه الحرب، يبدو أن الحقيقة ضائعة بين الأكاذيب والشائعات ، أخشى أن يكون هذا التناقض مقدمة لأخبار أسوأ ، أخشى أن تكون الحرب أطول وأكثر دموية ، أخشى أن يفقد السودان كل ما تبقى له من أمل ، أناشد جميع الأطراف المتحاربة أن توقفوا هذه الحرب العبثية ، كفى دمارًا وخرابًا ، كفى قتلاً وتشريدًا ، أدعوكم إلى الحوار والتفاوض ، وإلى تغليب مصلحة الوطن على أي مصالح أخرى ، أدعوكم إلى أن تعيدوا إلى السودان أمنه واستقراره ، وأن تعيدوا إلى شعبه الأمل في غد أفضل.
Enough destruction and devastation, enough killing and displacement. I call on you to dialogue and negotiation, and to put the interests of the nation above any other interests. I call on you to restore security and stability to Sudan, and to restore hope for a better tomorrow to its people
وعلى قول جدتي: “دقي يا مزيكا !!”.
خروج : “أهوال الحرب في السودان : بين مطرقة القتال وسندان الانتقام “ففي أرض السودان الحبيبة ، حيث تتلاقى الحضارات وتتعانق الثقافات ، اندلعت حرب ضروس ، مزقت أوصال الوطن ، وأدمت قلوب الأبرياء ، ففي الخامس عشر من أبريل 2023م ، اشتعلت فتنةٌ بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع المتمردة ، وحولت البلاد إلى ساحة حرب ، راح ضحيتها آلاف الأبرياء ، وشردت الملايين ، ومع اشتداد أوار الحرب ، تفشت انتهاكاتٌ مروعةٌ بحق المدنيين، حيث ارتكبت أطراف النزاع جرائمَ بشعةً ، من قتلٍ وعنفٍ جنسي ، واستخدامِ الجوع كسلاح ، وقصفٍ للمرافق الحيوية والصحية ، وفي خضم هذه الأحداث المؤلمة ، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تقشعر لها الأبدان ، تظهر عمليات قتل انتقامية خارجة عن القانون ، لأفرادٍ توجه لهم تهم التعاون مع مليشيا الدعم السريع المتمردة ، ففي أحد المقاطع التي انتشرت مؤخرًا، يظهر مجموعة من الأفراد يرتدون زي القوات المسلحة ، وهم يحيطون بشابٍ أعزل ، وينهالون عليه ضربًا بالسواطير، ثم يطلقون عليه الرصاص ويردونه قتيلاً ، هذه الجرائم البشعة ، التي تتزامن مع انتصارات الجيش الأخيرة على مليشيا الدعم السريع المتمردة ، ليست الأولى من نوعها ، ففي أواخر شهر سبتمبر الماضي ، وبعد عبور الجيش لكبري الحلفايا ، تعرض مجموعة من الشباب المتهمين بالتعاون مع الدعم السريع لعمليات قتل جماعي، وبعد استعادة مدينة ود مدني ، ارتكبت قوات متحالفة مع الجيش انتهاكاتٍ كبيرة بحق المدنيين ، داخل المدينة وفي بعض قرى ولاية الجزيرة، هذه الانتهاكات المروعة ، قوبلت بموجة من الاستهجان المحلي والعالمي وقادت إلى حملة انتقامية ضد السودانيين في دولة جنوب السودان، بسبب مقتل بعض مواطني جنوب السودان ضمن الضحايا ، وفي السادس عشر من يناير 2025م ، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على قائد الجيش السوداني ، البرهان ، واتهمت القوات المسلحة السودانية بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين ، ومع استمرار الحرب ، تتفاقم معاناة المدنيين ، وتتزايد أعداد الضحايا والمشردين ، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى مقتل أكثر من 14 ألف شخص ، وتشريد ملايين السودانيين داخليًا وفي دول الجوار ، وفي مشهدٍ يدمي القلب ، أفاد اليوم الصحفي أحمد أمين أن قوة تابعة للجيش السوداني اغتالت ابنه “غسان” بعد سيطرتها على حي الشعبية بالخرطوم بحري ، هذه الحرب اللعينة ، التي مزقت أوصال السودان ، كشفت عن وجهٍ قبيحٍ للعنف والانتقام ، وأظهرت للعالم أجمع حجم المأساة التي يعيشها الشعب السوداني ، فمتى تنتهي هذه الحرب؟ ومتى يعود السلام والأمان إلى ربوع السودان؟ ومتى يتوقف نزيف الدم ، وتتوقف الانتهاكات بحق المدنيين الأبرياء؟ إن الشعب السوداني يتطلع إلى غدٍ مشرق ، ينعم فيه بالسلام والازدهار ، وينعم فيه كل فردٍ بحقه في الحياة والأمن والكرامة.. #أوقفوا الحرب
ولن أزيد ،، والسلام ختام.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة