انتصار السُّودان بين فرحة الملعب وخيبة التَّحليل: فرصة مهدورة للسَّلام
عباس محمد
حبس السُّودانيُّون أنفاسهم لمدَّة 90 دقيقة في انتظار ما سيجلبه لقاء منتخبهم الوطنيِّ ضدَّ غانا، فيما ساد الصَّمت على أصوات المدافع الَّتي لم تتوقَّف منذ أكثر من 548 يومًا، في أجواء الحرب الدَّائرة بين الجيش وقوَّات الدَّعم السَّريع كانت العيون معلَّقةً على ملعب شهداء بنينا في ليبيا، حيث نجح المنتخب السُّودانيُّ في تحقيق فوز ثمين في الشَّوط الثَّاني. ففي الدَّقيقة 62، سجَّل أحمد حميد ” التش ” الهدف الأوَّل، ثمَّ عزَّز محمَّد عبد الرَّحمن ” الغربال ” التَّقدُّم بعد ثلاث دقائق بتسجيله الهدف الثَّاني.
هذا الانتصار يعدُّ الثَّاني للمنتخب السُّودانيِّ في التَّصفيات القارِّيَّة، ليصل رصيده إلى سبع نقاط ويحتلُّ المركز الثَّاني، متقدِّم خطوة كبيرة نحو التَّأهُّل إلى نهائيَّات المغرب، إذ تفصله نقطة واحدة فقط عن تحقيق الحلم. وسط مشاعر الفرح الغامرة، استطاع اللَّاعبون إدخال السَّعادة إلى قلوب السُّودانيِّين، سواءً في الدَّاخل أو المنتشرين في دول الجوار، أو النَّازحين في أرجاء الوطن، حتَّى أنَّ الفرحة جمعت الفرقاء المتناحرين، رغم نزاعهم المستمرِّ. كان لحظةً نادرةً تذوب فيها الحواجز وتتوحَّد القلوب. ولكن، على الرَّغم من كلِّ هذا، وفي استديو التَّحليل على قناة بي إنَّ سبورت، أضاع هيثم مصطفى ” البرنس “، أسطورة كرة القدم السُّودانيَّة وقائد المنتخب في الألفيَّة السَّابقة، فرصة ذهبيَّة للتَّأثير. بصفته محلِّلاً رياضيًّا، انجرف في مشاعر الانفعال وجير انتصار المنتخب لدعم الاقتتال، مردِّدًا عبارات التَّحشيد الَّتي تردِّدها أصوات الحرب في السُّودان. لم يلتقط ” البرنس ” اللَّحظة التَّاريخيَّة، رغم مهارته في ذلك عندما كان على أرض الملعب، بل تركها تمرُّ دون أن يستغلَّ الفرصة لدعوة المتحاربين إلى التَّوقُّف، والسَّماح للشَّعب السُّودانيِّ المشتَّت في ميادين القتال بأن يستمتع بالفرح ولو لمدَّة وجيزة.
كان يمكن له أن يستلهم من تجربة أسطورة كوت ديفوار ديدييه دروغبا، الَّذي استغلَّ مناسبة فوز منتخب بلاده على السُّودان في عام 2005 للتَّوجُّه برسالة سلام إلى شعبه من قلب إستاد المرِّيخ في أمِّ درمان.
حينها، كانت كوت ديفوار غارقةً في حرب أهليَّة، وبعد الفوز الَّذي حقَّقوه بهدفين من (أكاليل) و(دإندان)، استغلَّ دروغبا المنصَّة ليوجِّه نداءً إلى الإيفواريِّين قائلاً: ” أيُّها الإيفواريُّون، رأيتم اليوم أنَّ كوت ديفوار يمكن أن تتوحَّد لتحقيق هدف واحد. نطلب منكم أن تسامحوا بعضكم البعض، ألقوا أسلحتكم، ونظَّموا انتخابات حرَّةً، وستكون بلادنا أفضل “.
كانت تلك الرِّسالة نداءً للسَّلام، ومثَّلت نقطة تحوُّل في مسار الصِّراع الإيفواريِّ، حيث أعطت للشَّعب فرصةً للتَّوقُّف عن القتال والعيش في سلام.
تلك اللَّحظة التَّاريخيَّة كانت متاحةً أمام ” البرنس ” ليعيدها ويستغلَّ الفوز الكبير لدعوة مماثلة في السُّودان، ولكنَّه أضاعها، مثلما تضيع فرص أخرى في ظلِّ أجواء الحرب. في النِّهاية، نجح اللَّاعبون في إسعاد الشَّعب، لكنَّ قائد سنوات المجد السَّابقة لم ينجح في أن يستثمر هذه الفرحة لإيصال رسالة تنشد السَّلام.
المصدر: صحيفة الراكوبة