بسم الله الرحمن الرحيم

ب/ نبيل حامد حسن بشير

خلصنا في الرسالة السابقة عند تناولنا للتعليم العالي الى الأتي:

• خريجو الطب والهندسة والزراعة من السودان لديهم أساس أكاديمي قوي، لكن يعانون من ضعف في (التطبيق العملي) وضعف البنية التحتية التعليمية.
• رغم ذلك، عند حصولهم على فرص في الخارج، غالبًا ما يثبتون تميزهم خاصة في الدراسات العليا والتدريب المهني.
• اللغة الإنجليزية وضعف المهارات الرقمية من أهم نقاط الضعف في كل التخصصات مقارنة بالخارج.
• الحاجة الملحة في السودان حاليًا هي تحديث المناهج، تقوية التدريب العملي، وتحسين البيئة التعليمية

بما انكم قد قمتم بالفعل باختيار وزبرا للتعليم العالي ، نائب مدير جامعة الخرطوم، وهو طبيب، وكنا في رسالاتنا السابقة نصحنا بعدم ضرورة لوزير للتعليم العالي، حيث أن الجامعات هيئات مستقلة، ولا يجب أن تخضع للسياسة، والوزير منصب سياسي، وما حدث للتعليم العالي من اضعاف شديد ما هو الا نتيجة التدخلات السياسية في المناهج والادارات، علما بأن الجامعات تحكمها مجالس ادارتها التي يشكلها رأس الدولة وتكون تحت رعايته، وأن مدير الجامعة هو نائب لرئيس الجامعة ، أي رئيس الدولة ، ويطلق عليه Vice Chancellor ، أما في دول أخري مثل مصر فمدير الجامعة هو الرئيس ولا علاقة لرأس الدولة بها، لكن يوجد وزيرا للتعليم العالي، وأحيانا ترتبط معه مهام البحث العلمي. في كل الجامعات السودانية هنالك رئيس للمجلس، ومدير الجامعة نائبا ومقررا للمجلس. كما أن لجامعة الجزيرة مجلس أخر مع الولاية يسمي المجلس التنسيقي وبرئاسة السيد الوالي، ومدير الجامعة أيضا مقررا له.

كما ذكرنا سابقا فان التدخل السياسي في كل ما يهم التعليم العالي كان من أهم أسباب التدهور ليس فقط في الجامعة الأم والجامعات الثلاث الأخري (الجزيرة والسودان والاسلامية) ، بل أصبح سمة كل الجامعات التي أنشأتها ثورة التعليم العالي، ابتداءا من البنية (تحويل مبان متهالكة الي جامعات) ،وانتهاءا بالمناهج واختيار الكليات المناسبة لكل ولاية ، مع التنازل عن أهم معايير (اختيار أساتذة الجامعات). كمثال للتدخلات السياسية في العام الأول لتطبيق سياسة ثورة التغليم العالي، فرض علي الجامعات استيعاب أعداد من الطلاب لا قدرة لها علي استيعابهم من ناحية الامكانيات المطلوبة للكليات والاقسام. فرض علي كليات جامعة الجزيرة قبول 500 طالب بكل كلية في حين أن امكانياتها كانت لا تسمح باكثر من 50 طالبا / طالبة من ناحية القاعات والمعامل والداخليات،والترحيل والعيادات،والاساتذة مع عدم وجود مساعدي تدريس أو معيدين وقلة الفنيين…الخ، ومنع مجلس الاساتذة من منافشة الأمر.

كتبنا في مقالاات سابقة بان المناهج الحالية ستقودنا الي كوارث وتخلف وضياع للاجيال القادمة ولنستقبل الوطن. ذكرنا بان (العلم )هو احد ركني نمو الدولة بجانب (محاربة الفساد) كما فعل مهاتير محمد. العلم شعبتين، اكاديمي وتقني، الاكاديمي يعلم ويبحث، والتقني ينفذ ويبدع. كل جامعاتنا اتجهت الي التعليم الأكاديمي وحني الكليات والمعاهد التكنولوجية استسهلت الأمر وتحولت الي جامعات أكاديمية. كمثال المعهد الفني تحول الي معهد الكليات التكنولوجية وأخيرا الي جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا. لكن أن نظرنا الي مناهجها نجدها كلها أكاديمية، يشكل النظري فيها 60% والعملي 40% ،مع ضعف شديد في الامكانيات المطلوبة لتنفيذ الجزء العملي، وينم تدريس العملي نظريا، والسبب مادي لعدم توفر المال لتنفيذ العملي!!! أي انه علي الطالب أن (يتخيل ) أنه بالمعمل أو الورشة أو المشرحة…الخ، وعلي الأستاذ أن يفعل المستحيل حتي يوصل معلومة غير مرئية أو ملموسة للطالب، أي صبح كالحاوي!!!

اقترحنا من قبل أن تكون هنالك (اربع) جامعات فقط للاكاديميات، وبقية الجامعات الولائية (ترفع وتوفر لها الامكانيات) اللوجستية والمادية لتتحول الي جامعات (تكنولوجية حقيقية) تقود عجلة التنمية والابداع بالدولة كل حسب موقعها ولائيا وقوميا وتدرس المنهج 40% نظريا و60% عمليا. كل الاساتذة في حوجة شديدة لاعادة التاهيل داخليا وخارجيا، خاصة من سيستبقون في الجامعات التكنولوجية طبقا لمؤهلاتهم وخبراتهم وعلاقاتهم داخليا وخارجيا. كما طالبنا ان تقوي مقدرات الطالب/ الطالبة في اللغة الانجليزيو، علي الأقل أن يدرس في كل فصل دراسي مادة من مواده بالانجليزية.

لابد من مراجعة كل مناهج الجامعات بواسطة مجالس أساتذتها ،مع استشارة جهات عالمية، ودراسة ما يدرس في الجامعات العالمية ذات التصنيف المتقدم جدا ،أميريكية و يابانية وصينية وروسيه وكورية جنوبية والمانية وانجليزية ونمساوية..الخ، بحيث تقود البلاد الي الارتقاء بكل أنشطتها الاقتصادية والاجتماعية..الخ علي أن تكون (مرنه) تتفبل كل المستحدثات العلمية والتفنية، وتساعد الطالب والاستاذ والتقني علي الابداع. عليه فالمطلوب تخريج كواد لها القدرة علي (حل المشكلات )بطريقة علمية وعملية، والابتعاد عن طريقة (الحشو) بمعلومات ترهق العقل والجسم ومتاحة بسهولة في الشبكات والذكاء الصناعي.

كما نطالب بان تكون الجامعات بيوتا للخبرة،و أن تعتمد علي ما لديها من امكانيات استثمارية، وتشجع كلياتها وأفسامها علي انتاج حزم تقنية واختراعات تساعد علي حل مشاكل القطاع الذي يليها وان تقلل من استهلاك العملات الصعبة أو الحوجة اليها، وان لم تفعل تحرم من التمويل الحكومي.

في المقال القادم سنناقش المجال البحثي باذنه تعالي.
أللهم نسالك اللطف بنا (أمين)
[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.