اخبار السودان

الوعي .. كما البنيان من طوبة

 

الوعي .. كما البنيان من طوبة

خالد فضل  

فبرائر المنصرم  حضرت  ندوتين عقدهما شباب لجان المقاومة بالحي الذي أقطنه في شرق النيل  كانت أولاهما عن الحكم المحلي , والثانية تطرقت لثلاث موضوعات مهمة , الأوضاع التعليمية , الوضع الإقتصادي الراهن , وفضاء العدالة والمادة 186من القانون الجنائي السوداني .

لقد كانت جرعة وعي استفدت منها , مثلما أرجو أن يكون الحضور (القليل) قد استفاد  , وهذه مناسبة لمناشدة المواطنيين بضرورة الحرص على الحضور والمشاركة في مثل هذه الفعاليات , خاصة التي تقام في الأحياء السكنية لمناسبتها لظروف العمل والمواصلات . ولسماع واسماع رأي المواطنين في القضايا الضرورية التي تهمهم جميعا .

أعود لموضوع الحكم المحلي , فقد طوّف بنا الخبيران اللذان قدما الندوة في جولة تاريخية , ومعاصرة , حول تجربة وأنماط الحكم المحلي في السودان منذ عهد الإستعمار إلى راهن  إنقلاب البرهان . وفي تقديري , أنّ الحكم المحلي هو اللبنة الأولى والأساسية في تشييد النظام الإداري في البلد , ولعل مستوى الولاية أو الإقليم تشكل حوالي 90% مما يحتاجه المواطن , لتبقى المسائل الإتحادية  مثل العملة والأمن والدفاع والخارجية والجوازات والهجرة , هي التي تشكل لحمة ما يسمى بالدولة القومية , ولعل في تيسيير وقرب وصول الإدارة الحكومية للمواطنيين يشكل البناء القاعدي , وبالتالي تتشكل الديمقراطية بصورتها الحقيقية المتمثلة في المشاركة الكاملة لكل فرد في تقرير شؤون حياته , إنّ المرء يحلم بيوم تكون فيه السلطة المحلية والبلديات هي الحكومات الفعلية في البلد , وهذا يقلل بدوره من حدة الاستقطابات والصراع المحموم حول السلطة , فالنمط المركزي السائد , وسيطرة الحكومة المركزية على الثروة يجعل منها محل تجاذب عنيف في معظم الأحوال , وكل الناس يعلمون المطامح والمطامع المشروعة وغير المشروعة للسيطرة على الحكم في السودان , لأن الحكم لا يعني في ممارسته الراهنة خدمة للشعب بل سيادة عليه وباسمه , وهو مجلبة للثروة , ولأهلنا في دارفور مثل سائر ( سلطة للساق ولا مال للخنّاق ) .

إنّ الميزانيات المحلية , والخدمات  وغيرها مما يحتاجه الناس في منازلهم وقراهم وفرقانهم يجب أن يكون هو أساس الحكم , والحكم المحلي بهذا الفهم هو الأنسب لتلبية مطالب الناس , وبالفعل فإن الهيكل الموروث من عهد الإنقاذ المباد ليس سيئا إذا أحسنت إدارته , فالوحدات الإدارية التي تشكل المحلية ومجموع المحليات يشكل الولاية ويمكن للولايات أن تشكل إقليما , هذا الهيكل إذا أحسن التخطيط له وتوفرت له الموارد والصلاحيات يمكن أن ينجح في إشراك أكبر قدر من المواطنيين , طبعا وفق الشرط اللازم وهو الديمقراطية والحريات .

أما الندوة الأخرى , فقد تحدث فيها الأستاذ سامي الباقر من لجنة المعلمين السودانيين , وطرح خلالها الصورة الواقعية للوضع التعليمي المزري في البلاد , ووصف الفرص والتحديات التي تواجه العملية التربوية التعليمية بصورة هادئة ومنطقية , لم يك الحديث سياسيا محضا , بل حديث خبير تربوي وحادب أصيل على العملية التربوية التعليمية , لذا لم يسمع الناس أي إشارة إلى إضراب المعلمين مثلا , وهذا هو المسار الصحيح للوعي أن يتبصّر الناس في قضاياهم بدون صبغتها المسبقة بطابع انحياز لطرف . أما الشاب القانوني الذي تحدث عن المادتين 130 و186 من القانون الجنائي , فقد قدّم وجبة قانونية دسمة وخفيفة في آن , لقد عرفنا من خلال حديثه أنّ  تحقيق العدالة لشهداء الثورة المجيدة يأتي عن طريق المادة 186 وليس كما تنطلق هتافات الشارع بالقصاص عبر المادة 130 , قال المتحدث إنّه يرجو تعديل الشعار عوضا عن 130 إلى 186 , ذلك أنّ الجرائم التي ارتكبت في حق الشهداء ينطبق عليها النص في تلك المادة أكثر منه في المادة 130 القتل العمد , وناشد المتحدث المفاوضين السياسيين بترك مسألة العدالة لذوي الإختصاص , ومناقشة بقية القضايا كما يريدون . لقد برهن ذلك القانوني ومن خلال النصوص القانونية للمادتين أنّ المادة 130 قاصرة بالفعل عن تحقيق القصاص المرجو لدماء الشهداء بينما المادة الأخرى تشكل الأساس القانوني القوي لمحاسبة كل من ارتكب جرما ضد المدنيين السلميين , ولأن القضايا لا تسقط بالتقادم فإن هذه المادة جديرة بالتناول والتداول الواسع بين المواطنيين حتى يعرفوا محل حقوقهم من خلال القانون نفسه , وهذه قيمة إضافية للوعي الذي ينسرب رويدا رويدا , وغدا يكتمل شروق شمس الحرية السلام والعدالة في بلادنا لتعيش الأجيال القادمة في غير ما عانته سوابق الأجيال . .

 

 

 

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *