الوثيقة المسربة: خطة دقيقة لمراحل الملء الأول تبدأ عند منسوب 565 مترًا فوق سطح البحر بتخزين نحو 4.9 مليار متر مكعب
إنشاء لجنة وزارية ولجنة فنية مشتركة بين السودان واثيوبيا تعمل على تنسيق العمليات التشغيلية وحل أي خلافات فنية محتملة
كمبالا ــ التغيير
قبل نحو أسبوع من افتتاح سد النهضة الإثيوبي الكبير «GERD» المقرر اليوم الثلاثاء، سربت وثيقة اتفاقية ثنائية بين السودان وإثيوبيا كشفت القواعد والإرشادات الخاصة بالملء الأول والتشغيل السنوي للسد، إضافة إلى آليات التنسيق مع خزان الروصيرص.

ورغم توقيع الوثيقة في الخرطوم بتاريخ 26 أكتوبر 2022 واحتوائها على تفاصيل دقيقة تشمل مراحل الملء الأول، منسوب المياه لكل مرحلة، آليات التشغيل السنوي، تبادل البيانات المتعلقة بالسد، وضمان سلامته والتعامل مع حالات الطوارئ والجفاف، فإن الحكومة السودانية التزمت الصمت ولم تكشف عن محتوياتها.
وتضمنت الاتفاقية، التي اطلعت عليها «التغيير»، إنشاء لجنة وزارية ولجنة فنية مشتركة بين البلدين تعمل على تنسيق العمليات التشغيلية وحل أي خلافات فنية محتملة، مع عقد اجتماعات ربع سنوية لمراجعة البيانات التشغيلية ووضع أفضل الممارسات للتنبؤ وتشغيل السد بأمان.
مراحل الملء الأول لسد النهضة
و كشفت الوثيقة عن خطة دقيقة لمراحل الملء الأول تبدأ عند منسوب 565 مترًا فوق سطح البحر بتخزين نحو 4.9 مليار متر مكعب، ثم يرتفع المنسوب إلى 576 مترًا مع إضافة 3.7 مليار متر مكعب ليصل الإجمالي إلى 8.6 مليار متر مكعب. ويستمر المنسوب تدريجيًا إلى 600 متر مع تخزين 13.6 مليار متر مكعب، ليصل الإجمالي التراكمي إلى 22.2 مليار متر مكعب، ثم إلى 612 مترًا لتضاف 10.8 مليارات متر مكعب بإجمالي 33 مليار متر مكعب. وفي المراحل التالية يصل المنسوب إلى 620 مترًا مع تخزين إضافي يبلغ نحو 10 مليارات متر مكعب، ليصبح الإجمالي 43 مليار متر مكعب، قبل الوصول إلى 625 مترًا مع تخزين 6.3 مليارات متر مكعب، ليبلغ الإجمالي النهائي 49.3 مليار متر مكعب. ويُذكر أن مستوى 640 مترًا يمثل الامتلاء الكامل للسد بسعة إجمالية تصل إلى 74 مليار متر مكعب.
آلية التنسيق واللجان الفنية
حددت الاتفاقية آلية تنسيق ثنائية تشمل لجنة وزارية تضم وزراء شؤون المياه في البلدين ولجنة فنية خاصة بسد النهضة تعمل على تبادل البيانات وتنسيق العمليات التشغيلية وحل أي خلافات فنية. وتعقد اللجنة الفنية اجتماعاتها ربع السنوية لمتابعة التنفيذ ومراجعة البيانات التشغيلية، إضافة إلى وضع أفضل الممارسات للتنبؤ بالتشغيل والتخفيف من آثار الجفاف.

مثل السودان في توقيع الاتفاقية البروفيسور سيف الدين حمد عبد الله رئيس الوفد، إلى جانب المهندس مصطفى حسين الزبير، والمهندس حسن أمين محمد أحمد، والمهندسة ميسون علي أحمد عثمان، والبروفيسور محمد عقود عثمان، والأستاذة عزة كمال صالح مصطفى. بينما ضم الوفد الإثيوبي السفير الدكتور المهندس سيلشي بيكيلي رئيس الوفد، مع المهندس جيديون أسفاو، وأتو سيفسلاسي لما، والدكتور بيليتي برهانو، والدكتور زيبيني لاكيو، والمهندس تيفيرا بايين.
الموقف من اجتماع الآلية الرباعية
أثار الصمت الرسمي تساؤلات واسعة حول سبب عدم الإفصاح، خصوصًا في ظل تداول وسائل الإعلام للخبر قبل أيام من صدور بيان مشترك للآلية الرباعية لوزراء الخارجية والري في القاهرة بتاريخ 3 سبتمبر 2025، الذي اعتبر سد النهضة مخالفًا للقانون الدولي وله آثار جسيمة على دولتي المصب، كما أنه يمثل تهديدًا مستمرًا لاستقرار حوض النيل نتيجة الخطوات الأحادية الإثيوبية المتعلقة بملء وتشغيل السد وأمانه وتصريفاته المائية ومواجهة حالات الجفاف.
د. سلمان : مشاركة السودان في اجتماع الآلية الرباعية في القاهرة بدت محاولة لطمس اتفاقية 26 أكتوبر والاعتذار لمصر
تناقض وارتباك
أوضح دكتور سلمان محمد أحمد سلمان، أحد أبرز خبراء المياه والقوانين المتعلقة بها ومستشار قانوني بالبنك الدولي، في مقال نشر على موقع سودانايل بعنوان “ما هي حقيقة توقيع السودان اتفاقية ثنائية مع إثيوبيا حول سد النهضة؟”، أن السودان وقع بالفعل الاتفاقية مع إثيوبيا في 26 أكتوبر 2022، بعد اجتماع موسع ضم ممثلين عن وزارات الري والخارجية والزراعة والطاقة وعددًا من خبراء السدود والمياه والأكاديميين، وتمت الموافقة عليها بالإجماع قبل توقيعها رسميًا، وصُدّق عليها في اليوم التالي من قبل مجلس السيادة برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ثم صادق عليها مجلس الوزراء الإثيوبي في 28 أكتوبر.
وتساءل حول كيفية دخول السودان في هذا الاتفاق دون مشاركة مصر، مشيرًا إلى أن مشاركة السودان في اجتماع الآلية الرباعية في القاهرة بدت محاولة لطمس اتفاقية 26 أكتوبر والاعتذار لمصر، ما يعكس حالة الارتباك التي تواجهها الحكومة السودانية في إدارة ملف سد النهضة. وأضاف إن إدعاء السودان في اجتماع الآلية بأن السد مخالف للقانون الدولي ويشكل تهديدًا مستمرًا لاستقرار حوض النيل هو “ادعاء غير أمين وغير سليم”، ويعكس التناقضات والارتباك في إدارة هذا الملف الحساس والمعقد، الذي يعود بالنفع الكبير على السودان إذا تم التعامل معه بشكل صحيح.
ويقع سد النهضة الإثيوبي على مجرى النيل الأزرق، على بعد يتراوح بين 5 إلى 15 كيلومترًا من الحدود السودانية الإثيوبية، بسعة تخزين تصل إلى 74 مليار متر مكعب وقدرة تصميمية تبلغ 6450 ميغاوات، ليكون الأكبر في أفريقيا ومن بين أكبر 15 محطة كهرومائية عالميًا. ويبعد نحو 100 كيلومتر عن خزان الروصيرص السوداني، الذي لا تتجاوز سعته 10٪ من حجم سد النهضة، ويقع بالقرب من الحدود مباشرة، ما يعني أن تشغيله سيكون له آثار كبيرة على السودان ويهدد نحو 20 مليون مواطن، خصوصًا أن النيل الأزرق مسؤول عن توفير نحو 70٪ من مياه الري في البلاد عبر سدي الروصيرص وسنار.
امتدت مفاوضات سد النهضة بين اللجان الفنية للدول الثلاث السودان ومصر وإثيوبيا على مدار 14 عامًا، ورغم تدخل واشنطن واللجوء إلى مجلس الأمن، والوساطات الإقليمية من الاتحاد الإفريقي والإمارات، باءت جميع الجهود بالفشل في التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم. وفي ديسمبر الماضي، أعلنت القاهرة رسمياً انتهاء مسار المفاوضات بسبب ما وصفته بالمواقف الإثيوبية المتكررة الرافضة، التي حالت دون التوصل إلى أي حل فني أو قانوني وسط يضمن مصالح الدول الثلاث.
المصدر: صحيفة التغيير