الهيافة في الحرب المنسية! السودانية , اخبار السودان
الهيافة في الحرب المنسية!
بثينة تروس
من أبرز ما تم التوثيق له في الحرب الدائرة بضراوة الان، انه لا نصير للمواطنين، بعد ان تبارى طرفا القتال، مليشيا الدعم السريع والجيش رهين الحركة الإسلامية، في تسجيل ارقام قياسية في انتهاكات حقوق الانسان، بصورة لا تمت للقيم او الاخلاق او حتى اعراف الحرب بصلة.. 15 ألف قتيل تقريبا، 28 الف، جريح ومصاب، 8 مليون لاجئ، بلا افق حلول ناجعه لإيصال المساعدات الإنسانية وتدارك شبح المجاعة، وإنقاذ النساء والشيوخ والأطفال الذين يواجهون الموت، وشهر رمضان وكذلك فصل الخريف على الأبواب، ذلك الفصل الذي كان مصدر مفاجأة كل عام للحكومة، زهاء الثلاثين عام، فكيف يا ترى سيكون الحال في أوان الحرب؟ لقد شارفت الحرب علة اكمال عامها الأول، ولا تزال تلازمها صفة الحرب العبثية بلا منافس.
وبينما يعاني المواطنون من حالة الهروب من جحيم الحرب ثم العودة لمساكنهم التي هجروها بعد النهب والسلب والاحتلال من الدعم السريع ومن منسوبي الجيش، وتلك التي طاف عليها طيران الجيش فهدها علي رؤوس من تبقى ودكها دكا، ازداد عمق الضحالة حتي طفح عفن باطنها في الاعلام الكثيف الذي يعمل لمصلحة العبث ولا ينتج ما ينفع الناس، فتصدر قيادة مشهده مغارز (القونات) ومسلسلات السير الذاتية (للايفاتية)، من الحزبين الحديثين (بل بس) و(جغم بس)! وقد ملأت براميلهم الفارغة الساحة ضجيجا، بلا طحين، يطعم اود المساكين، ولا مناشدات لعلاج يطب جرحى المحروبين، ولا حكمة عقلاء تجمع وحدة الصف الوطني، اذ لايزالون في التيه لا يقدّرون حجم الكارثة.
وبالطبع لم يفوت هذا المولد الكائنات المتحولة من الفلول، الذين يجدون في تأجيج الحرب الاهلية، فحين عجز الجيش عن تحقيق احلام (دخلوها وصقيرها حام)، رجعوا يتصايحون في خطب المساجد، يشككون في قيادة الجيش، ما بين الخيانة والتآمر بين البرهان والدعم السريع، وان البرهان كقائد رجل ضعيف! كما ذكر الخطيب والعميد بالقوات المسلحة طارق الهادي كجاب، ثم تجد من يلاجج بسماجة ان هذا الجيش برئ من الانتماء للحركة الإسلامية، ونفس هذا الكجاب رفع تهم الخيانة في وجه الذين نقدوا الجيش بانه جزء من الازمة الوطنية.
وظاهرة انحدار الثقافة وانحلال الاعلام في أوان الحرب ظاهرة معلومة ومرصودة، لذلك لا نستغرب ان يطفو علي سطح العطن الممثل (فضيل) في كوميديا ظن انه يرمي بسهمه في نحر مليشيات الدعم السريع، وقوي الحرية والتغيير، وما علم انه أصاب كبد ثورة ديسمبر وشبابها الابطال من الذين استشهدوا من اجل الديموقراطية التي توفر سبل العدالة والحرية والسلام، فالرجل عرفناه بوق ضد مطالب الحقوق، والمساواة، ورفع التمييز عن كاهل المرأة، في عمر حكومة الفترة الانتقالية القصير، صمت عن قنص رؤوس الثوار السلميين بالبنادق والدوشكات، وعن اعتراف حكومة لديها وظيفة لاغتصاب المعارضين السياسيين (اختصاصي اغتصاب)! ولم نسمع له بعمل درامي خلال ثلاثين عام في مواجهة حكومة الاخوان المسلمين لرفع الظلم عن كاهل الشعب.
ثم طبائع الأشياء تقول (ان فاقد الشي لا يعطيه) فليس هنالك رجل عاقل يتحرى الديموقراطية من مليشيات عسكرية تخلقت في رحم المؤسسة العسكرية الفاسدة، وترعرعت تحت ابوة الحركة الإسلامية، فكانت يدها التي تبطش بها الشعب، وتحرس الحكام، لذلك كان قائدها حميدتي أكثر حيلة في الوصول لمسامع الناس من كوميديا فضيل، اذ تبني صوت الديموقراطية، ولكن هل هذا دافع للسخرية بالديموقراطية او حتي القوى المدنية، فهي علي نقائصها ستظل الباب الذي لابد منه لوقف الحرب والولوج للحياة الكريمة لجميع السودانيين.
المصدر: صحيفة التغيير