النقد اللايْكِي المُدمِّر
واسيني الأعرج
يبدو العنوان إيهامياً ومتوّهاً نظراً لتناغم اللفظتين لايْكي (بتسكين الياء) من لايكLike يعني “إعجاب” بالإنكليزية. ولائكي من كلمة لائكية المترجمة عربياً بالعلمانية. نعني طبعاً في هذه الوقفة الجانب الأول، أي اللايْكية Likeأي النقد الذي يراهن على عدد اللايكات التي يتحصل عليها من وراء الكتابة عن موضوع يثير حفيظة البشر، اعتماداً على كم كبير من التهم غير المؤسسة. أو يختار اللايكي شخصية لها حضورها الكبير ووزنها الوطني والعربي والعالمي. يفبرك حولها سلسلة من الأكاذيب المدروسة، ثم يبدأ في بثها على نطاق واسع من خلال الحلقات les relais المبثوثة هنا وهناك، بشكل شبه منظم، وانتظار ردَّة فعل الجمهور الفيسبوكي التبعي في غالبيته لا يملك أدوات التحقق مما “ابتلع” faire avaler أو بكل بساطة لا يكلف نفسه البحث عن الحقيقة ومحاولة التحقق منها. أصبح هذا النوع مهيمناً في الأوساط الثقافية وله رواده الذين يمتهنونه ويمارسونه. طبعاً، ليسوا الذين تظنونهم، أي معدومي الثقافة، ولكنهم وقد تفاجأت من ذلك الأساتذة الجامعيون الذين يدرسون الطلبة، ولنا أن نتخيل ماذا يقدمون لهم؟ تحولوا إلى ميليشيات منظمة، والغريب لا تضرب إلا في مواقع المعرفة والتفكير، ربما لأن المردود من اللايْكات سيكون كبيراً، وقد يحولهم إلى مؤثرين كما هو دارج في تعبيرات المواقع. وهم يتقاضون مالاً من وراء ذلك. يجب ألا نستغرب أن يصبوا جام غضبهم على شخصيات معروفة، فهذا يريحهم ويوسع المشاركات. الكثير من المشاركين باللايكات لا يقومون بذلك بنية سيئة مسبقة، كثيراً ما يفعلون ذلك من أجل ضمان حضور ما على واجهات الفيسبوك، أو انتحال شخصية ليست لهم، ويهبون كالعاصفة، كما رأينا ذلك أثناء الهجوم على رواية “حيزيا” ورواية “الهوارية”، حتى الذي لم يقرأ حرفاً واحداً من رواية، أدلى بدلوه. وعندما تسأل أحدهم: طيب، أنت شتمت وزبدت وكتبت؟ هل قرأت الرواية؟ يأتيك “رشيقاً” وسهلاً: لا، لم أقرأ، ولست في حاجة للقراءة. واش داروا اللي قراوا (ماذا فعل الذين قرأوا؟) المكتوب مبين من عنوانه. فجأة، تجدهم صائبين في كلامهم بشكل ما من الأشكال؟ ماذا فعلوا؟ لا شيء. هناك نقاد وأسماء معروفة دخلت في نفس المعمعة الانتقامية لا سلطان يحكمها إلا الشتيمة، ولا تختلف في شيء عن اللايكي البسيط أو المعدوم الثقافة. سألت صديقة روائية لها أربع روايات، وعقلانية ومبدعة وهي عرضة أيضاً في منطقتها لهذا النوع من البشر: لماذا الدخول في معمعة لا نقد فيها؟ كيف تخسرين صداقات متينة مقابل لايكات بائسة؟ قالت: لا تأخذ المسألة بجدية، فعلت ذلك فقط لأن الذي كتب المقالة صديق، وطلب مني أن أشير على البوست. بينما في الجهة الأخرى، كاتب يصارع الزيف والأكاذيب الكثيرة.
السعيد في العملية، في نهاية المطاف، ليس الكاتب؛ فقد أصبح موضوع شتائم وهجومات همجية، ولا الشاب الذي علق أو وضع “لايكاً” ومضى، ولكنه “الناقد” أوما يسمى كذلك. ينشر أحدهم نقداً “لايكياً” انتقامياً أعمى في رواية أو قصيدة أو مسرحية، فتنزل في اللحظة نفسها عشرات اللايكات والتعليقات بلا قراءة مسبقة للنصوص المنتقدة ولا معرفة [أحسنت… برافو… هذا ما شعرت به… يجب إيقافه عند حده… أنا لا أقرأه أبداً… كافر ولائكي… كلامه بذيء] ويلتحق البعض ممن يعرف الكاتب إلى فيلق الجنرال الميت، على تعبير الروائي الألباني الكبير إسماعيل كدري. ويوضع اللايك تماشياً مع ما يريده صاحب البوست. شتم شخصية كبيرة جالب للايكات كثيرة لأنه بثير فضول الناس. ثقافة الفيسبوكي العادي سماعية، وبالتالي يذهب نحو الطرق الأكثر اختصاراً دينياً أو أخلاقياً فيشترك في مجزرة اللايْكات التي ينتظرها صاحب “البوست” الذي كان يزور صفحته خمسة معلقين أو أقل، يغرق فجأة في العشرات وهو غير مصدق. واللايكي، خلال شتمه لشخصية كبيرة، يتنطع عليها معرفياً وأخلاقياً وهو فاشل على طول الخط. ينفضح من حيث لا يدري عندما يخرج بغضاءه وأحقاده، ولا يهم إن كان الكاتب المنتقَد قد ساعده يوماً ما أو أنه لم يؤذه قط. يصغر بسبب لايك صغير ويتضاءل ثم يندثر. عمر اللايك أقل من عمر [الناموسة] أسلحة النقد اللايكي البغضاء والكذب. أهمية هذا النوع من النقد باستثناء الأذى، هو أنه يرتفع بصاحبه إلى مرتبة المؤثرين، يعني الاستفادة المادية؟ المؤثرون في ماذا؟ وقد انتشر النقد اللايكي في الآونة الأخيرة في المجال الأدبي، حيث تكونت شبكات واسعة منظمة لها قادتها وجنرالاتها ومحركوها وجمهورها. كانت النزعة اللايكية شائعة في المجال الاجتماعي أو الرياضي حيث اللايكات بالملايين، عندما يطلب منك كزائر أن تبسمل وتحوقل وتصلي على الرسول الأكرم ولا تنس الجرس وتترك لايكاً. فقد كان يمارس ذلك بعض الفنانين الفاشلين لكي يجدوا مكانهم في مجتمع لا يلتفت نحوهم لفشلهم وإخفاقهم. أصبح النقد اللايْكي اليوم معمماً ورافداً مالياً على حساب الناس وكرامتهم. لأن النقد اللايْكي أعمى وأبكم وأطرش يهمه المال والافتراس ولا شيء غير ذلك لتدمير الضحية. أتذكر في هذا السياق شخصية [ربيكا] المثيرة للجدل، التي أعتقد أنها أكثر احتراماً من هؤلاء اللايكيين، فهي على الأقل صادقة وخارجة لها طاي طاي [أنا هكذا. صريحة وغير منافقة، اللي ما عجبوش الحال يضرب راسه مع حيط] وأعتقد أن هذا الكلام له من الصدق ما يعطيه مشروعية الوجود في مثل هذه المعاينة الثقافية لوضع يتأزم كل يوم أكثر. ملامسة خفيفة لظاهرة مستفحلة تحتاج إلى الكثير من البحث الثقافي النفسي والاجتماعي والأدبي لوضع الأشياء في أمكنتها الطبيعية.
القدس العربي
المصدر: صحيفة الراكوبة