النزوح يجرد أطفال السودان من هوية التعليم الوطني
يواجه التلاميذ والطلاب السودانيون الذين اختارت أسرهم وجهات لجوء في الجوار الأفريقي عقبات تعترض مسيرة تعليمهم بسبب اختلاف المناهج وصعوبة الاندماج مع المجتمعات داخل دول عدة منها أوغندا وكينيا، وكذلك مصر وإثيوبيا وتشاد وجنوب السودان.
تحديات عدة تبدأ من المرحلة التي يتعلم فيها آلاف الأطفال لغة البلد الجديد وصولاً إلى ردم هوة اتساع المساحات الثقافية وتصادمها أحياناً، فضلاً عن معضلة القراءة والكتابة باللغة العربية.
حلول أسرية
الصحافي السوداني أحمد حمدان اختار أوغندا وجهة للجوء من أجل إلحاق أبنائه بالمدارس حتى لا يضيع مستقبلهم بسبب تداعيات الصراع المسلح، لكنه واجه عقبات عدة تتطلب من أسرته العمل بجهد للتغلب عليها.
يقول حمدان “نواجه مشكلات اختلاف الثقافات والدين بين السودان وأوغندا، ونخشى أن يتأثر الأطفال وهم في مرحلة التنشئة الأولى، وهنا يأتي دور الأسرة في أهمية التعريف بثقافة وهوية البلد الأصلي وعدم طمس تاريخها، فضلاً عن التربية الصحيحة ووفق تعاليم الدين الإسلامي”.
وأشار الصحافي السوداني إلى أن “أبناءه واجهوا مشكلة في قراءة وكتابة اللغة العربية لأنها غير مقررة في المنهج الدراسي”، لافتاً إلى أن “أسرته شرعت في تدريس اللغة العربية لأبنائه كتابة وقراءة في المنزل حتى لا تواجههم مشكلة في المستقبل”.
صعوبات عدة
بحسب المواطن السوداني حافظ عبدالقادر، الذي لجأ إلى كينيا، “لم يعد أمام السودانيين بخاصة المقتدرون اقتصادياً غير التوجه نحو دول الجوار الأفريقي لتعليم أبنائهم وبناتهم بعد أن أوصدت المدارس الحكومية والخاصة أبوابها منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل (نيسان) الماضي”.
وأضاف “لم أجد خياراً أفضل من كينيا على رغم أن طبيعتها وتقاليدها غريبة عن المجتمعات السودانية، في وقت كنت أرغب الذهاب إلى مصر، لكن المشكلة في صعوبة الحصول على التأشيرة”.
ونوه عبدالقادر إلى أن “الطلاب السودانيين يواجهون صعوبة في الاندماج ثقافياً وأكاديمياً مع المجتمع الجديد، إلى جانب الاختلاف الكبير في المناهج الدراسية، إذ لا يجيد غالبيتهم اللغة الإنجليزية المعتمدة كلغة رسمية للتدريس”.
تعامل عن بعد
في حين قالت المواطنة السودانية سناء البشير إنها اختارت اللجوء إلى إثيوبيا بعد تشدد بعض الدول المجاورة في إجراءات الحصول على تأشيرة الدخول، وألحقت أطفالها الثلاثة بالمدارس حتى لا يضيع مستقبلهم بسبب الحرب الدائرة حالياً بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”.
وأضافت “وجد أبنائي صعوبة في دراسة المناهج والتحدث بالإنجليزية، فضلاً عن اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد وصعوبة الاندماج مع المجتمع”.
وأشارت البشير إلى أن “نسبة كبيرة من الطلاب السودانيين تفضل التعامل مع المجتمع من بعد، والحصول على التعليم، لكن هناك ميلاً عاماً بينهم لمقاومة الاندماج”.
خيار مثالي
أما المواطن السوداني هيثم حامد الذي اختار القاهرة وجهة للجوء قال إن “هناك تشابهاً في الثقافات بين مصر والسودان، ويسهل الاندماج مع المجتمع من دون صعوبة تذكر، لكن هناك اختلافاً كبيراً في المناهج الدراسية خصوصاً بالنسبة إلى التلاميذ والطلاب الذين يتلقون تعليمهم في مدارس مصرية”.
وأضاف أن “طريقة نطق المعلمين للحروف العربية تختلف عن أسلوب التدريس في السودان مما يؤثر في لهجة الأطفال من سن مبكرة”. ولفت حامد إلى أن “العقبات والتحديات في الدول العربية أقل بكثير من التي تواجه اللاجئين السودانيين في دول الجوار الأفريقي”.
صدمة ثقافية
تعتقد الباحثة الاجتماعية مها مجذوب أن “اللجوء في ظروف الحرب القاسية ينعكس نفسياً على الأطفال ويجعلهم يعيشون حالة قطيعة مع اللغة الجديدة والمجتمع، وقد يعانون صدمة ثقافية، مما يؤثر في اندماجهم المدرسي والمجتمعي”.
وأضافت أن “هناك عبئاً كبيراً يقع على عاتق الأسر السودانية يتمثل في خلق مناخ مناسب للتعامل مع الواقع الجديد وتهيئة التلاميذ والطلاب حتى يتمكنوا من إجادة اللغة الإنجليزية والتحصيل الأكاديمي الجيد، وهذا التوازن ضروري لاندماج صحي مع أهمية تفهم الصدمة الثقافية التي قد يمرون بها في الفترة الأولى”.
ونبهت مجذوب إلى “ضرورة بناء هوية الأبناء والبنات بشكل صلب تجاه لغتهم وثقافتهم وتاريخهم لضمان عدم الانصهار الكامل والعزلة بشكل مخيف، وبعد ذلك تأتي ثقافة البلد المستضيف كإثراء لهم واكتساب معارف جديدة”.
وتشير الباحثة الاجتماعية إلى أن “هناك اختلافاً كبيراً بين الاندماج والانصهار، إذ إن الأول يتيح التعامل مع المجتمع والتحول إلى عضو فاعل فيه والانتماء إلى منظوماته مع الاحتفاظ على درجات مختلفة من الخصوصية الثقافية والدينية، في حين يعني الثاني قدراً من التماهي الكامل مع المجتمع المستضيف لدرجة الانصهار وضياع الخصوصية”.
اندبندنت عربية
المصدر: صحيفة الراكوبة