رشا عوض
رشا عوض

 

النتيجة المنطقية لسردية الغزو الاجنبي في حرب السودان

رشا عوض

عندما تجزم بان هذه الحرب هي غزو اجنبي اماراتي على السودان واداته هي الد.عم السريع ، وان هدف هذا الغزو هو تنفيذ مخطط صhيوني لتمزيق السودان كجزء من تفكيك واضعاف المنطقة، فإن النتيجة المنطقية لذلك هي تعميد الجيش في محراب الوطنية السودانية بل وفي مشروع تحرر المنطقة العربية والافريقية من الاجندة الصhيونية ووفقا لهذه السردية يكون الواجب الوطني الاصطفاف خلف الجيش والقتال معه ضد الد.عم السريع ليس من باب اختيار الطرف الاقل شرا او الاخف ضررا بل من باب المشروعية السياسية والاخلاقية محليا وخارجيا!!

وهذا تأييد ضمني لدكتاتورية عسكرية كاملة الدسم تحت هيمنة الجيش!

وطبعا مروجو هذه السردية يمتعضون جدا من مجرد ذكر الكيزان وفضح دورهم في الحرب بل ينخرطون في عملية غسيل ممنهجة للكيزان من الدماء المسفوكة في هذه الحرب في ابشع مغالطة للواقع الماثل امامنا!

مهما كثر الابتزاز والارهاب بحكايات الكوزوفوبيا فلن نتراجع عن التعريف الموضوعي لهذه الحرب لانه وحده الكفيل بنزع مشروعيتها السياسية والاخلاقية ومن ثم تكتسب الدعوة لايقافها باسرع ما يمكن المشروعية الوطنية، اذ ليس مشروعا ابدا ان تطالب بايقاف حرب ضد غزو اجنبي!! بل يكون الواجب الوطني هو الانخراط فيها ولو باضعف الايمان ومن لم يفعل فهو خائن! نحن ضد الحرب ونطالب بايقافها لاننا نعرفها بالآتي:

حرب اجرامية بين اطراف سودانية مجرمة طامعة في حيازة السلطة بالقوة العسكرية ، لكل طرف من هذه الاطراف سجل مخزي ومخجل في انتهاكات حقوق الشعب السوداني ، جميعهم والغون في دماء واعراض واموال السودانيين ، ولو تحرينا النزاهة والاستقامة فيجب علينا الاعتراف بان تاريخ الانتهاكات في السودان لم يبدأ في ١٥ ابريل ٢٠٢٣ بهبوط الجنجويد من السماء! من صنع الجنجويد خصيصا للاجرام يتقاسم معهم وزر اي قطرة دم مسفوكة ومن جز الرؤوس واحرق الكنابي وقصف المدن والقرى بالطيران شريك في الجريمة ضد الشعب السوداني ، اما الد.عم السريع فقد ارتكب مجازر جماعية وجرائم حرب موثقة واشاع الفوضى والسلب والنهب والانتهاكات في كل مكان وقع تحت سيطرته ولذلك نحن لا نشتري سرديته حول الديمقراطية او القضاء على دولة ٥٦ لانه ببساطة لن يتجاوز دولة ٥٦ الى الامام بل سيتجاوزها الى الخلف بحكم طبيعته البنيوية( فصلت في ذلك في مقالات نشرت ايام سيطرة الد.عم السريع على الخرطوم والجزيرة)، الاصطفاف الوطني الصحيح يجب ان يكون خلف نزع المشروعية السياسية والاخلاقية عن اطراف الحرب جميعا ، والتعامل مع الحرب كحريق يجب اطفاؤه على اساس يمنع اشتعاله مجددا ، هذا الاساس هو اعادة بناء المؤسسة الامنية والعسكرية على اسس وطنية ومهنية وصولا الى جيش واحد ليس هو الجيش بعيوبه واختلالاته الهيكلية الحالية وليس هو الد.عم السريع باختلالاته البنيوية وعيوبه، التيار الرئيس الذي يعرقل المضي قدما في طريق ايقاف الحرب واعادة هيكلة الدولة السودانية وعلى رأسها المؤسسة الامنية والعسكرية التي نهبت البلاد واحرقتها هو الحركة الاسلامية اسما الاجرامية فعلا التي تعتقد جازمة ان احتكار السلطة والثروة في السودان هو حقها الحصري غير القابل للتفاوض او المساءلة ، واداتها في ذلك هي نواة امنية وعسكرية صلبة قوامها الجيش والاستخبارات العسكرية والامن الرسمي والشعبي وكتائب الظل، الامن الرسمي والشعبي وكتائب الظل ملك خالص للكيزان، اما الجيش والاستخبارات العسكرية فلديهم سيطرة كبيرة على مفاصلها عبر تراكم نفوذهم وهيمنتهم التي امتدت لثلاثين عاما وانتجت نواة امنية واستخباراتية صلبة مؤهلة لاستدامة احتكار السلطة ، ولهذا السبب تخصصت الآلة الاعلامية الكيزانية في تجريم وتخوين وشيطنة كل من يتحدث عن ان اعادة بناء الجيش على اسس قومية ومهنية هو ضرورة وطنية ، السبب هو ان رهان الكيزان هو الحكم من خلال الجيش والامن ، لذلك جعلوا عبارة ” تفكيك الجيش” مرادفا لعبارة ” اصلاح الجيش او اعادة بناء الجيش” في سياق تجريم هذا الخيار، فالكيزان لا يشفقون على الجيش اصلا بدليل صناعة الجيوش الموازية ولكنهم مشفقون على تنظيمهم داخل الجيش ولا يرغبون في فقدان الجيش بشكله الحالي كاداة مضمونة لسيطرتهم لانه يشكل افضل قناع تنكري لاستبدادهم نظرا لانه من الناحية الشكلية مؤسسة وطنية يمتلكها كل السودانيين ولكنه من الناحية الجوهرية ليس كذلك ابدا ، ولا سيما بعد سنوات الانقاذ الثلاثين، وبعد عودة الهيمنة الكيزانية في انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ ، ومن هذه المعطيات الواقعية وليس الكوزوفوبيا ينطلق الهجوم على الكيزان الذين ربطوا وجودهم في هذه البلاد باحتكارهم لادوات اخضاعها عسكريا ، فلا يمكن ان يغفل او يتغافل شخص عاقل ونزيه عن الكيزان كجذر رئيس في هذه الحرب وكاكبر عقبة في ايقافها، ولا يمكن تفسير ذلك بالغضب من الجنجويد لان هذا الغضب يجب ان يتولد عنه موقف اكثر صرامة ضد الكيزان لانهم هم القابلة التي اخرجت الد.عم السريع من رحم القوات المسلحة وحتى هذه اللحظة لا مانع لديهم في اي صفقة تبقي الجنجويد شريكا اصغر في الاستبداد العسكري بشرط ابقاء هيمنتهم على الجيش واحتفاظهم بامنهم الرسمي والشعبي وكتائبهم بكامل عتادها.

هذه الحرب ليست غزوا اجنبيا بل هي حرب اجرامية بين اطراف سودانية متفاوتة في مستوى الاجرام ولكل طرف ارتباطات عضوية بجهات خارجية ذات مصالح في السودان تحاول تعظيمها عبر الحرب، ولا يوجد طرف من بين هؤلاء المجرمين يستحق اي مشروعية سياسية او اخلاقية او تعميد مجاني في محراب الوطنية والتحرر ، الحكاية صراع سلطة ارعن بالسلاح ، يجب ان لا نحجز لاطراف الحرب موقعا نبيلا وشريفا في حياتنا ، يجب ان نكرر باستمرار ان جميعهم مجرمين وان اساس المفاضلة بينهم هو مدى استعداد كل طرف للتخلي عن اجرامه وفتح صفحة جديدة في تاريخ السودان.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.