في أحد أحياء الخرطوم، كانت حياة الطفل إسحاق، البالغ من العمر 7 سنوات، مليئة بالمرح واللعب مع أصدقائه وأخوته في الشوارع والميادين، لكن في لحظة غير متوقعة، تحولت حياته إلى كابوس لا نهاية له.
الخرطوم ــ التغيير
كان إسحاق يلعب مع إخوته، حينما انفجر لغم أرضي تحت قدميه، مما تسبب في إصابته بجروح خطيرة في إحدى رجليه، و تم نقله إلى مستشفى النو بأم درمان على وجه السرعة، حيث وجد الأطباء أنفسهم أمام خيار صعب، بتر رجل إسحاق لإنقاذ حياته.
وكانت هذه لحظة فارقة في حياة هذا الطفل الصغير، الذي لم يتجاوز السابعة من عمره، وتحولت حياته إلى معاناة مستمرة.
مأساة إنسانية
إسحاق ليس وحده في هذه المأساة، هناك العشرات من الأطفال الذين وقعوا ضحايا للألغام ومخلفات الحرب التي حصدت أرواح الكثيرين ومازالت تحصدهم حتى اليوم، إنها مأساة إنسانية تتجاوز حدود الزمان والمكان، وتترك آثارًا لا تمحى على قلوب وعقول الضحايا وعائلاتهم.
ويعيش الطفل مازن صلاح كادقلي نفس مصير إسحاق، حيث وقع مازن ضحية لانفجار لغم أرضي أثناء لعبه مع أقرانه، ما أدى إلى وفاة طفلين وجرح آخرين. كما يروى والده صلاح كادقلي لـ «التغيير».
ويضيف: «بعد عملية جراحية، تم بتر يدي مازن، وأصبح يعاني من صعوبة في الأكل والشرب، ويبكي بشكل مستمر».
و أعرب والد مازن عن حزنه الشديد لرؤية إبنه في هذه الحالة، خاصة عندما يطلب مازن استعادة أطرافه المفقودة، ولم يجد والديه سوى الدموع رفيقًا لهما في هذه المحنة.
آثار مدمرة
مازالت الألغام ومخلفات حرب 15 أبريل تترك آثارًا مدمرة على حياة السودانيين، حيث تم زرع الألغام في مناطق متفرقة لأهداف عسكرية، ولكن بعد انتهاء المعارك في بعض المناطق، بدأت هذه الألغام تنفجر بشكل عشوائي، ما أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين الأبرياء.
في الأسابيع الأخيرة، ترددت تقارير عن انفجارات مماثلة في مناطق مختلفة من السودان، حيث أسفرت الألغام الأرضية عن وقوع ضحايا، خصوصًا في المناطق التي شهدت اشتباكات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
والاثنين الماضي، شهدت مقابر الكدرو بالخرطوم بحري حادثًا مأساويًا بانفجار لغم أرضي تحت عربة “دفار” يقودها أحمد محمد الخضر، ما أدى إلى إصابة عشرة أشخاص، بينهم حالة خطيرة فقد فيها المصاب إحدى رجليه.
60 ضحية
وتقول مسؤولة التوعية بالضحايا بالمركز القومي لمكافحة الألغام، سحر مصطفى بندة، إن مخلفات الحرب أفرزت أكثر من 60 ضحية منذ بدء النزاع بين الجيش والدعم السريع.
وأكدت أن المركز القومي للألغام يستقبل من 2 إلى 3 بلاغات يوميًا، ويتم التعامل معها بشكل عاجل.
وناشدت سحر بندة المواطنين بعدم التعامل مع مخلفات الحرب حتى لا تعرض حياتهم للخطر، ودعت إلى ضرورة التبليغ عن الأجسام الغريبة عبر الرقم المجاني 60666.
تفجير ألغام
من جهته، يقول مدير المركز القومي لمكافحة الألغام في السودان، اللواء خالد حمدان، في تصريح سابق لـ «التغيير»، إنه تم تسجيل 40 حادث انفجار، سواء بسبب الألغام أو مخلفات الحرب، وأدى ذلك إلى مقتل 16 شخصًا وإصابة 50 آخرين في مناطق عدة تشمل الخرطوم، حجر العسل بولاية نهر النيل، الجزيرة، وسنجة.
وأشار إلى أن المركز القومي لمكافحة الألغام نجح في تفجير ما لايقل عن 25 ألف دانة وذخائر وأسلحة صغيرة بولاية الخرطوم.
وأكد حمدان استمرار العمل في التفجير يوميًا، عدا الجمعة، حتى تفجير كل المخلفات التي تم جمعها.
وأوضح أن هناك عقبات كبيرة تواجه عمل المركز في إزالة مخلفات الحرب، أبرزها التمويل، ونوه إلى هذه العملية مكلفة وتتطلب أموالاً كبيرة.
ولفت إلى أن المركز فقد المعدات الأساسية التي كانت تُستخدم في إزالة الألغام، مما اضطروا إلى استئجار عربات، الأمر الذي يزيد من تكاليف العملية.
وقال إن أعمال مكافحة الألغام في المدن تُعد تحديًا جديدًا مقارنة بالعمل في الأرياف، حيث تنتشر المخلفات الحربية في مناطق سكنية مأهولة، مما يزيد من تعقيدات العمل.
تحدي صامت
وقدر المركز القومي لمكافحة الألغام في السودان مع الأمم المتحدة إلى أن هناك حاجة لنحو 90 مليون دولار لإزالة الالغام لهذا العام فقط.
وأضحت الأمم المتحدة أن أكثر من 10 في المئة من المقذوفات التي استُخدمت في الحرب، التي دخلت شهرها السادس والعشرين، لم تنفجر بعد.
وقالت الأمم المتحدة إن المدنيين يواجهون “تحديًا صامتًا ولكنه فتاك، إذ تهدد الذخائر غير المنفجرة سلامة العائدين إلى ديارهم”.
إن قصة إسحاق ومازن، الطفلان اللذان فقدا أطرافهما بسبب لغم أرضي، ليست سوى واحدة من العديد من القصص المأساوية لضحايا الألغام ومتفجرات الحرب في السودان. هناك العديد من الأطفال والكبار الذين فقدوا أرواحهم أو أجزاء من أجسادهم بسبب هذه المتفجرات، حيث تترك الألغام ومتفجرات الحرب آثارًا طويلة الأمد على المجتمعات، وتتطلب جهودًا كبيرة لإزالتها وتقديم الرعاية للضحايا.
المصدر: صحيفة التغيير