المواطنة المتعددة في السياق السوداني : نحو بناء عقد اجتماعي جديد

صدى الوطن
آدم ابكر عسي
تعتبر المواطنة المتعددة من المفاهيم الأساسية التي تعكس التنوع الثقافي والعرقي في المجتمعات، وهي تمثل أداة فعالة لتعزيز التماسك الاجتماعي وتحقيق العدالة. في السياق السوداني، حيث يتسم المجتمع بتعدد ثقافاته وأعراقه، تبرز أهمية المواطنة المتساوية كوسيلة للتعامل مع هذا التنوع بطريقة إيجابية تسهم في بناء وطن مستقر ومزدهر.
🎯المواطنة المتساوية في ظل التنوع الثقافي والاثني
يمثل السودان نموذجًا حيًا لتنوع الثقافات والأعراق، حيث يضم العديد من المجموعات العرقية التي تتحدث لغات مختلفة وتعتنق عادات وتقاليد متنوعة. إن تحقيق المواطنة المتساوية يتطلب الاعتراف بهذا التنوع وتعزيزه، مما يستدعي وضع سياسات شاملة تضمن حقوق جميع المواطنين بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية أو العرقية.
تجارب دولية وإقليمية مثل كندا وبلجيكا، حيث تم تحقيق نوع من التوازن بين الهويات المختلفة، يمكن أن تكون مرجعًا للسودان. هذه الدول نجحت في صياغة سياسات تعزز من الهوية الوطنية المشتركة، بينما تعترف في الوقت نفسه بالحقوق الثقافية للأقليات.
🎯أثر الحرب الحالية على القيم الإنسانية والمواطنة المتعددة
لقد أدت الحرب التي اندلعت في 15 أبريل إلى تفاقم التوترات الاجتماعية والاقتصادية، مما أثر سلبًا على مفهوم المواطنة المتعددة. الحرب لم تقتصر على تدمير الممتلكات بل أظهرت سلوكيات وقيم تنافي الإنسانية، حيث تم ارتكاب جرائم قتل على أساس عرقي واثني، وجرائم ذبح وحرق لأفراد دون أي اعتبار للقانون أو العدالة.
إن إدخال ثقافة العقاب الجماعي ضد “الحواضن الاجتماعية” يعكس انزلاقًا خطيرًا نحو الفوضى وعدم احترام حقوق الإنسان. إن العقاب الجماعي هو سلوك لا يبني دولة المواطنة، بل يزيد من الانقسام ويعمق الجراح.
🎯اركان أساسية لبناء مشروع سياسي مستدام
لإحداث تغيير حقيقي ومستدام في السودان، ينبغي أن يستند أي مشروع سياسي إلى أربعة أركان أساسية:
1 الوعي الاجتماعي : يجب أن يكون لدى الثوار والمقاتلين وعي واضح بأهدافهم الاجتماعية والعمل على الحفاظ عليها. للأسف، ما حدث خلال الحرب كان فتكًا بالجهود المبذولة وصب الزيت على النار المشتعل، مما أدى إلى تفتيت القيم المشتركة.
2 البعد الثقافي : يتطلب الأمر المحافظة على القيم والتقاليد التي تشكل نسيج المجتمع السوداني. يجب تعزيز ثقافة الاحترام المتبادل والتفاهم بين مختلف المكونات الثقافية والعرقية.
3 البعد السياسي : ينبغي عدم السعي لكسر أو قهر التباين والاختلاف بين المكونات السياسية. التاريخ السياسي للشعوب يظهر أن التنوع هو مصدر قوة، ويجب أن يُحافظ عليه كجزء أساسي من أي مشروع سياسي للتغيير.
4.البعد الاقتصادي : يتعين حماية المنشآت ومواقع الخدمات من التعرض للخراب باعتبارها جزءًا من مال الشعب. إن الحفاظ على البنية التحتية والخدمات الأساسية ضروري لضمان استقرار المجتمع وتعزيز الثقة بين المواطنين.
🎯ضرورة معالجة القهر والظلم الاجتماعي
يجب أن يكون هناك صدع بالحق تجاه ما نتج من قهر وظلم اجتماعي وارتكاب موبقات وفظائع خلال فترة الحرب. إن الاعتراف بهذه الانتهاكات والعمل على محاسبة المسؤولين عنها يعد خطوة أساسية نحو بناء مجتمع قائم على العدالة والمساواة.
📕دور مراكز البحوث في إحداث تغيير مفاهيمي
تلعب مراكز البحوث دورًا حيويًا في دعم خيارات الوطنية وتعزيز النسيج الاجتماعي. من خلال إجراء دراسات مستندة إلى الأدلة، يمكن لهذه المراكز:
• تقديم رؤى جديدة : يمكنها تقديم أفكار وحلول مبتكرة للتحديات التي تواجه المجتمع السوداني.
• نشر الوعي : من خلال نشر نتائج الأبحاث، يمكن لمراكز البحوث زيادة الوعي بأهمية الوحدة الوطنية والمواطنة المتعددة.
• تيسير الحوار : يمكن أن تعمل كمراكز للحوار بين مختلف المجموعات، مما يسهم في بناء الثقة وتخفيف التوترات.
🎯آفاق أفضل للمستقبل
لتحقيق مستقبل أفضل، يجب أن يكون هناك التزام جماعي من جميع الأطراف المعنية نحو تعزيز المواطنة المتعددة. يتطلب ذلك جهودًا متكاملة تشمل الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
يمثل تعزيز المواطنة المتعددة في السودان خطوة ضرورية نحو بناء مجتمع متماسك وعادل. إن العمل على بناء عقد اجتماعي جديد وإحداث إدماج وطني يساهم في تقليل الفجوات الاجتماعية والثقافية، مما يمهد الطريق نحو مستقبل أفضل يسوده السلام والاستقرار.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة