اخبار السودان

المنظمات الإنسانية فخاخ ظاهرها الرحمة !!

عبدالمنعم على التوم

عندما يتعلق الأمر بمجرد عرض الوقائع أو الوصف الميدانى فى عمل المنظمات الإنسانية بالسودان فمن البديهى صعوبة الحصول على كتب أو مراجع أو أبحاث إحصائية تناولت هذه الظاهرة وقامت بعمليات تشريح وتحليل واسع للسلبيات والايجابيات الظاهر منها والمستتر ولكن عبر المنهج الإستقصائى التجريبى الماثل واقعيا تؤكد الشواهد النتائج القاتلة فى تراجع وفساد تلك المنظمات منذ دخولها السودان وحتى الأن لم تقدم مشروعا تنمويا واحدا يؤثر أو أثر على حياة تلك المجتمعات أو أضاف نقلة نوعية من حيث التعليم والتعلم أو النظام الصحى أو إكتساب مهارات فنية عملية تؤهل تلك المجتمعات للإنطلاق والتقدم والتطور والنمو!! . فالحكاية كلها تدور فى محور شهوة البطن عبر المعسكرات والاكل والإشباع ونهج إستمرارية المشكلة وافراز واقع العطالة والبطالة !! .
اما المنظمات المحلية فمعظمها منظمات فاسدة تتبع لنخب النظام السابق معظمها منصات وقواعد لتسريب وسرقة أموال الدولة فيما يخدم التنظيم المأفون ويستغلون علاقاتهم الدستورية ومناصبهم فى إستقطاب أموال لدعم تلك المنظمات وعلى سبيل المثال التواصل مع ديوان الزكاة كمصدر داعم للمساعدات الإنسانية بالداخل ، أو عن طريق ما يسمى بالمال الخبيث أو مال مصالح المسلمين الذى لا يعلم عنه معظم الشعب السودانى شيئا …!!! أما فيما يتعلق بالدعم الخارجى ممكن أن يتوسط أحد اللصوص حملة المناصب الدستورية فى سفرياته الخارجية وبإسم المنظمة وسيرتها الذاتية يتقدم بطلب مساعدة من البنوك أو المنظمات الخارجية أو من الخيرين حول العالم ويتحدث بإسم الفقراء والمساكين فى مناطق نائية من السودان حيث يرق قلب الداعمين الامميين ويتفاعلون مع الطللب ويقدمون الدعم الكبير الذى يذهب هباءا منثورا فى جيوب أناس فاسدون مفسدون فى الارض بإسم الانسان والانسانية !!!! وبحكم مناصبهم لن يتخيل إنسان أو يظن ب كائن من كان أن هؤلاء لصوص مستوى هاى لايف .. ولكنهم كذلك للاسف .!!! (وكسرات المرحوم طيب اللـه ثراه الفاتح جبرة ستظل عالقة فى الأذهان ما ظللنا أحياء..!!) .

عرف السودان المساعدات الانسانية تقريبا منذ حكومة الرئيس ابراهيم عبود(1958م 1964م) ولم تكن مساعدات إنسانيه بهذا المعنى الصريح كمساعدات اليوم ، كانت مساعدات تنموية تمثلت فى رصف طريق الخرطوم مدنى وطريق المعونة بحرى ، وكانت تسمى المعونة الامريكية ومن هنا جاء الاسم ، وكانت بداية الشارع من المحطة الاوسطى بحرى وحتى شمبات شمال وقد إستهجن واستنكر الحزب الشيوعى وخرج فى مظاهرات رافضا قبول المعونة الامريكية ووقف موقفا متشددا ضد تنفيذ الشارع مشيرين الى أن أمريكا لا يمكن أن تهب معونة هكذا لوجه اللـه إن لم يكن لها غرض فى ذلك وكانت نظرة المحتجين فى ذلك الوقت كرهة فى النظام الراسمالى كما يرى البعض وشعور بإمتهان لكرامة الانسان السودانى ، فإنسان الامس يمتاز بعزة النفس والكبرياء ، وليتهم صبروا معنا وعاشوا حتى يروا بأم أعينهم الامتهان والإزدراء والاستهانة والخضوع والهوان (الصحى صحى) الذى نعيشه اليوم ليروا شعوب العالم يتدافعون ويتفضلون علينا بالعدس والارز والزيت والدقيق وهلم جرا وبلادنا تجلس وتنوم وتصحى على كنوز الارض التى يعلمها الجميع!!! .
المنظمات الإنسانية فى السودان ناقوس خطر عظيم ، يعمل ضد الإنسان والإنسانية ، تمتهن كرامة الإنسان السودانى فى وضح النهار تحت إشراف الإدارات التنفيذية الحكومية بحجة المساعدات الإنسانية ، والشعب السودانى الطيب المسكين يصدق هذه الفرية وهو لا يعلم بأن هذه المنظمات فخاخ ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب فى مظهرها الخارجى إنسانية وفى اعماقها تجسس وخراب ديار نظرا لان اهل السودان أناس طيبون يسهل إصطيادهم وخداعهم شعبا وحكومة .!!! والتجارب كثيرة فى هذا السياق ….!ويا للسخرية و … يا للأسف الشديد عندما نرى الولاء والوزراء وحاملى المناصب الدستورية الرفيعه وهم يستقبلون الإغاثات والمساعدات الإنسانية بفرح وسرور وبهجة وإفتخار دون حياء..!!! وقد لا يعلمون حسب نظرتهم ومقاييسهم التى سادت فى الفكرة التى أسماها علماء النفس الإجتماعيون (مبدأ السطحية فى مقابل معنى العمق) وفى الأونة الأخيرة أنتصرت فكرة السطحية على منافستها الفكرة الأكثر عمقا ، وامتدت نحو أفاق بعيدة للتحدث عن (مقياس الضحالة … مقياس السطحية) ويا للحسرة والضياع الذى تجره المنظمات الانسانية الى المجتمعات المحلية وتورثها الفقر والمسغبة وتحولها الى كائن متقوقع وقطيع ينتتظر اللقمة والرحمة . بدعم لوجستى من ولاة الأمر …. . ويتحول الانسان فى ارض المنظمات الى كائن عاطل تماما عن العمل !!!، جراء الظروف المعيشية التى يوصفونها بالمجاعات وتارة بالفقر المدقع وهم يعيشون فى أسوأ الظروف بسبب النزاعات القبلية التى ربما كانوا سببا فى وقودها بطريق غير مباشر!!، ويعزى ذلك كله لعدم وجود الغدوة الحسنة والقيادة التى تستطيع أن تدير المجتمع وترسم خارطة طريق لتفجر الطاقات ، فالإنسان هو عبارة عن طاقة جبارة تتميز بالعقل عن سائر المخلوقات ، فعندما فتحت المستشارة الألمانية ميركل الحدود للسوريين قالت قولتها الشهيرة :(هذه الطاقات سوف نسخرها لخدمة الإقتصاد الألمانى ، الطبيب يعمل طبيبا والمهندس يعمل مهندسا وسوف نستفيد من العمال المهرة والفنيين كل فى مجاله وسوف نوفر فرص التعليم للراغبين فى التعليم لمصلحة الاقتصاد الألمانى..! فتحنا لهم الحدود .. علما بأن مكة هى الأقرب لهم !!!) . ـــــــ(فكانت صفعة مؤلمة فى جبين الامة العربية والاسلامية ، ودرس من الدروس الإنسانية البليغة التى تجعل الإنسان يتأمل ويتحسس قوته العقلية!!!) وقد ابلى الاخوة السوريون بلاءا حسنا فى سوق العمل الالمانى وإستطاعوا أن يصبحوا رقم فى الإقتصاد الألمانى والان بعد سقوط الاسد تتخوف ألمانيا من عودة السوريين الى ديارهم وإنتفاء صفة اللجوء السياسى مما يؤثر سلبا على الاقتصاد الألمانى ..!! وعندنا فى السودان بدلا أن تفتح فرص العمل بكل أنواعها الزراعية والصناعية والرعوية والخدمية نفتح المعسكرات ونهيئها لإيواء العطالى والكسالى والمتسكعين والباحثين عن غوث المنظمات !!!!.
قد ينظر الإنسان ويشاهد كل الفخاخ التى تقام للحيوانات سوى كانت فى البحر أو البر أو الجو أفكارها مبنية على خداعها بالطعام ، فالشعوب التى همها بطونها يسهل إصطيادها بسهولة ، عندما نشاهد الدولة بكامل رموزها على أعلى المستويات الاتحادية والولائية وهم يستقبلون طائرات الأعلاف (المساعدات والإغاثات) من الدقيق والارز والعدس والزيت لعليقة القطيع فى المعسكرات ومناطق النزوح تجدهم مسرورين بهذه المزية أو هذا العطاء ، ويشعر الإنسان العادى الجاهل الساذج بالغبضة والسرور ويهلل ويكبر ويشكر الدول الصديقة والشقيقة على هذه النظرة الانسانية التى أتته بمائدة من السماء لوجبة الإفطار ويناشد الدول الآخرى بالإسراع لحذو حذوة الدول التى سبقتها فى الإغاثات حتى تستطيع تلببية وجبة الغداء والعشاء لمعسكرات آخرى دون حياء أو خجل ، علما بأن المثل السودانى القديم والذى تناسوه الناس يقول: ((الشراب من أيادى الرجال عطش ))!! الى متى تعلف المنظمات الإنسانية اهل المعسكرات والنازحين بالسلع الاستهلاكية ؟!!!. الى متى يذهب الوالى والوزير لإستقبال الإعانات والمساعدات والإغاثات دون حياء أو خجل أو إستحياء أو الإحساس بالعيب ..! وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا !!!هذا المسئول هو يعلم أو لا يعلم ، لا بد لهم أن يعلموا بأنهم أمام مشكلة حقيقية تحرم المجتمع و الشعب من الإعتماد على نفسه ، تمتهن كرامته فى عقر داره ويخلقوا منه إنسان متسول (رمتالى) يتحول الى كائن طفيلي يعيش على مجهود الآخرين .. !! ولايات ومناطق تجلس على كنوز الأرض ملايين من الافدنة الصالحة للزراعة … أمطار و أنهار تذهل العقل بها طاقات من البشر هائمة على وجوهها دون عمل ينتظرون المنظمات الإنسانية دون حياء أو خجل !!! الى متى؟؟!!!! ..
هذه الاسئلة يجب أن تتبادر الى ذهن كل إنسان سودانى وطنى غيور صاحب عقل وبصيرة ، حتى الذين يعملون فى تلك المنظمات من السودانيين لابد أن يقفوا ليتبينوا الفخاخ التى تنصبها تلك المنظمات لتحويل المجتمع الى قطيع دون عمل أو إنتاج .
الجازم فى الأمر تلك أحد الأسباب التى تقعد الإقتصاد السودانى !! . يجب أن يعترف جميع أصحاب القرار بأن هناك مشكلة يجب أن يتفق عليها الناس!!! ، لكى تتضافر الجهود ويفسح المجال للعقول ولاهل العلم والخبرة والدراية للوصول للحلول الناجعة !!! أوقفوا هذه المنظمات شرها أضعاف خيرها …!!! . أضعفت المجتمعات وفسدت الإدارت التنفيذية من وراءها وإنتشرت ظاهرة المحسوبية والرشوة وبيع الاغاثات والمساعدات فى سوق النخاسة قد لاتحتاج الى مترجم ..!!! .

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *