الممثلة نعمات حماد.. (بعض من حكاية فنانة سودانية)
الممثلة نعمات حماد.. (بعض من حكاية فنانة سودانية)
السر السيد
تمهيد:
علاقة المرأة بفنون الدراما/ المسرح وتحديداً فيما يتعلق بجانب فن التمثيل علاقة شائكة ومعقدة على طول مسيرة المسرح في التجربة الإنسانية وفي كل الحضارات الإنسانية ولعل هذا مرده إلى نظرة المجتمعات فيما يتعلق بتقسيم الأدوار في المجتمع بين الرجل والمرأة.
ومما لا جدال حوله أن النظرة الذكورية بل الهيمنة الذكورية كرؤية، وكممارسة ظلت هي المهيمنة ولازالت إلى حد كبير على المجتمع
والتاريخ والطبيعة والإنسان لذلك وعلى الرغم من أن الدراما/ المسرح منذ بداياتها شهدت حضوراً لتناول قضايا كبيرة مجتمعية ووجودية ذات صلة بالنساء، أو بالأحرى النساء مشاركات فيها..
ونظرة سريعة إلى المسرح الاغريقى (التجربة المؤسسة) نلمس هذا الحضور كما في (أوديب ملكاً) على سبيل المثال إلى أن الملفت إن هذا الحضور كان للقضايا والموضوعات والمشكلات ولم يكن حضوراً للنساء في العملية الدرامية المسرحية نفسها.
تاريخ دراما المسرح لم يشهد مشاركة نساء مؤلفات أو مخرجات أو ممثلات إلاّ مؤخراً جداً حيث كان يقوم بالتمثيل بدلاً عنهن الصبيان الذكور، وقد حكمت هذه الظاهرة مسيرة الدراما المسرحية لفترة طويلة كل المجتمعات والحضارات الإنسانية حتى أن القانون الذي حكم ظاهرة الدراما المسرحية في هذا الجانب في كل المجتمعات كان واحداً، ففي كل المجتمعات كان ظهور مشاركة النساء كمنتجات وصاحبات مشاركة فعلية في التأليف وفى الإخراج وفي التمثيل،
كان لاحقاً لبداية الدراما المسرحية في المجتمع المعين ومن ضمن ذلك بالطبع المجتمع السوداني موضوع مقالنا.
طليعيات من نوع آخر:
إن ممارسة النساء للفنون في السودان وبشكل أخص لفن التمثيل كان هو التحدي نفسه والعنت الأكبر نفسه لذلك كانت رائداته جميعهن وبلا استثناء وفي كل المراحل طليعيات من نوع خاص لأنهن اتخذن من العلن والوضوح والتساؤل والمغامرة اختياراً ومن هنا ومن عند السيدة سارة محمد أول ممثلة سودانية وحتى ممثلات الجيل الجديد يجئ اختياري للممثلة الرائدة الأستاذة نعمات حماد كطليعية من نوع خاص، وعاشقة للتمثيل لأدعها تحكي أو لأحكي عنها.
نعمات حماد:
على ضفاف النيل الأبيض وفي مدينة كوستي جنوب الخرطوم والأربعينات من القرن العشرين تمضي على عجل.. كان ميلادها ..
والدها الشيخ حماد أحمد الفادني المشهور (بسدرين) ميسور الحال صاحب كرم ومروءة وشهامة. جاءت نعمة أو نعمات والشيخ حماد في السبعين من عمره أو تجاوزها بقليل.. يكاد يقتله التلهف في أن يرزق بنتاً يسميها (رابعة العدوية) أما والدتها فهي الكاهلية فاطمة بنت الفقيه الناير بن الشيخ عيد أبو قرون.. وجاءت البنت وسميت نعمة بناءً على رغبة أمها التي أرادت هذا الاسم تيمناً وإعجاباً بالشيخة نعمة بت الشيخ البشير ود مضوي. ووفاء لوعد قطعته الوالدة معها.
عاشت نعمة أو رابعة في كنف والدها الذي توفي وتركها وعمرها ثلاث سنوات ورغماً عن استجابته لطلب زوجته إلا انه كان يناديها برابعة حتى مماته ولأنها كانت آخر العنقود فقد وجدت اهتماماً كبيراً من أشقائها خاصة شقيقها المناضل العمالي المرحوم يوسف.
ثم مرت الأيام وجاءت الخمسينات والستينات وتحكي نعمات هنا وتقول:
في ذلك الوقت تفتحتُ ومنحني هذا المناخ الكثير، وأدركتُ بحسي الإنساني أنني على موعد خاص ومشوار مجيد فقد قررت بشموخ عظيم وتحدٍ لا يستطيعه إلاّ أقوياء الإيمان ألا ابقى رقماً منسيا في قطيع الحريم، فالواقع آنذاك كان صعباً ومرّاً حيث تشوه الأعضاء التناسلية للأنثى وهي طفلة يافعة في جو مشحون بالفزع والألم..
وبعدها تُزوج ولما تبلغ بعد السن القانونية للزواج لمن يختاره والدها، وتعمل في الزراعة والبيت وتربي الأطفال، والويل لها إن تقاعست أو تألمت أو عجزت.. هذا في الريف غالباً، أما في المدينة فكانت تحبس في المنزل بين نقوش الحناء والزينة وإنجاب الأطفال والخروج ليلاً فقط ولمناسبات الأقربين.. كل هذه الأسباب والوقائع وغيرها خلقت فيّ ونمَّت بذرة الفنان وبسببها أصبحت عندي موضوعات الحرية وكرامة الإنسان وحقوق المرأة قضايا أعطيتها عمري بدعم ومساعدة من شقيقي الذي كان يحيطني بأخبار النساء المناضلات في العالم، وبالمناضلين وبالطليعة المستنيرة من شعراء ومفكرين ومسرحيين وقد أسس لي مكتبة كبيرة ومتنوعة، واذكر هنا أن أول من تعرفت عليه من الشعراء المحدثين كان الفيتوري عبر قصيدته الرائعة (جبهة العبد ونعل السيد).
لقد بدأت مشواراً صعباً وجليلاً ورائعاً وممتعاً فواصلت تعليمي في ظرف أشبه بالمستحيل بإصرار كبير ومعاناة لأنني كنت اعتقد ولا زلت أن التعليم هو مفتاح الحوار والمواجهة مع قوى الظلام، ثم جاءت حركة الاستقلال السياسي ومنابرها الإذاعة والصحافة ووجدتها أماكن مهمة للانضمام إلى طلائع القيادات النسائية اللائي بدأن بإعداد برامج لتثقيف النساء في البلاد وتوعيتهن ورغم الفارق الكبير بيني بينهن إلاّ أنني قد استفدت منهن كثيراً علما وثقافة ووجدن فيَّ بذرة واعدة فولجت إلى الصحافة وعملت كمتعاونة مع مجلة (الصباح الجديد) وأسند لي باب المرأة الريفية لمعرفتي وتجربتي، فأنا من النيل الأبيض ثم مجلة الإذاعة (هنا أم درمان)، ثم مجلة (المجد) غير المطبوعة ثم (مجلة الناس).. لقد كان الفعل و العطاء أكبر من عمري، ولن انسي أبداً إنني حاورت الدكتورة عائشة بنت الشاطئ حول المرأة التي تصنع رجل الدولة دون أن تصنع نفسها، وحاورت السفير الأمريكي في الخرطوم وكان هذا في الستينيات وقد تم في مكتب وزير الاستعلامات والعمل وبحضور وزير خارجيتنا آنذاك المرحوم أحمد خير المحامى، ومن المهم جداً هنا أن أذكر سبب وجودي هناك في ذلك اليوم فقد كنت قد رشحت للسفر للكويت مع فرقة فنية وكانت سني أقل من العمر المسموح به للسفر خارج البلاد، وكان لابد من استثناء يمنحه وزير الاستعلامات ولما كان وزير الخارجية حاضراً هناك فقد أتاح لي فرصة مقابلة السفير الأمريكي بل عرض علي الذهاب إلى أمريكا للدراسة ولكنني فضلت إذاعة أم درمان لأنني كنت أحس أن الظرف السياسي في السودان خاصة في ذلك الوقت يحتاج إلى جهود أبنائه وخاصة النساء لأنهن السند الأمثل في قضايا التوعية والتعليم والتغيير الاجتماعي.
لقد كنت باستمرار في حالة بحث، وحالة عمل، كنت حاضرة بشكل مستمر في ميادين العمل العام ومن خلال وسائط الإعلام المختلفة لذلك لم يكن غريباً أن أكون على موعد مع النجومية فقد أتاح لي القدر أن أكون أول امرأة تظهر على شاشة التلفزيون السوداني..
أول امرأة تسمع كلمة (آكشن) وذلك من خلال البرنامج الدرامي أسرة الشيخ أحمد.
حدث خاص جداً:
في عام 1967 كان عليَّ أن افعل كما تفعل كل فتاة خاصة في ذلك الزمان فتزوجت من الفنان المعروف الطيب عبد الله وعشت زواجا سعيداً أنجبت فيه ابني طارق الذي هو الآن الدكتور طارق المقيم حالياً في بريطانيا، وهو بالمناسبة عازف عود ماهر وعاشق للأدب العربي. وكذلك أنجبت ابنتي الدكتورة الهام المتخصصة في البكتريا والمقيمة أيضاً حالياً في بريطانيا، وهى بالمناسبة ناقدة سينمائية وقد تلقت دراسات متقدمة في هذا الحقل.. لقد كان زواجاً سعيداً ولكنه توقف أو بالأحرى توصلنا إلى الطلاق لأسباب كثيرة بعضها خاص وبعضها عام، وقد دفعت ثمناً باهظاً جراء هذا الطلاق فبحكم أننا زوجان مشهوران كنّا مرتعا للكثير من الشائعات والأساطير التي ألصقت بكلينا، وبي على الوجه الأخص والتي كانت بعيدة كل البعد عن حقيقة ما جرى.
لابد من التفاصيل:
كما ترى وأنا أتداعى واعترف تتداخل الذكريات والأحداث التي لا يربطها غير نسيج رحلتي التي لا زالت مستمرة، إذ أنني كنت ولازلت أؤمن بأن الإنسان ـ أي إنسان ـ لابد له من دور في إعادة بناء الحياة بشكل إنساني مبدع، وأنا لم أفعل ما فعلت إلا لتحقيق هذه الأمنية وفي كل هذه الرحلة كانت أداتي هي الفن بالكلمة، أو بالجسد، أو بالصورة ففي مسيرتي تتداخل الإذاعة مع المسرح، والمسرح مع التلفزيون، والتلفزيون مع السينما، والسينما مع الصحافة لذلك لا يضير أن أحكي ذكرياتي مع كل وسيط وها قد بدأت.
الإذاعة السودانية.. “هنا أم درمان”:
دخلت الإذاعة السودانية فوجدت من قبلي طليعيات الإذاعة في مجالات الدراما وتقديم البرامج.. نفيسة محمد محمود، ومنيرة عبد الماجد، وفوزية يوسف صالح، وفاطمة عبد المحمود، في مجال الكتابة لبرنامج الأسرة ثم البرنامج الإنجليزي، وبخيتة أمين في تقديم برنامج (المرأة)، وصفية الأمين في تقديم الأحاديث باللغة الفصحى..
في الإذاعة شاركت في معظم التمثيليات الإذاعية الخاصة في برنامج (التعاون في خدمة الشعب) والذي كان يطرح فكرة التعاون في قالب حواري ثم برنامج (مسرح المجتمع) الذي كان يعده ويقدمه الأستاذ كمال محمود المحامي وهو أول من قدمني للميكرفون ويبدو أنه قد استفاد كثيراً من القضايا التي كانت تعرض عليه للمرافعة فيها خاصة ما كان يتعلق منها بمشاكل النساء في الستينات كقضايا الأحوال الشخصية، وصراع العادات والتقاليد وقد كان يعرضها في قالب درامي وقد كان لي نصيب عظيم من هذه الأعمال..شاركت كذلك في تمثيليات حسن عبد المجيد وترجماته من الأدب العالمي فقد استطاع بخبرته الفذة أن يجعلها تتماشى مع واقعنا، وأيضاً لا أنسى أعمال الأستاذ جعفر عز الدين وعظمة تمثيليته الإذاعية (الضمير الحي) ثم رائعة حمدنا الله عبد القادر (كشك ناصية) التي تقاسمت بطولتها مع الأستاذ مكي سنادة.. أيضاً كتبت حوارات بعنوان دردشة في برنامج الأسرة مع الأستاذة سكينة عربي، وكذلك (وهذا ما قد لا يعلمه بعض الناس) قدمت بعض الحلقات في برنامج حقيبة الفن مع الأستاذ المبارك إبراهيم، وفى الإذاعة المصرية شاركت الفنان إبراهيم خان في أداء العديد من الأعمال الدرامية لعل أهمها مسلسل (عرس الزين) عن رواية الطيب صالح..
في المسرح:
بدأت علاقتي بالمسرح منذ المرحلة الأولية عندما مثلت في المدرسة دور بنت فقيرة متسولة وكان مما أثار دهشتي وأنا بعد طفلة صغيرة هو انفعال الحضور بالدور الذي قمت به، وتعاطفهم معه، ولعل هذا من الأسباب التي جعلت سطوة المسرح وجماليته لا تبارحني حتى الآن، وقد يكون هذا ما جعلني أواصل علاقتي بالمسرح حتى التقى على قدر بالأستاذ الفاضل سعيد لتكون تجربتي الأولى في المسرح. وبما أنه مسرح له معايير ومواصفات معه هو بالذات وهذا شرف لي فالفاضل سعيد مدرسة في المسرح جذرها في باطن الأرض وفروعها على امتداد جهات السودان المتنوعة.. كانت مشاركتي الأولى مع الفاضل سعيد في مسرح المولد في الخرطوم وبعدها تنقلت معه بين الميادين العامة والمدارس ثم بعدها سافرت معه إلى عدد من مدن السودان المختلفة، فالفاضل سعيد كان ولا يزال يؤمن بأن المسرح متنفسه الحقيقي هو الناس لذلك لم يكن يركن لمسرح الدولة ومواسمه.. في ذلك الزمن لم تكن رحلاتنا تكتمل إلا ومعنا عدد من المطربين أو نحن معهم فقد سافرت مع الفاضل سعيد وكان معنا من المطربين صلاح محمد عيسى، ومنى الخير.
في المسرح لا أنسى أبداً عملي مع الأستاذ عثمان حميدة (تور الجر) فقد سافرت معه في الستينيات داخل السودان وكان معنا في هذه الرحلة إبراهيم الكاشف وزكي عبد الكريم وبابكر ود السافل ونخبة من الإعلاميين، ورجال الأعمال وقد انتهت هذه الرحلة بعد طواف زاد عن العام في ألمانيا، وهنا أذكر أنني قدمت في مدينة هامبورغ على طريقة التمثيل الصامت كيفية زراعة القطن وجنيه، وما يستتبع هذه الممارسة من طقس احتفالي وقد ساعدني في هذا العرض الفنان الأمريكي دكتور دينس.
للتاريخ يجب أن أقول وأوثق أنني عندما أتيت إلى المسرح قبل مواسم الأستاذ الفكي عبد الرحمن وجدت ممثلة اسمها “شامة قرشي” وممثلة أخرى اسمها “زينب علي” وأخريات لم يكتب لهن جميعاً الاستمرار .. وأذكر أيضاً الأستاذ حامد التاج “ود البلد” والتي كانت عبارة عن مسرحيات قصيرة من فصل واحد كنا نقوم بتمثيلها في ذلك الوقت إلى أن جاء الأستاذ الفكي عبد الرحمن، وأحدث تغييرات أساسية غيرت من مسار المسرح كمبنى جهز أصلاً لاستقبال المطربين والفرق الزائرة لأن السودان في ذلك الوقت كانت تربطه صداقات مع شعوب كثيرة، وشهد هذا المبنى الكثير من فنون الاستعراض والسيرك وحتى التزحلق على الجليد من مختلف الشعوب.
في المسرح القومي وبعد سياسات الفكى عبد الرحمن وبداية المواسم المسرحية شاركت في مسرحيات ( “الزوبعة”، و “حصان البياحة”، و “تاجوج”، و “الشماشة”، و “سقوط بارليف”، و “بامسيكا”، و “أبو فانوس”) وكتبت وأخرجت مسرحية “لعنة المحلق” ثم مسرحية “المطر والحصاد” ومسرحية “زيارة لفريق تحت” ،التي قدمتها على مسرح قصر الشباب والأطفال مع مجموعة نادي المسرح السوداني ثم مسرحية “عروس حسب الظروف” التي سودنتها.
من التجارب التي لن أنساها أبداً على صعيد تجربتي المسرحية هو تحالفي وتضامني مع الجيل الجديد من المسرحيين في ذلك الوقت وبدقة أكثر مع بعضهم فقد قدمت مع أولئك النفر الذين آمنوا بضرورة التجديد في المسرح أمثال الفنانين إبراهيم محمد الحسن، والفاتح مطيع، ومحمد عبد الرحيم قرني، في سبعينيات القرن الماضي وعلى مسرح شباب أم درمان، ولأن المسرح القومي حينها كان يقع تحت سيطرة مجموعة أو مجموعات بعينها.. فكرت واولئك النفر في الانتقال بعروضنا إلى أماكن مفتوحة لا نريد عائداً سوى عرض تجاربنا الجديدة وعرض أفكارنا وحيرتنا وأسئلتنا التي تلح علينا دائماً، كما كان يفعل (يوربيدس) منذ آلاف السنين فكان في أم درمان “مسرحية (السبت أخدر” لإبراهيم محمد الحسن ومسرحية “حب على الطريقة السودانية” للفاتح مطيع ثم انطلقنا بعدها إلى ميدان أبو جنزير في الخرطوم واشترك معنا مشجعاً ومساهما ً الفنان التشكيلي حيدر إدريس ثم قدمنا مسرحية (ماتي وتابعة قفة) وكانت معنا الفنانة منى عبد الرحيم والمخرج سعد يوسف.
من وجهة نظري أرى أن هذه التجربة قد أضافت للمسرح السوداني الكثير فقد كسرت هيمنة النص الصفوي كما كسرت سلطة المكان الواحد واشتملت أيضاً على اهتمام كبير بالمواهب الواعدة كما جعلت من المسرح منتجاً متاحا ً للجميع لذلك لم يكن مستغربا أن يشجعها ويساندها ويقف معها ناقداً وأكاديمياً فذاً مثل الدكتور عبد الرحمن الخانجي أستاذ الأدب المقارن.
إشارة:
من بين الأشياء المهمة في حياتي شغفي بالعلم وحبي للقراءة وتوقي إلى المعرفة والإطلاع فسارعت بالالتحاق بمعهد الموسيقى والمسرح (كلية الموسيقى والدراما حالياً) وتخرجت فيه وعملت مساعدة أمين شعبة الفنون، ومشرفة على نشاطها الإداري والفني وبعدها هاجرت إلى انجلترا في العام 1977م للمعرفة والاحتكاك بالتجارب العالمية، وكانت الفرصة العظيمة حين كان لي شرف العمل في مسرح (الشيرمان) الذي سبقني له الكاتب والمسرحي السوداني الاستاذ عثمان النصيري ومن حسن حظي أن نفس الأستاذ الذي قدم الكاتب النيجيري شوينكا وأعني المستر اكوارش هو الذي قام بتدريسي لمدة عامين نلت فيها درجة فوق الجامعية.. كذلك كتبت في انجلترا نصاً باللغة الإنجليزية بعنوان (الزرافة الراقصة) وقمت باخراجه فكتبت صحف مدينة كاردف قائلة: (لقد أخضعت نعمات حماد المسرح لمعاني الحرية والديمقراطية) ولا زلت احتفظ بهذه الصحيفة.
بعدها بدأت أعمل كمساعد مخرج في كثير من الأعمال التلفزيونية الإنجليزية تحت اشراف شركة الشاشة المضيئة ومقرها في شبرد “أستوديو في ضواحي لندن” ثم أنجزت فيلم الختان نصاً ورؤية إخراجية أخضعت ووظفت فيها الفن التشكيلي وأعمال الفنان التشكيلي عادل كبيدة لتضمين الفكرة … كان لي أيضاً شرف العمل مع فنانين عالميين في برنامج (ديزمون الدرامي) على القناة الرابعة في بريطانيا ثم محررة في القسم العربي مع الأستاذ رشاد رمضان فى الـBCB ثم لقاءات تاريخية مهمة مع شخصيات بريطانية وثيقة الصلة بالسودان مثل السير (دوقلاس باركر)، الرجل الذي حمل وثيقة استقلال السودان من ملكة بريطانيا_ عن ذكرياته وتجربته في السودان_ واعتز أيضا بلقائي مع وزيرة التعاون الدولي (كلير شورتس).
قمت بكل هذا في محاولة مني لتقديم الصورة الحقيقية لشعب السودان وثقافته. أيضاً عملت بصحيفة الشرق الأوسط والعرب الدولية كما أنني قد أنتجت عدداً من الأفلام القصيرة هناك.
أشير إلى انني طول هذه الهجرة الممتدة من 772004م قد عدت إلى السودان أكثر من مرة.. الأولى كانت عام 86 وقضيت فيه عاماً ثم عدت مرة أخرى عام 92 ورجعت وعدت عام 2003م وفي كل مرة كنت أعود فيها أحاول أن أقدم شيئاً وبالفعل أنجزت مسرحية “زيارة لفريق تحت” و قدمت للتلفزيون القومى عدداً من اللقاءات مع شخصيات سودانية وأجنبية مهمة كما أشرت.
التلفزيون:
يشرفني كثيراً إنني كنت أول امرأة تسمع كلمة آكشن باللهجة السودانية. فكما ذكرت فقد مثلت في البرنامج الدرامي أسرة الشيخ أحمد مع حسن عبد المجيد وأحمد عاطف وعوض صديق والسر قدور كما شاركت في مسابقات رمضان التي كانت تبث على الهواء مباشرة إلا أن أعظم ما قدمته كان تمثيلية (الرقابة) التي أخرجها الشفيع الضوء وقد علمت انها مسحت وسجل مكانها مباراة لكرة القدم كذلك قدمت مع الفنان مكي سنادة والمخرج أحمد عاطف (أصبع القرد) وهي من الأدب العالمي.
في القلب وعلى اللسان كلمات:
* لقد كنت في غاية السعادة وفي غاية الحظ عندما قدمت مسرحية (الدب) لتشكوف وهي إحدى روائع المسرح الروسي كما هو معروف .
* في السينما قدمت فيلم (عرس الزين) من خلال شخصيتى “سعدية” و “أم نعمة” كما شاركت في فيلم “ايد على ايد” وهو من انتاج مصلحة التعاون ومثلت فيه مع الاساتذة السر قدور وعثمان حميدة وحسن عطية وآخرون.. أيضاً شاركت في ما يشبه الفديو كليب الآن وذلك من خلال أغنية “اوعديني” للفنان الكبير عثمان حسين وقد كان المنظر ..(أسرة تستمع إلى الأغنية في منزلها) .
* أيضاً لن أنسى مسرحية “ست شخصيات تبحث عن مؤلف” لبرانديللو فقد مثلت فيها في الجامعة وفي المعهد وفي لندن.
لفتيات الدراما الآن أقول :
عند ظهوري المكثف في الأجهزة الإعلامية في سن الصبا والشباب المبكر بالتأكيد لم يكن هذا سهلاً بل كان مخيفاً فحينها كنا نضطر أن نقول أننا نعمل معلمات (يعني نغير هويتنا) فالعادات والتقاليد لم تكن تسمح للفتاة حتى بالأكل أمام الرجال والآن وقد دخلت المرأة كل ميادين الحياة أود أن أهمس لكن انتن فتيات الجيل الجديد خاصة الناشطات في حقل الفنون بأن تحافظن على هذه المكاسب جيداً فإن من كن قبلكن قد دفعن ثمنا غالياً.. إننا فعلنا ما فعلنا حتى تعامل المرأة كانسان له كافة الحقوق وفي مقدمتها حق التعبير.
* لقد كرمتني دول كثيرة عربية وأوروبية وكذلك أمريكا ولكنني كنت دائماً انتظر أن يكرمني أهلي لذلك كنت دائماً حزينة على الرغم من أن التكريم في حد ذاته مفرح ولكنه بالقطع لن يكون جميلاً بما يكفي إذا كرمك الآخرون ونسيك أو تناساك أهلك.
*/ هذا المقال والذى هو عبارة عن (بعض من سيرة الفنانة الكبيرة نعمات حماد التى حكتها لى وكتبتها، قد نشر اول مرة فى الملحق الفنى بجريدة الرائد في اكتوبر 2011, ثم صدر ضمن كتابي: (فى افق التساؤل: مسرحيون وقضايا)، الصادر فى العام 2012.
رحم الله نجمتنا نعمات حماد وشملها بعفوه ورضوانه.
المصدر: صحيفة التغيير