تقرير (٣)
ذكرتُ في التقارير السابقة كيفية تأصيل تمكين الحركة الإسلامية داخل مؤسسات السلطة القضائية، وسأفصّل في هذا التقرير نموذجين كانا الأبرز والأكثر وضوحًا في اتباع سياسة هذا التمكين.
النموذج الأول:
تعاملت الحركة الإسلامية، ومنذ استيلائها على السلطة في عام 1989، مع مؤسسات السلطة القضائية بصورة خاصة، وكأنها إرث ورثته من أبناء الشعب السوداني.
فاتبعت نظام “خلافة مهنة القضاء”، بحيث يتبع الأبناء آباءهم في المهنة، وأمّنت على أن يلتحق جميع أبناء القضاة الموالين للحركة الإسلامية بالسلك القضائي، ليواصلوا درب الولاء للحركة الذي بدأه آباؤهم.
لذلك، عيّنت الحركة الإسلامية العشرات من أبناء القضاة السابقين، إمّا كعاملين في المحاكم أو كأعضاء في المجالس والبرلمانات، ومنهم القاضي عمار جبرالله خمسين، الذي تم تعيينه في السلطة القضائية امتدادًا لولاء والده. وقد تم فصله أثناء تأديته لعمله بسبب سوء السير والسلوك، إثر تحرّشه جنسيًا بأحد الموظفات في مجمع محاكم الامتداد الذي كان يشرف عليه.
ومع ذلك، أعادته المفوضية إلى العمل نظرًا لولاء والده. وكذلك الحال مع القاضي مصعب أحمد عبدالله، ابن قاضي المحكمة الدستورية المعروف، وأيضًا القاضي مأمون الخواض، ابن قاضٍ سابق.
النموذج الثاني:
تمثّل في تعيين الموالين للنظام مكان القضاة الذين فُصلوا من الخدمة عقب انقلاب عام 1989. وهؤلاء المفصولون كانوا ممّن يعملون لأجل المصلحة المهنية، ولذلك لم يكن لهم مكان في السلطة القضائية التي أرادتها الإنقاذ.
ولتعويض هؤلاء، فُتحت أبواب التوظيف على مصراعيها لتُسدّ الفراغات، وتم تعيين المئات من قانونيي الحركة الإسلامية، الذين كانت الحركة قد أشرفت على تعليمهم وتدريسهم القانون من أجل هذا اليوم، حتى وإن كانوا دون المستوى المطلوب، طالما أن ولاءهم للحركة الإسلامية ثابت.
وقد تم تعيين أغلبهم دون الخضوع لأي معاينات أو اختبارات لتأدية الخدمة القضائية.
الآن أعود لكشف معاول الهدم والفساد داخل السلطة القضائية، وأفصّلهم مع التركيز على الأدوار التي قاموا بها تباعًا، حيث أوضحت في التقارير السابقة أن كشف القضاة المُعارين فسادًا وبالمخالفة للقانون إلى دولة قطر، مرصود ضمن كشف أفصّله لكم على النحو الآتي:
(أ)
القضاة الذين تقدموا بإجازة دون مرتب، وطالبوا رئيس القضاء عبد العزيز بأن يُقنِّن وجودهم في دولة قطر بمنحهم إعارات من السلطة القضائية، رغم تعاقدهم الخاص مع وزارة العدل القطرية.
رفض لهم عبد العزيز الطلب في البداية، بحجة أنهم لا يستحقون سوى الإجازة فقط، وفقًا للقانون. لكنه تراجع عن قراره هذا بعد أن عادوا إليه، وضغطوا عليه وابتزوه بنفس الطلب، بعد أن خالف هو نفسه القانون من أجل القاضي مصعب أحمد عبد الله، نسيبه.
وهؤلاء القضاة هم:
• القاضي حسن محمد علي
• القاضي صلاح برير
• القاضي سامي شبو
• القاضي سامي محمد عمر
• القاضي حافظ الطيب
(ب)
أما القضاة الذين تمت إعارتهم إلى قطر مباشرة، رغم تعاقدهم بعقود خاصة مع دولة قطر، فهم:
• القاضي مصعب أحمد عبد الله
• القاضي سمؤل عبد الرحمن خلف الله
• القاضي أنور حمرون
(ج)
عندما نُشر كشف الترقيات، تمت ترقية القاضي سمؤل عبد الرحمن خلف الله دونًا عن دفعته سامي شبو وصلاح برير، واللذَين احتجّا على عدم ترقيتهما. فتمت ترقيتهما لاحقًا بواسطة رئيس القضاء في كشف لاحق.
(د)
القاضي محمد الطيب سرور، دفعة 1996، هو الآن بصدد الترقية في أي لحظة، بعد أن تمت تبرئته من تهمة الغياب لأكثر من ثلاثة أشهر، وهي التهمة التي كانت قد ذكرتها لجان التفتيش، وتمت تبرئته بواسطة القاضي أسامة عثمان بشير، الذي عُيّن خصيصًا في لجان المحاسبة التي يقع على عاتقها تبرئة عضوية الحركة الإسلامية تمهيدًا لعودتهم إلى العمل.
وقد قام هذا القاضي أيضًا بتبرئة القاضي الصادق الخليفة من تهم الفساد التي نُسبت إليه من ولاية كسلا.
ثانيًا:
القاضي (عصمت محمد يوسف)
درج المكتب التنفيذي لرئيس القضاء على سلوكٍ راتب في الفترة الأخيرة، يتمثل في إصدار قرارات شفاهية غير مكتوبة بخصوص تعيين القضاة المفصولين في الإدارات المهمة داخل السلطة القضائية، وذلك تحاشيًا لانكشاف خطة إعادة تمكين قضاة الحركة الإسلامية التي يتبعها رئيس القضاء منذ الانقلاب.
هذا القاضي تحديدًا، وأعني عصمت محمد يوسف، هو من القضاة الذين تم تعيينهم دون أن يُصدر له قرار مكتوب بالتعيين، حيث تم تعيينه أمينًا عامًا للمفوضية، وهو طليق الصحفية سهير عبد الرحيم.
كان في السابق قد استقال من السلطة القضائية بعد أن كثُر فيه القيل والقال، خصوصًا أثناء محاكماته لطبيب الإجهاضات (عبد الهادي)، التي كان ينظرها هو.
وبعد استقالته، عُيِّن مباشرة في مجلس إدارة بنك الخرطوم كمستشار قانوني لـ محمد خير.
وبعد ثورة ديسمبر المجيدة، وحتى لا تطاله أيادي المحاسبة على الفساد الذي كان بالإدارة، تقدّم للمرة الثانية بطلب للالتحاق مجددًا بالسلطة القضائية، وتم قبوله كقاضي استئناف ضمن فئة الخبرات، وفق المادة (٣٠) من قانون السلطة القضائية.
لاحقًا، تم فصله بواسطة لجنة التفكيك حينما علمت اللجنة برغبته في التستر بعباءة الحصانة القضائية خوفًا من المحاسبة.
ورغم كل ما ذُكر، قام رئيس القضاء بتعيينه أمينًا عامًا للمفوضية، ثم قام بترقيته إلى قاضي المحكمة العليا، مخالفًا في ذلك كل الأسس واللوائح، التي تنصّ على ضرورة عمل القاضي لمدة خمس سنوات في الخدمة كشرط للترقية.
ثالثًا:
رئيس الجهاز القضائي لولاية البحر الأحمر، قاضي المحكمة العليا (عبد المنعم اسماعيل ابوبكر)
هذا القاضي يتصرّف في أصول وعقارات السلطة القضائية في بورتسودان وكأنها من ممتلكاته الخاصة، حيث خصّص مبنى رئاسة الجهاز القضائي لرئيس الوزراء الجديد كامل إدريس، بالتنسيق مع رئيس القضاء، طمعًا في استجلاب محبة ورضا عبد الفتاح البرهان، في تداخلٍ واضح بين السلطات القضائية والتنفيذية في الدولة.
كما قام هذا القاضي بإجراء ضمان لأحد أقاربه المحكوم عليه بجريمة السرقة (المادة 174 من القانون الجنائي السوداني)، وذلك بالمضمونية، وأسكنه هو وزوجته في استراحة القضاة بمدينة سواكن.
المضمونية: هي إجراء احترازي درجت إدارات السجون على استخدامه لحُسن السيرة والسلوك للمحكومين بأحكام رادعة وطويلة.
وما قام به هذا القاضي من ضمان لقريبه يُعدّ سابقة لم يُقدم عليها أي قاضٍ آخر، حيث أن القاضي نفسه هو من أصدر الحكم عليه، وكان المنتظر في هذه الحالة وغيرها هو تنفيذ الحكم.
وبفعله هذا، كأنما كافأ المجرم على ارتكابه للجريمة، بل وفّر له وضعًا مميزًا لم يُتح لأمثاله من المحكومين في السجون، حيث هيّأ له مكانًا مريحًا يُشبه الفنادق، مع السماح لزوجته بالإقامة معه، فقط بسبب صلة القرابة.
كذلك، قام القاضي عبد المنعم بإسكان السفير (غانم)، وهو من أبناء جنوب كردفان، في استراحة القضاة ببورتسودان، حيث يتشارك القضاة فيها الإعاشة والغرف والطعام والشراب، رغم أن غانم شخص تنفيذي لا علاقة له بالسلطة القضائية.
ولم يكتفِ بذلك، بل أسّس له مكتبًا داخل مباني رئاسة الجهاز القضائي ببورتسودان، مبررًا وجوده بأنه يسهم في “تسهيل الإعلانات لوزارة الخارجية”، رغم أنه رجل بدرجة سفير، ولا يُفترض تداخله مع العمل القضائي.
⸻
ختامًا:
سأواصل في تعرية بُؤر الشؤم والفساد داخل السلطة القضائية، وسأُفصّل في التقرير القادم عددًا من القضاة الذين يعملون كأدوات للردع الباطش من خلال إصدار أحكام جائرة ضد المدنيين الرافضين للحرب، والمطالبين بالسلام، وبمطلوبات ثورة ديسمبر المجيدة.
كما سأفند فيه مظاهر الفساد الذي تمثّل في رئيس القضاء، والذي قام مؤخرًا بشراء عربة بوكس موديل 2025، بقيمة 450 مليون جنيه سوداني، تمهيدًا لاستخدامها كعربة تقاعدية شخصية في حال تم عزله من المنصب بعد افتضاح أوراق فساده، لتصبح لاحقًا ملكًا له.
رحاب مبارك سيد أحمد
عضوة المكتب التنفيذي محامو الطوارئ
23 يوليو 2025
المصدر: صحيفة الراكوبة