المصري محمد ندا يفوز بالبوكر عن رواية ما بعد النكسة


كان معظم الإعلاميين والنقاد وحتى القراء في حال من الحيرة إزاء الاسم الذي سيفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية أو “البوكر العربية” في دورتها الـ18، فالرهان بدا صعباً على اسم روائي أو روائية منذ صدور اللائحة القصيرة. فمن بين الأسماء الستة هناك أربعة روائيين يصلون إلى القائمة القصيرة للمرة الأولى، وهم الموريتاني أحمد فال الدين واللبنانية حنين الصايغ والمصري محمد سمير ندا والإماراتية نادية النجار.
وكان روائيان وصلا سابقاً إلى المراحل الأخيرة للجائزة، هما العراقي أزهر جرجيس (القائمة الطويلة عام 2020 عن “النوم في حقل الكرز” والقائمة القصيرة عام 2023 عن “حجر السعادة”) والسوري تيسير خلف (القائمة الطويلة عام 2017 عن “مذبحة الفلاسفة”). واللافت أن كل الأسماء ليست مكرسة نقدياً وإعلامياً في المعنى الواسع، وإن حظي بعضها أخيراً بشبه رواج إعلامي وعلى مستوى المبيع.
لكن لجنة التحكيم المولجة وحدها باختيار الاسم الفائز اختارت هذه السنة رواية “صلاة القلق” الصادرة عن دارمسكلياني للروائي المصري محمد سمير ندا. والرواية ذات طابع تخييلي رمزي وسياسي، وتدور الأحداث في قرية مزروعة في النسيان، يهز أديمها انفجار غامض لجسم مجهول عام 1977، فتتحول فجأة إلى علبة محكمة الغلق يعيش فيها كل قروي ملحمته الخاصة، المتمردون المضطهدون يطلبون الحرية والطغاة المستبدون يحكمون قبضاتهم على الأرواح والأعناق. لكن خيط السرد لا يتقدم إلا ليعود بنا للوراء، فتلقي الرواية الضوء على عشرية قاسية تمتد من نكسة حزيران عام 1967 إلى لحظة وقوع الانفجار وانقلاب وجوه القرويين إلى سلاحف. حدث واحد في “النجع” ترويه ثماني شخصيات مختلفة، تشكل مروياتها فسيفساء الحكاية تشكيلاً ساحراً. أما قاع الرواية فمساءلة سردية للنكسة وما تلاها من أوهام بالسيادة والنصر.
جنة التحكيم في هذه الدورة ترأستها والأعضاء هم الأكاديمي والباحث اللبناني بلال الأرفه لي والمترجم الفنلندي سامبسا بلتونن والأكاديمي والناقد المغربي سعيد بنكراد والناقدة والأكاديمية الإماراتية مريم الهاشمي، إضافة إلى رئيس مجلس أمناء الجائزة ياسر سليمان ومنسقة الجائزة فلور مونتانارو.
وعموماً تميزت الروايات الست التي اختيرت ضمن القائمة القصيرة هذه السنة بالتركيز علي الجانب الإنساني لشخصياتها الرئيسة، سواء كانت الشخصية امرأة درزية من قرى لبنان في القرن الـ21 في “ميثاق النساء” أو حُجة الإسلام الإمام أبو حامد محمد الغزالي في القرن الـ12 الميلادي في “دانشمند”، وسواء كان التركيز علي رحلة استكشاف شابة كفيفة لحواسها الأربع في “ملمس الضوء” أو رحلة الأندلسي عيسي أو خيسوس في البحث عن قاتل والدته في “المسيح الأندلسي”، وسواء كانت تصور واقعاً امتزج بالخيال وتراجيديا امتزجت بالكوميديا، إذ تسخر الشخصية الرئيسة من كل شيء، فذلك سلاحها لمواجهة مأسوية الواقع في “وادي الفراشات”، أو اختار الروائي التصوير الواقعي لشخصيات هي في عمقها رموز لحالات سياسية أو اجتماعية. إن القارئ هنا يكتشف وضعيات تُرى في الواقع ولكنها ليست سوى يافطات ظاهرية تتسم باللبس والغموض في “صلاة القلق”، مما يجعل قراءاتها تتنوع وتتعدد.
ويقوم العنصر النسائي بدور بارز في بعض الأعمال، فيكشف السرد أحياناً عن الوتيرة البطيئة والمتعثرة للتغيير الاجتماعي. وتسيطر أمهات الكوارث السياسية الأخيرة في العالم العربي على بعض هذه الروايات، لتكشف لنا عن عوالم من الديستوبيا ترزح تحت وطأة الفقدان والتفكك الاجتماعي والمخاوف المستعرة.
اندبندنت عربية
المصدر: صحيفة الراكوبة