مقدمة: عالم الاجتماع بصفته مثقفاً عمومياً

يحتل الدكتور حيدر إبراهيم علي (مواليد 1943) مكانة بارزة، وغالباً ما تكون جدلية، في الأوساط الفكرية السودانية والعربية.1 تتحدد هويته الأساسية كعالم اجتماع يتجاوز عمله حدود الأوساط الأكاديمية ليشتبك مباشرة مع الأزمات السياسية والاجتماعية الملحة في عصره. يرتكز مشروعه الفكري على دعائم أساسية تتمثل في: نقد متواصل وممنهج للإسلام السياسي يستند إلى رؤية سوسيولوجية 1، واهتمام عميق بعلم الاجتماع الديني 3، والتزام معياري راسخ ببناء دولة حديثة، ديمقراطية، وعلمانية تقوم على مجتمع مدني نابض بالحياة.4

يتجلى دوره كمثقف عضوي من خلال تأسيسه وإدارته لمركز الدراسات السودانية 5، الذي لا يمكن اعتباره مجرد مؤسسة أكاديمية، بل هو الأداة الرئيسية التي يمارس من خلالها مشروعه الفكري العام. وقد دفع ثمناً سياسياً باهظاً لمواقفه، حيث منعت السلطات السودانية تداول العديد من كتبه ومقالاته، مما يؤكد الطبيعة الصدامية لفكره ونشاطه.1

يقدم هذا التقرير تحليلاً معمقاً لمشروع حيدر إبراهيم علي الفكري، حيث يستعرض في جزئه الأول منطلقاته الفكرية وتأثيراته التكوينية، ثم ينتقل في جزئه الثاني إلى تفكيك المحاور الموضوعاتية الأساسية لمشروعه، ويخصص الجزء الثالث لدراسة أسلوبه ودوره كمثقف فاعل في الساحة العامة وما أثاره من جدل، ليختتم التقرير بتقييم شامل وتجربة نقدية لتجربته.

جدول 1: عرض زمني لأبرز مؤلفات الدكتور حيدر إبراهيم علي

السنة

العنوان (بالعربية)

العنوان (ترجمة إنجليزية)

المحور الأساسي/المساهمة

1981

التغيير الاجتماعي والتنمية

Social Change and Development

عمل سوسيولوجي مبكر يركز على المفاهيم الأساسية للتنمية، ويعكس اهتمامات تلك الحقبة.10

1991

أزمة الإسلام السياسي: الجبهة الإسلامية نموذجاً

The Crisis of Political Islam: The NIF as a Model

نقد تأسيسي وممنهج للحركة الإسلاموية في السودان، يحلل أيديولوجيتها وتنظيمها واستيلاءها على السلطة. يُعد نصاً محورياً في مشروعه.10

1992

لاهوت التحرير: الدين والثورة في العالم الثالث

Theology of Liberation: Religion and Revolution in the Third World

يستكشف التفسيرات التقدمية والثورية للدين، ويقارنها بالنماذج الإسلاموية المحافظة والراديكالية.10

1996

الديمقراطية والمجتمع المدني في السودان

Democracy and Civil Society in Sudan

يحلل التحديات التاريخية التي واجهت الديمقراطية في السودان، ويطرح وجود مجتمع مدني قوي كشرط أساسي للتحول الديمقراطي.10

1996

التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية

Islamic Currents and the Question of Democracy

يبحث في العلاقة الملتبسة، والعدائية في كثير من الأحيان، بين مختلف الحركات الإسلاموية ومبادئ الحكم الديمقراطي.10

2000

المثقفون، التكوين في السودان

The Intellectuals: Formation in Sudan

تأمل نقدي ذاتي حول دور النخبة المثقفة في السودان وتكوينها وإخفاقاتها.10

2004

سقوط المشروع الحضاري

The Fall of the Civilizational Project

نقد تكميلي يقيّم الفشل الشامل لـ “المشروع الحضاري” الذي تبناه النظام الإسلاموي في السودان.1

2011

مراجعات الإسلاميين السودانيين: كسب الدنيا وخسارة الدين

Revisions of Sudanese Islamists: Gaining the World & Losing Religion

تحليل نقدي للمراجعات الداخلية التي نشرها أعضاء سابقون محبطون في الحركة الإسلاموية.4

2013

الديمقراطية السودانية: المفهوم، التاريخ، الممارسة

Sudanese Democracy: Concept, History, Practice

تحليل تاريخي ومفاهيمي شامل لتجارب السودان المتعثرة مع الحكم الديمقراطي.10

2015

أزمنة الريح والقلق والحرية: سيرة ذاتية

Times of Wind, Anxiety, and Freedom: An Autobiography

سيرته الذاتية الفكرية والشخصية، التي تتتبع رحلته وعلاقاته بالشخصيات والأحداث الرئيسية.1

2017

انثروبولوجيا الشعر والحجاب

Anthropology of Hair and the Hijab

دراسة أنثروبولوجية للأهمية الثقافية والاجتماعية للشعر والحجاب عبر مجتمعات وحقب تاريخية مختلفة.10

الجزء الأول: المنطلقات الفكرية والمؤثرات التكوينية

لفهم عمق المشروع الفكري لحيدر إبراهيم علي، لا بد من تفكيك بنيته التكوينية التي تشكلت عبر مسار أكاديمي فريد وتأثر بمرجعيات فكرية متنوعة. إن مزيجه الخاص من النظرية النقدية الألمانية، والحداثة العربية، والوجودية الفرنسية هو ما منحه الأدوات التحليلية الأساسية التي استخدمها في مجمل أعماله.

1.1 المسار الأكاديمي: من القاهرة إلى فرانكفورت

بدأ تكوين حيدر إبراهيم علي الأكاديمي في السودان بحصوله على دبلوم في التاريخ والتربية عام 1966، ثم انتقل إلى جامعة القاهرة ليحصل على ليسانس في علم الاجتماع عام 1970.1 هذه الفترة المصرية عرّضته بشكل مباشر للتيارات الفكرية السائدة آنذاك، مثل القومية العربية والاشتراكية، والتي شكلت خلفية مهمة لوعيه السياسي المبكر.

إلا أن المحطة الحاسمة في مسيرته كانت حصوله على درجة الدكتوراه في فلسفة العلوم الاجتماعية من جامعة فرانكفورت بألمانيا عام 1978.1 لم تكن هذه مجرد محطة سيرة ذاتية، بل كانت تجربة تكوينية عميقة. فمدرسة فرانكفورت، بتقاليدها الراسخة في “النظرية النقدية”، ونقدها للأيديولوجيا، ومنهجها المتعدد التخصصات في فهم الظواهر الاجتماعية، قد طبعت منهجيته بشكل لا يمحى. يتضح هذا الأثر في قدرته على تفكيك الخطابات السائدة والكشف عن علاقات القوة الكامنة وراءها. وتكشف ملاحظة مشرفه الألماني، الذي وصفه بأن لديه “عقلاً جيداً” ولكن شخصيته كإنسان “إشكالية”، عن تبلور أسلوبه الفكري الحازم والميَّال للمواجهة منذ وقت مبكر.21

1.2 مرشدو الحداثة: سلامة موسى وجان بول سارتر

يعترف حيدر إبراهيم علي صراحةً بمديونيته الفكرية لشخصيتين محوريتين يعتبرهما “أبويه الفكريين”. الأول هو المفكر المصري الحداثي سلامة موسى، الذي كان لكتاباته أثر حاسم في تشكيل وعيه المبكر.18 من خلال موسى، انفتح وعيه على قضايا جوهرية مثل العلمانية، والاشتراكية، وحقوق المرأة، والعقلانية العلمية، وهي المبادئ التي أصبحت لاحقاً من الركائز الأساسية في فكره.18

أما “والده الفكري الثاني” فهو الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر.18 يكمن تأثير سارتر في تشكيل مفهوم حيدر لدور المثقف. ففكرة سارتر عن المثقف “الملتزم” (engagé)، الذي لا يمكنه أن يبقى على الحياد ويجب عليه أن يتخذ موقفاً، هي التي تفسر انخراطه العمومي ورفضه للحياد الأكاديمي. كما أن الدرس السارتري القائل بأن “الامتلاك ينتقص دائماً من حريتك” 18 يتردد صداه بوضوح في نقده اللاذع للإسلاميين وسعيهم المحموم للسلطة والثروة، وهو ما لخصه في عنوان كتابه “كسب الدنيا وخسارة الدين”.4

1.3 الصدى الغرامشي: المثقف العضوي في سياق سوداني

تظهر أوجه تشابه قوية بين مشروع حيدر إبراهيم علي ونظريات المفكر الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي، حتى أن البعض أطلق عليه لقب “غرامشي السودان المعاصر”.15 يمكن فهم نقده للإسلام السياسي ليس فقط كمعارضة سياسية، بل كـ”حرب مواقع” بالمعنى الغرامشي.22 فمن وجهة نظره، نجح الإسلامويون في فرض هيمنة ثقافية وسياسية، وبالتالي فإن عمله، خاصة من خلال مركز الدراسات السودانية، يمثل محاولة واعية لبناء “هيمنة مضادة” تقوم على التنوير والديمقراطية والفكر النقدي.15

علاوة على ذلك، يجسد حيدر إبراهيم علي مفهوم غرامشي عن “المثقف العضوي”.23 فعلى عكس “المثقف التقليدي” الذي يخدم الوضع القائم، يسعى حيدر ليكون مثقفاً مرتبطاً عضوياً بالقوى التقدمية في المجتمع (الشباب، النساء، منظمات المجتمع المدني)، معبراً عن تطلعاتها ومزوداً إياها بالأدوات الفكرية اللازمة.4 ويتجلى هذا الدور في تركيزه على إصدار كتيبات مبسطة للشباب حول مفاهيم مثل العلمانية والعولمة، في محاولة لترجمة الفكر النخبوي إلى أداة للتغيير الاجتماعي.4

إن القوة الفكرية لحيدر إبراهيم علي تنبع من هذا التوليف الفريد؛ فهو يجمع بين المنهجية الصارمة لمدرسة فرانكفورت في نقد الأيديولوجيا، والالتزام العمومي للوجودية السارترية، والإطار الاستراتيجي للفكر الغرامشي. هذا المزيج هو ما يسمح له بأن يكون محللاً سوسيولوجياً ومثقفاً عمومياً ملتزماً في آن واحد، وهو ما يفسر لماذا يتسم عمله بالطابع الأكاديمي والجدلي معاً. كما أن شخصيته “الإشكالية” أو الصدامية ليست مجرد سمة شخصية، بل هي النتيجة المنطقية لمرجعياته الفكرية؛ فالتسامح الفكري في مواجهة ما يعتبره أيديولوجيات قمعية هو شكل من أشكال “الزيف” السارتري أو تخاذل عن الواجب النقدي.

الجزء الثاني: الركائز الموضوعاتية للمشروع الفكري

يقوم مشروع حيدر إبراهيم علي الفكري على مجموعة من المحاور المترابطة التي تشكل معاً رؤية متكاملة تهدف إلى إحداث تحول مجتمعي. هذه المحاور ليست منفصلة، بل تتغذى من بعضها البعض، حيث يوفر التحليل السوسيولوجي الأدوات، ونقد الإسلام السياسي يمهد الطريق، والسعي نحو دولة حديثة يمثل الهدف النهائي، بينما تظل الأزمة السودانية هي المختبر الذي تُختبر فيه كل هذه الأفكار.

2.1 النظرة السوسيولوجية: الدين والسلطة والمجتمع

ينطلق مشروع حيدر إبراهيم علي بأكمله من تخصصه الأكاديمي في علم الاجتماع الديني.1 هدفه الأساسي هو “نزع السحر” عن الظواهر الدينية من خلال التعامل معها كبنى اجتماعية وتاريخية خاضعة للتحليل العلمي، بدلاً من كونها حقائق إلهية مطلقة. يتجلى هذا المنهج في أعماله الرئيسية مثل “علم اجتماع الدين”، و”سوسيولوجيا الفتوى”، و”الفتوى والسياسة”.10 في هذه الكتب، يفكك آليات بناء السلطة الدينية، ويكشف كيف تتشكل الفتاوى بفعل المصالح السياسية، وكيف يعمل الدين كأداة للضبط الاجتماعي والتعبئة السياسية.

لم يقتصر منهجه على التحليل السوسيولوجي النخبوي، بل امتد ليشمل دراسات أنثروبولوجية مثل “أنثروبولوجيا الشعر والحجاب” و”الإسلام السوداني”.4 تُظهر هذه الأعمال اهتمامه بالتعابير الشعبية والمعيشة للدين والثقافة، متجاوزاً بذلك الخطابات اللاهوتية والسياسية للنخب، وساعياً لفهم الدين كما يمارسه الناس في حياتهم اليومية.

2.2 النقد المتواصل للإسلام السياسي

يمثل نقد الإسلام السياسي السمة الأبرز والأكثر تحديداً لمشروع حيدر إبراهيم علي. فهو يرى في الإسلام السياسي العقبة الرئيسية أمام الحداثة والديمقراطية والوحدة الوطنية في السودان والعالم العربي. عمله الأهم في هذا المجال هو كتاب “أزمة الإسلام السياسي: الجبهة الإسلامية القومية في السودان نموذجاً” 10، والذي يمكن تفكيك نقده فيه إلى عدة حجج رئيسية:

  • الفراغ التاريخي: يرى أن المشروع الإسلاموي يفتقر إلى جذور تاريخية عميقة في السودان، وأنه مشروع مستورد ومصطنع لا يعبر عن تطور عضوي للمجتمع السوداني.24
  • الإفلاس الأيديولوجي: يصف الأيديولوجيا الإسلاموية بأنها “ماضوية”، أي أنها تتجه نحو الماضي وتستلهمه، مما يجعلها عاجزة عن حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الحديثة، وتعتمد على الشعارات بدلاً من التخطيط العلمي.1 ويؤكد أن الفقه الإسلامي لا يملك نموذجاً قابلاً للتطبيق لدولة في القرن الحادي والعشرين.26
  • الإفلاس الأخلاقي والسياسي: يوثق الفساد والاستبداد الذي مارسه النظام الإسلاموي في السودان، وهو ما يلخصه عنوان كتابه “مراجعات الإسلاميين السودانيين: كسب الدنيا وخسارة الدين”.4 ويرى أن الإسلاميين “معارضون جيدون ولكنهم حكام فاشلون”.1

ولكي يتجنب الخلط بين نقد المشروع السياسي والهجوم على الدين نفسه، يستخدم حيدر إبراهيم علي تمييزاً مفاهيمياً دقيقاً بين “المسلمين” (عامة المتدينين)، و”الإسلاميين” (أصحاب الفكر السياسي المنظم)، و”الإسلامويين (الكيزان)” (التعبير السوداني عن جماعة الإخوان المسلمين التي حكمت)، وهو ما يعتبر أداة منهجية أساسية في تحليلاته.9

2.3 السعي نحو دولة حديثة: الديمقراطية، المجتمع المدني، والعلمانية

في مقابل المشروع الإسلاموي، يطرح حيدر إبراهيم علي بديلاً يتمثل في الدولة المدنية الحديثة. تتجلى هذه الرؤية في كتاباته عن الديمقراطية، مثل “الديمقراطية والمجتمع المدني في السودان” و”التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية”.10 من منظوره، الديمقراطية ليست مجرد إجراءات شكلية (انتخابات)، بل تتطلب ثقافة ديمقراطية ووجود “ديمقراطيين” يمارسونها في حياتهم الخاصة والعامة.4

يعتبر المجتمع المدني الحديث والديمقراطي والمستقل هو الحصن الأساسي ضد استبداد الدولة وسلطة التقاليد.4 وهو ينتقد المجتمع المدني العربي لكونه في كثير من الأحيان امتداداً للعقليات التقليدية أو الحزبية، ويدعو إلى تحديثه وتجديده.4 أما دعوته للعلمانية، كما يوضح في كتابه “العلمانيةمفاهيم وقضايا” 4، فهي دعوة دقيقة. فهو يميز بين “العَلْمَنة” (almanah) كصيرورة اجتماعية حتمية نحو العقلنة (والتي ينجر إليها حتى الإسلاميون باستخدامهم للتكنولوجيا الحديثة)، و”العَلْمانِيّة” (almaniyyah) كأيديولوجيا سياسية تدعو لفصل الدين عن الدولة.19 وهو يتبنى الثانية باعتبارها الأساس الوحيد لدولة تقوم على المواطنة المتساوية لا على العقيدة.30

2.4 السودان كمختبر: تحليل الهوية والصراع والدولة

تعتبر الأزمة السودانية المزمنة هي المادة الخام التي يطبق عليها حيدر إبراهيم علي أدواته التحليلية. فهو يرى أن الفشل في إدارة التنوع الإثني والديني في السودان هو السبب الجذري لصراعاته المستمرة.5 ويقدم نقداً لمفهوم “المركز والهامش” الشائع في تحليل هذه الصراعات، فبينما يعترف بحقيقة التهميش، فإنه ينتقد النموذج لكونه ثنائياً جامداً (الشيء ونقيضه) دون أن يقدم تركيباً أو مخرجاً للأزمة.30

كما يعتبر الجدل المحموم حول الهوية السودانية (“هل نحن عرب أم أفارقة؟”) بمثابة “قناع للعجز” وهروب من المهام الحقيقية المتمثلة في بناء الدولة وتحقيق التنمية وضمان حقوق المواطنة.9 وقد تابع عن كثب ثورة ديسمبر 2018، معبراً عن تفاؤله الأولي 4، ثم عن إحباطه اللاحق من تردد السلطة الانتقالية واستمرار نفوذ الحرس القديم.4

إن مشروع حيدر إبراهيم علي، بهذا المعنى، هو مشروع “لنزع السحر” عن العالم، بالمعنى الفيبري. فهو يسعى لتجريد المؤسسات السياسية والاجتماعية من هالتها المقدسة، وإخضاعها لمعايير دنيوية وعقلانية مثل الكفاءة والعدالة وحقوق الإنسان. وهذا يفسر المقاومة الشرسة التي يواجهها فكره؛ فهو لا يختلف مع خصومه في السياسة فحسب، بل يتحدى أسس سلطتهم الرمزية من خلال إخضاعها للتحليل السوسيولوجي العلماني.

الجزء الثالث: المثقف في الساحة العامة: الأسلوب، الدور، والجدل

لا يمكن تقييم تجربة حيدر إبراهيم علي من خلال مؤلفاته فقط، بل يجب النظر إليه كفاعل عمومي، ودراسة تصوره الذاتي لدوره، وأسلوبه المميز، والجدل الذي يثيره باستمرار.

3.1 مهنة المثقف: نقد النخبة المثقفة

ينطلق حيدر إبراهيم علي من رؤية نقدية حادة لدور النخبة المثقفة السودانية، وهو ما فصله في كتابه “المثقفون، التكوين في السودان”.10 ينتقد ما يراه نخبوية وتعالياً وكسلاً فكرياً لدى هذه الشريحة، وفشلها في التواصل مع هموم الناس وقضاياهم الحقيقية.15

يأتي تأسيسه لمركز الدراسات السودانية 6 كإجابة عملية على هذا النقد. فالمركز ليس مجرد مؤسسة بحثية، بل هو أداة للانخراط الفاعل في الشأن العام عبر النشر، وتنظيم الندوات، واستضافة مفكرين عرب كبار (مثل سمير أمين ومحمود درويش)، بهدف خلق مساحة للنقاش النقدي وتكوين جيل جديد من المفكرين.15

3.2 الحدة الجدلية: أسلوب المواجهة

يتسم أسلوب حيدر إبراهيم علي في الكتابة بالحدة والمباشرة والصدامية.33 فهو “يسمي الأشياء بأسمائها” 34 ولا يتردد في توجيه نقد لاذع للأفراد والمؤسسات. يمكن وصف منهجه بأنه استخدام لأدوات علم الاجتماع كأسلحة في حرب ثقافية وسياسية. هدفه ليس التحليل فحسب، بل تفكيك حجج خصومه وكشف أسسها الأيديولوجية. هذا الأسلوب جعله عرضة للنقد من قبل البعض الذين يرون أنه يسعى إلى “هدم التجربة وليس تفكيكها وتحليلها”.33

إن هذا الأسلوب الصدامي ليس مجرد سمة شخصية، بل هو استراتيجية فكرية متعمدة. فهو يعمل في بيئة يراها خاضعة لهيمنة أيديولوجية قمعية ومعادية للعقلانية (الإسلام السياسي).35 وفي هذا السياق، يرى أن النقاش الأكاديمي “المهذب” غير فعال وشكل من أشكال التواطؤ. لذلك، يهدف أسلوبه الجدلي إلى إحداث صدمة، وفرض المواجهة، وتحطيم الهالة “المقدسة” التي يحيط بها خصومه أنفسهم. فما يراه النقاد نقصاً في الموضوعية أو عدوانية مفرطة، يراه هو الموقف الفكري والأخلاقي الضروري الذي تقتضيه اللحظة التاريخية.

3.3 الاستقبال النقدي والجدل

أثار مشروع حيدر إبراهيم علي ردود فعل متباينة. يتهمه خصومه، وخاصة من التيار الإسلامي، بأن عمله يفتقر إلى الحياد وأنه “كتاب هجومي” كُتب بنتائج معدة سلفاً.24 يرى هؤلاء النقاد أنه يبدأ من الحكم ثم يبحث عن الأدلة التي تدعمه.

كما يواجه اتهامات بوجود تناقضات في مواقفه. فعلى سبيل المثال، تُقابل دعوته إلى اللاعنف والتسامح 4 بما يصفه البعض بـ”العنف اللفظي” الذي يوجهه لمنتقديه.33 وبالمثل، اعتبر بعض النقاد أن دعوته الحازمة للعلمانية تمثل “عمى أيديولوجياً” وتجاهلاً لأولويات السلام والمصالحة في السياق السوداني.36 إن السمة “الإشكالية” التي وُصفت بها شخصيته منذ شبابه 21 أصبحت جزءاً لا يتجزأ من صورته العامة، وهي نابعة من رفضه الامتثال للأعراف الفكرية والاجتماعية، وهو موقف متجذر في مرجعياته الفكرية كما أُوضح سابقاً.

إن الجدل المحتدم حول حيدر إبراهيم علي يكشف الكثير عن طبيعة الحقل الفكري السوداني نفسه. فهو يعمل كعامل محفز، وردود الفعل التي يثيرها، إيجابية كانت أم سلبية، ترسم خطوط الصدع في الحياة الفكرية والسياسية السودانية. فدراسة الجدل الدائر حوله هي في حد ذاتها طريقة لفهم أمراض المجال العام الذي يعمل فيه.

الجزء الرابع: تركيب وتقييم التجربة

يقدم هذا الجزء الأخير تقييماً تركيبياً متوازناً لإرث حيدر إبراهيم علي الفكري، حيث يوازن بين مساهماته الكبيرة والقيود والانتقادات التي وجهت لمشروعه.

4.1 المساهمات والأثر الدائم

تتمثل مساهمة حيدر إبراهيم علي الأساسية في كونه أحد أقدم وأكثر النقاد المنهجيين للإسلام السياسي من منظور سوسيولوجي في العالم العربي، خاصة من خلال دراسته المعمقة للتجربة السودانية. لقد وفر عمله إطاراً تحليلياً ومفردات نقدية لفهم هذه الحركات قبل وقت طويل من تحولها إلى موضوع اهتمام عالمي.

كما لعب دوراً محورياً في تعميم علم الاجتماع وإظهار أهميته كأداة لفهم وحل المشكلات الاجتماعية والسياسية المعاصرة في السودان. ومن خلال مركز الدراسات السودانية، نجح في مأسسة هذه الرؤية وتحويلها إلى مشروع عملي ومستمر.15 وفي خضم الاضطرابات السياسية والتشوش الأيديولوجي، ظل صوتاً ثابتاً وشجاعاً في الدفاع عن قيم التنوير والديمقراطية والمواطنة والعلمانية، حتى مع ما كلفه ذلك من أثمان شخصية ومهنية باهظة.1

4.2 القيود والأسئلة المفتوحة

على الرغم من هذه المساهمات، يظل مشروعه عرضة لبعض الانتقادات الجوهرية. النقد الأكثر إلحاحاً هو أن التزامه السياسي العميق قد يقوض أحياناً موضوعيته كعالم اجتماع، مما يجعل كتاباته أقرب إلى السجال منها إلى التحليل الدقيق.24 ويبقى السؤال مطروحاً: هل يظل مشروعه في نهاية المطاف مشروعاً حزبياً، على الرغم من ادعاءاته العلمية؟

كما تبرز تساؤلات حول مدى فعالية مشروعه في تحقيق هدفه الغرامشي المتمثل في بناء هيمنة مضادة. هل حدّ أسلوبه الصدامي من قاعدة جمهوره ومنع أفكاره من الوصول إلى أولئك الذين لا يتفقون معه مسبقاً؟ إن النقد القائل بأن تأثيره الفعلي أقل مما يوحي به إنتاجه الغزير هو نقد وجيه في هذا السياق.33 وأخيراً، بينما يركز تحليله بشكل كبير على الثقافة والأيديولوجيا والسياسة، يمكن القول إنه قد يقلل أحياناً من أهمية العوامل الاقتصادية الهيكلية التي تقف وراء أزمات السودان، حيث ينصب اهتمامه على “برمجيات” المجتمع (الأفكار والثقافة) أكثر من “مكوناته المادية” (البنى الاقتصادية والعلاقات الطبقية).

4.3 خاتمة: إرث “مثقف بدوام كامل”

يمكن تلخيص مسيرة حيدر إبراهيم علي بأنها مشروع فكري متماسك ومستمر بشكل لافت. إنه “مثقف بدوام كامل” 15 كرس حياته لهدف واحد شامل: التفكيك السوسيولوجي للسياسات الدينية خدمةً لمستقبل حداثي وعلماني وديمقراطي للسودان والعالم العربي.

في التقييم النهائي، يبرز حيدر إبراهيم علي كشخصية فكرية لا غنى عنها، وإن كانت صعبة المراس في كثير من الأحيان. قد لا يكمن إرثه في تقديم إجابات نهائية بقدر ما يكمن في طرحه الدؤوب للأسئلة غير المريحة، فهو “عاشق للأسئلة”.18 في سياق غالباً ما يتسم بالامتثال الفكري والخوف، كان دوره كمحرض وصوت نقدي، ولا يزال، حيوياً وضرورياً.

المراجع

  1. حيدر إبراهيم علي ويكيبيديا, accessed August 21, 2025, https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D9%8A%D8%AF%D8%B1_%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85_%D8%B9%D9%84%D9%8A
  2. منارات حلقة المفكّر السوداني الدكتور حيدر إبراهيم علي YouTube, accessed August 21, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=PHtsFDnIQA
  3. الدكتور حيدر ابراهيم للفيصل : الإسلام السياسي ليس لديه أي مستقبل في السودان, accessed August 21, 2025, https://www.islamistmovements.com/59562
  4. حيدر إبراهيم: دور المجتمع المدني في عملية التغيير مشروط بحداثة القوى المكونة له | مجلة الفيصل, accessed August 21, 2025, https://www.alfaisalmag.com/?p=22076
  5. حيدر إبراهيم علي Arab Reform Initiative, accessed August 21, 2025, https://www.arabreform.net/ar/people/%D8%AD%D9%8A%D8%AF%D8%B1%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%8A/
  6. File:دكتور حيدر ابراهيم علي .jpg Wikimedia Commons, accessed August 21, 2025, https://commons.wikimedia.org/wiki/File:%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1_%D8%AD%D9%8A%D8%AF%D8%B1_%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85_%D8%B9%D9%84%D9%8A_.jpg
  7. مركز الدراسات السودانية: Sudanese Studies Centre, accessed August 21, 2025, https://sscsudan.org/
  8. د. حيدر إبراهيم علي يكتب مركز الدراسات السودانية, accessed August 21, 2025, https://sscsudan.org/%D8%AF%D8%AD%D9%8A%D8%AF%D8%B1%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%8A%D9%83%D8%AA%D8%A8
  9. حيدر ابراهيم علي | مركز الدراسات السودانية, accessed August 21, 2025, https://sscsudan.org/authors/%D8%AD%D9%8A%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%8A
  10. حيدر إبراهيم علي مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية, accessed August 21, 2025, https://www.alowais.com/haedaribrahim/
  11. أزمة الإسلام السياسي مركز الدراسات السودانية, accessed August 21, 2025, https://sscsudan.org/books/%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A
  12. Books by حيدر إبراهيم علي (Author of لاهوت التحرير) Goodreads, accessed August 21, 2025, https://www.goodreads.com/author/list/4577406._
  13. بسم الله الرحمن الرحيم, accessed August 21, 2025, https://iefpedia.com/arab/wpcontent/uploads/2010/03/ytu.doc
  14. التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية د. حيدر ابراهيم علي : Free Download, Borrow, and Streaming Internet Archive, accessed August 21, 2025, https://archive.org/details/20230607_20230607_1853
  15. د.حيدر ابراهيم علي (غرامشي السودان المعاصر) (2) .. بقلم: بكري جابر …, accessed August 21, 2025, https://sudanile.com/%D8%AF%D8%AD%D9%8A%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%8A%D8%BA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%B4%D9%8A%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B92/
  16. مراجعات الإسلاميين السودانيين: كسب الدنيا وخسارة الدين by حيدر إبراهيم علي | Goodreads, accessed August 21, 2025, https://www.goodreads.com/book/show/16102942
  17. الديمقراطية السودانية by حيدر إبراهيم علي Goodreads, accessed August 21, 2025, https://www.goodreads.com/book/show/23623047
  18. حيدر إبراهيم: لا يخجل من نفسه! موقع الجسرة الثقافي, accessed August 21, 2025, https://aljasrah.net/%D8%AD%D9%8A%D8%AF%D8%B1%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%AE%D8%AC%D9%84%D9%85%D9%86%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%87/
  19. مختلف عليه.. حلقة خاصة مع المفكر حيدر إبراهيم YouTube, accessed August 21, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=UJhfpSNxCg
  20. أنثروبولوجيا الشَعر والحجاب» أحدث إصدارت د. حيدر إبراهيم صحيفة التحرير, accessed August 21, 2025, https://www.alttahrer.com/archives/6051
  21. أزمنة الريح والقلق والحرية) مذكرات دكتور حيدر إبراهيم علي الوراق YouTube, accessed August 21, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=BJ83qSRSorU
  22. أنطونيو غرامشي, accessed August 21, 2025, https://www.marxists.org/arabic/archive/gramsci/bio/bio.htm
  23. املثقف يف الفكر أنطونيو غرامشي مجلة الجامعة العراقية, accessed August 21, 2025, https://mabdaa.edu.iq/wpcontent/uploads/2024/03/59%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%82%D9%81%D9%81%D9%8A%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%83%D8%B1%D8%A3%D9%86%D8%B7%D9%88%D9%86%D9%8A%D9%88%D8%BA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%B4%D9%8A.pdf
  24. أزمة الإسلام السياسي by حيدر إبراهيم علي Goodreads, accessed August 21, 2025, https://www.goodreads.com/ar/book/show/54816728
  25. الإسلاميون: بين التمكين والتداول .. بقلم: د. حيدر إبراهيم علي | محطة | وكالة عمون الاخبارية, accessed August 21, 2025, https://www.ammonnews.net/article/142088
  26. حيدر إبراهيم علي: الفقه الإسلامي السياسي لا يملك تراثا في مسألة الحكم | محمد الحمامصي | MEO, accessed August 21, 2025, https://middleeastonline.com/%D8%AD%D9%8A%D8%AF%D8%B1%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%8A%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D9%87%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%84%D8%A7%D9%8A%D9%85%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AB%D8%A7%D9%81%D9%8A%D9%85%D8%B3%D8%A3%D9%84%D8%A9%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85
  27. كتب حيدر إبراهيم علي أبجد, accessed August 21, 2025, https://www.abjjad.com/author/2796258907/%D8%AD%D9%8A%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%8A/books
  28. د. حيدر إبراهيم علي Al Bayan, accessed August 21, 2025, https://www.albayan.ae/author/2129
  29. العلمانية قضايا أساسية مركز الدراسات السودانية, accessed August 21, 2025, https://sscsudan.org/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9
  30. محاور مع حيدر إبراهيم علي: تجربة الإسلام السياسي في السودان YouTube, accessed August 21, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=7rnGGONR1so
  31. الباحث السوداني حيدر إبراهيم ضيف حديث العرب YouTube, accessed August 21, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=KbtiFDO2pLs
  32. الكاتب/ة : حيدر ابراهيم علي السفير العربي, accessed August 21, 2025, https://assafirarabi.com/ar/author/author171/
  33. أزمنة الريح والقلق والحرية) مذكرات دكتور حيدر إبراهيم علي الحلقة الثانية الوراق YouTube, accessed August 21, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=F8JXNK8LqFs
  34. في سؤال العقل في الفكر السوداني(13) .حيدر ابراهيم علي سودان للجميع Sudan For All, accessed August 21, 2025, https://www.sudanforall.org/forum/viewtopic.php?t=8040
  35. حوار مع د.حيدر إبراهيم: سرق الإسلاميون المستقبل وقاموا بتأميم الشعب السوداني, accessed August 21, 2025, https://sscsudan.org/%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1%D9%85%D8%B9%D8%AF%D8%AD%D9%8A%D8%AF%D8%B1%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85%D8%B3%D8%B1%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%88%D9%86%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%82%D8%A7%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D8%A3%D9%85%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A
  36. عفواً .. دكتور/ حيدر إبراهيم إنها قضايا حقيقية و مصيرية .. و ليست مُجرَّد شعارات, accessed August 21, 2025, https://splmn.net/%D8%B9%D9%81%D9%88%D8%A7%D9%8B%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D8%AF%D8%B1%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85%D8%A5%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.