المساعي الأميركية لوقف حرب السودان تصطدم بتعنت الجيش و”الدعم
لم تثمر المساعي الأميركية المتواصلة لإيقاف حرب السودان عن نتائج ملموسة، حتى الآن، في ظلّ اصطدامها بمواقف متعنتة من طرفي الحرب. وكان الاهتمام الأميركي بوقف الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع قد بدأ بعد أسابيع قليلة من اندلاعها في 15 إبريل/نيسان 2023، إثر توسط واشنطن مع الرياض في مفاوضات بمدينة جدة السعودية توصلت إلى وثيقتين. الوثيقة الأولى هي إعلان جدة لحماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، والوثيقة الثانية خاصة بإجراءات لبناء الثقة والاتفاق على هدنة قصيرة لم تصمد ساعات.
بعد ذلك، تعثر عدد من جولات التفاوض حتى نهاية العام الماضي. وفي منتصف العام الحالي، دعت الولايات المتحدة إلى منبر مستقل في سويسرا لجمع الجيش و”الدعم” هناك، بغرض التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، بيد أن الجيش قاطع المفاوضات التي انطلقت في 14 أغسطس/آب الماضي، لاشتراطه تنفيذ اتفاق جدة واعتراضه على مشاركة الإمارات مراقباً للمفاوضات، متهماً إياها بتسليح قوات الدعم السريع وتقديم كل أشكال الدعم لها.
مساعٍ أميركية لوقف حرب السودان
لم ييأس الجانب الأميركي رغم انشغالاته بملفات إقليمية ودولية، مثل الحرب في غزة ولبنان وأوكرانيا، وواصل تواصله مع الأطراف الإقليمية الفاعلة لتحريك الجمود في الملف السوداني، خصوصاً الجانب المصري. وجاءت آخر تجليات الاهتمام الأميركي نهاية الأسبوع الماضي، حين ألقى الرئيس الأميركي جو بايدن خطاباً نادراً حول حرب السودان، تحدث فيه عما يعانيه الشعب السوداني منذ 17 شهراً، وانبثاق واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، بنزوح حوالي عشرة ملايين شخص، وتعرض النساء والفتيات لعمليات الخطف والاعتداء الجنسي، وانتشار المجاعة في دارفور وتهديدها الملايين في سائر أنحاء البلاد. وحث بايدن قوات الدعم السريع على وقف هجومها “الذي يؤذي المدنيين السودانيين بشكل غير متناسب”، كما حث الجيش على “الكف عن قصفه العشوائي الذي يدمر حياة المدنيين والبنية التحتية المدنية”. وأكد أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب الشعب السوداني، وتعمل على الضغط من أجل السلام والسعي إلى محاسبة الجهات الفاعلة التي تحاول إدامة العنف، متعهداً بعدم تخلي الولايات المتحدة عن التزامها تجاه الشعب السوداني الذي يستحق الحرية والسلام والعدالة.
حسن عبد الحميد: الخطوات الأميركية مستعجلة وتريد تحقيق شيء إيجابي في السودان
وجاء خطاب بايدن متزامناً مع تصاعد العمليات العسكرية، خصوصاً في مدينة الفاشر غربي البلاد، مع تواصل أعنف المعارك بين الجيش وحلفائه من الحركات المسلحة من جهة، و”الدعم السريع” من جهة أخرى، فضلاً عن استمرار معارك في محور الفاو، شرقي السودان. وتواصل القصف المدفعي المتبادل بين الطرفين في العاصمة الخرطوم، وفي ذات الوقت نفسه، ازدادت الشكاوى من انتهاكات قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة، وسط السودان، ما عقد الأوضاع الإنسانية للسودانيين. ودفع ذلك الولايات المتحدة، بعد خطاب بايدن مباشرة، لتوجيه دعوة من أجل عقد اجتماع وزاري رفيع المستوى على هامش الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي يبدأ زعماء العالم الإدلاء بتصريحاتهم فيها غداً الثلاثاء، لدعم الاستجابة الإنسانية في السودان، وذلك لتقييم التحديات، وتحديد السبل للمضي قدماً بشكل جماعي، واتخاذ إجراءات عالمية متضافرة لمعالجة عواقب الأزمة الإنسانية، وزيادة الدعم لجهود الاستجابة الجارية، في ظل انعدام الأمن الغذائي لنحو 26 مليون شخص.
وجد الاهتمام الأميركي الأخير، لا سيما خطاب بايدن، ترحيباً على مستوى قيادة طرفي القتال، إذ أصدر قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان بياناً خاصاً رداً على خطاب بايدن، أكد فيه أن الحكومة السودانية ستظل منفتحة أمام كافة الجهود البناءة الرامية إلى إنهاء حرب السودان المدمرة، والتعهد بالعمل مع جميع الشركاء الدوليين سعياً للتوصل إلى حل سلمي يخفف من معاناة الشعب، ويضع السودان على الطريق نحو الأمن والاستقرار وسيادة القانون والتداول الديمقراطي للسلطة. كما عبّر البرهان عن تطلعه إلى تعميق تلك المناقشات مع المسؤولين الأميركيين خلال مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، مشيراً إلى أن هدفهم ليس مجرد إنهاء العنف، بل القيام بذلك بطريقة تضع الأساس لسلام مستدام، يعزز الوحدة والمصالحة على المدى الطويل بين جميع السودانيين.
من جهته، نشر قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو بياناً مماثلاً، رحب فيه بالاهتمام الدولي بالملف السوداني، وتعهد بمضاعفة جهود “الدعم السريع” للانخراط في السلام، مؤكداً أنهم سيذهبون إلى أي مكان في العالم بحثاً عن السلام. ذلك الترحيب والتفاعل لم يحرك أي ساكن في دائرة الحرب، وظل الجمود السياسي هو سيد الموقف، وتنادي أطراف سودانية الولايات المتحدة بمضاعفة الجهد واتخاذ خطوات كل حسب منظوره. وقال شهاب إبراهيم، المتحدث الرسمي باسم تحالف قوى الحرية والتغيير، لـ”العربي الجديد”، إن الدور الأميركي لوقف حرب السودان ما زال محدوداً، ولم يكن بأي حال من الأحوال بمثل دورها عقب انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، الذي أطاح الحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك. وأوضح إبراهيم أن “الولايات المتحدة مطلوب منها أولاً ممارسة أكبر عملية ضغط لإنهاء تأثير النظام القديم (نظام الرئيس المعزول عمر البشير) على قرار قيادة الجيش السوداني التي ترفض الجلوس للتفاوض لإنهاء الحرب”، مبيناً أن “ذلك التأثير يظهر بشكل كامل عبر وزارة الخارجية المسيطر عليها من قبل النظام القديم”.
ونبه إبراهيم إلى أن “النظام البائد لديه تجربة طويلة مع العقوبات الأميركية وكيفية التعاطي معها، ونجح حتى الآن في التأثير على قرار ذهاب الجيش إلى جنيف، ما أدى إلى فشل المحادثات، وكذلك أفشل محادثات كان يفترض أن تجرى في القاهرة”. وأكد إبراهيم أن “جهود واشنطن وغيرها من المساعي الإقليمية والدولية لن يكتب لها النجاح ما لم يتحقق ذلك الهدف بعزل قيادة الجيش عن الحركة الإسلامية”. ورداً على سؤال حول ضعف الضغط الأميركي على دول متورطة في تغذية الحرب، ذكر شهاب إبراهيم أن “الولايات المتحدة وكل المجتمع الدولي مطلوب منه مضاعفة الجهود، والأهم من ذلك هو جلوس القوى المدنية حول طاولة مستديرة تضم كل الأطراف التي لها مصلحة في إنهاء حرب السودان وإنجاز التحول الديمقراطي”.
واشنطن وتجاوز اتفاق جدة
لكن حسن عبد الحميد، المتحدث باسم التيار الإسلامي العريض، وهو تحالف لمجموعة من الأحزاب ذات التوجهات الدينية من بينها الحركة الإسلامية بقيادة علي كرتي وزير الخارجية في نظام البشير، قال إن واحداً من أهم أسباب فشل الاهتمام الأميركي بوقف الحرب هو رغبة واشنطن تجاوز اتفاق جدة، وعدم جديتها في الضغط على “مليشيا الدعم السريع” لتنفيذ الاتفاق الذي ينص على خروج “الدعم” من كافة الأعيان المدنية بما فيها منازل المواطنين. وأشار إلى أن واشنطن تريد خلق منابر جديدة مثل ما حدث في جنيف. وقال عبد الحميد، لـ”العربي الجديد”، إن “الخطوات الأميركية مستعجلة وتريد تحقيق شيء إيجابي في السودان وغزة ليكون رصيداً لمرشحة الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأميركية (كامالا هاريس)، ومن أجل ذلك، يتجاوزون قراءة الواقع الحالي”.
ونفى عبد الحميد أن “يكون للإسلاميين أي تأثير في قرار الجيش، الذي يعمل فقط لتحقيق إرادة الشعب الرافضة أيَّ وجود للدعم السريع في المستقبل، ولا يعمل بإرادة الحركة الإسلامية”، مبدياً خشيته من “مضي الإدارة المدنية لإعادة الحياة لقوات الدعم السريع التي لا مكان لها في مستقبل السودان لأنها ارتكبت مجازر عديدة وعليها دفع الثمن”. وتوقع أن “تصدر الولايات المتحدة مزيداً من العقوبات في حق السودان، وهي عقوبات لن يكون لها تأثير إلا على الشعب السوداني”، مؤكداً أن الحكومة قد تجد نفسها مضطرة للتوجه شرقاً للتحالف مع روسيا والصين، بعد أن يئست لسنوات من المعسكر الغربي”.
من جهته، رأى المحلل السياسي الفاتح عثمان محمد أنّ “أميركا تستطيع وقف حرب السودان عبر الضغط على أطراف داعمة لقوات الدعم السريع”. وأضاف محمد، لـ”العربي الجديد”، أن “نجاح أميركا في إنهاء الحرب رهن بمدى نجاحها في الضغط على الأطراف الدولية وحمل الدعم السريع على تنفيذ اتفاقية جدة، والقبول بحل قواته وجمعها في معسكرات، وإلزام البرهان بخطة انتقال السلطة إلى حكومة منتخبة وفق إجراءات تتوافق عليها كافة القوى السياسية السودانية بعد إنهاء حرب السودان، وإن لم يحدث ذلك، فسيكون صعباً تصور قبول القوى السياسية بخطة أخرى لا تتضح فيها الرؤية حول عملية الانتقال السياسي لحكومة مدنية منتخبة”.
العربي الجديد
المصدر: صحيفة الراكوبة