اخبار السودان

المدنيين بين انتهاكات المُتمردين وأخطاء المسؤولين والمختصين (١)

د. محمد أحمد محجوب عثمان

 

سنتين من المعاناة المُستمرة والانتهاكات المتزايدة والمُتكررة والمُتعددة يعيشها السودانيين طيلة فترة الحرب الجارية الآن والتي بدأت فصولها منذ منصف أبريل من العام 2023م، انتهاكات تجاوزت حدود التشريعات والأعراف الدولية والوطنية والقيم والأخلاق الدينية والمجتمعية والإنسانية والتي ترفضها الفطرة السليمة.

حرب بغيضة، غريبة في أطوارها ووسائلها وآلياتها، لم تكن بين طرفين متقاتلين كما في الحروب التقليدية والحديثة، بل كانت ضد المواطن الأعزل في نفسه وجسده وعرضه وماله وحريته، عكست وسائل الإعلام وتقارير المنظمات والمدونون والصحفيون وشهود العيان بعض تفاصيلها وغاب غالبها بسبب كثرتها أو محو آثارها قبل الوصول اليها.

في تقديري أن الخوض في سيرة ومسيرة الحرب وأضرارها وانتهاكاتها وتجاوزاتها واجب على أهل الاختصاص، كلٌ في مجال تخصصه، لذا رأيت الكتابة في جزئية أرى أنها من الأهمية بمكان، ذلك أن في تناولها بالطريقة الحالية اهداراً كبيراً لحق المدنيين كما فيه تبرئة وتقنيين لتصرفات منتهك الحق ومرتكب جرائم تُعد من الجرائم الأكثر خطورة أثناء النزاعات المُسلحة.

درجت أجهزة الدولة والإعلام الرسمية على إطلاق لفظ ومصطلح أسير حرب على كل من يقع في قبضة التمرد، وبكل أسف يشارك في هذا الإخوة القانونيين من العاملين في أجهزة انفاذ القانون وغيرهم بالإضافة للمحللين والخبراء الاستراتيجيين، لذا سأتناول من خلال هذا المقال وبشيء من الاختصار غير المٌخل، واضعاً في الاعتبار ارتباط موضوع المقال بكل أطياف المجتمع واختلاف تخصصاتهم:

• وصف الحرب الحالية وعلاقتها بالقانون الدولي الإنساني.

• من هم أسرى الحرب؟

• هل يُعد المدنيون الذين يقعوا في قبضة العدو أسرى؟

• أهم القواعد والمبادئ المرتبطة بحماية الأسرى.

• أهم القواعد والمبادئ المُرتبطة بحماية المدنيين.

 

وصف الحرب الحالية وعلاقتها بالقانون الدولي الإنساني:

للقانون الدولي الإنساني تعريفات متعددة، يكفي أن نشير هنا إلى أنه مجموعة من القواعد القانونية والعرفية والمبادئ التي تحكم وتضبط النزاعات المسلحة وتحد من آثارها الضارة بحماية المتأثرين منها وتقييد وسائل وطرق القتال.

النزاعات المسلحة على نوعين أولهما النزاع المسلح الدولي بين دولتين أو أكثر، ونزاع مسلح داخليوهو ما يعنينايقع داخل إقليم دولة بين قواتها المُسلحة ومجموعة مُنشقة عنها أو جماعات اُخرى مُسلحة، وحتى يُعد الأمر نزاعاً مُسلحاً داخلياً وبالتالي يدخل تحت دائرة القانون الدولي الإنساني يجب توفر الشروط الآتية:

1. حمل السلاح بشكل ظاهر.

2. وجود تسلسل إداري وتنظيمي.

3. القدرة على القتال لفترة طويلة.

4. الاستيلاء على رقعة جغرافية.

إذا أسقطنا الشروط الأربعة على الحرب الدائرة نجدها قد تحققت مجتمعة، مما يعني أن الحرب نزاع مسلح يجب أن يتقيد فيه طرفي النزاع بقواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني، والاحتكام لاتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949م وبالأخص المادة الثالثة المُشتركة والبرتوكول الإضافي الثاني لعام 1979م والخاص بحماية ضحايا النزاعات المُسلحة غير الدولية.

*من هم أسرى الحرب*

أسرى الحرب هم : مجموعة من الأشخاص يقعون في قبضة العدو، وقد حصرتهم اتفاقية الثالثة المُتعلقة بأسرى الحرب في الفئات الآتية:

 

1. أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، والمليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءاً من هذه القوات المسلحة.

2. أفراد المليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة، الذين ينتمون إلي أحد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم، حتى لو كان هذا الإقليم محتلاً، على أن تتوفر الشروط التالية في هذه المليشيات أو الوحدات المُتطوعة:

أ. أن يقودها شخص مسؤول عن مرؤوسيه.

ب. أن تكون لها شارة مميزة محددة يمكن تمييزها من بعد.

ج. أن تحمل الأسلحة جهراً.

د. أن تلتزم في عملياتها بقوانين الحرب وعاداتها.

3. أفراد القوات المسلحة النظامية الذين يعلنون ولاءهم لحكومة أو سلطة لا تعترف بها الدولة الحاجزة.

4. الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا في الواقع جزءاً منها، كالأشخاص المدنيين الموجودين ضمن أطقم الطائرات الحربية، والمراسلين الحربيين، ومُتعهدي التموين، وأفراد وحدات العمال أو الخدمات المُختصة بالترفيه عن العسكريين، شريطة أن يكون لديهم تصريح من القوات المسلحة التي يرافقونها.

5. أفراد الأطقم الملاحية، بمن فيهم القادة والملاحون ومساعدوهم في السفن التجارية وأطقم الطائرات المدنية التابعة لأطراف النزاع، الذين لا ينتفعون بمعاملة أفضل بمقتضى أي أحكام أخري من القانون الدولي.

6. سكان الأراضي غير المحتلة الذين يحملون السلاح من تلقاء أنفسهم عند اقتراب العدو لمقاومة القوات الغازية دون أن يتوفر لهم الوقت لتشكيل وحدات مسلحة نظامية، شريطة أن يحملوا السلاح جهراً وأن يراعوا قوانين الحرب وعاداتها.

يُلاحظ أن الاتفاقية قد حددت الأسرى بأنهم مجموعة من الأشخاص الذين يُشاركون في العمليات العدائية كمقاتلين أو مساندين أو مرافقين لهم.

*هل يُعد المدنيون الذين يقعوا في قبضة العدو أسرى؟*

من خلال تعريف أسرى وفئاتهم نجد أن المدنيين لا يُدوا أسرى حتى ولو وقعوا في قبضة العدو واُودعوا في معتقلاته، وبالتالي لا يتمتعون بوصف الأسير ولا تنطبق عليهم اتفاقية جنيف الثالثة المُتعلقة بأسرى الجرب ولا يتمتعون بالحماية المُقررة للأسرى، إلا في حالات مُحددة ومُقيدة، هي:

• الأفراد التابعين للوحدات المُتطوعة (ما يُعرف الآن بالمستنفرين) شريطة أن تكون لها قيادة معروفة وأن يكون لهم زياً أو شارة تميزهم وأن يحملوا السلاح بشكلٍ ظاهرٍ وأن يلتزموا بقوانين وقواعد ومبادئ وأعراف الحرب.

• المرافقون للقوات المسلحة دون أن يكونوا جزءاً منها مثل مسؤولي التموين والمراسلين الحربيين ورجال الدين والتوجيه المعنوي والترفيه شريطة حمل بطاقات هوية أو تصريح من القوات المسلحة.

• أطقم الملاحة الجوية والبحرية العاملين في الطائرات والسفن التجارية والذين يقومون بأعمال لصالح القوات المسلحة.

وهنا تثور مجموعة تساؤلات، ماذا يُعتبر المدنيين إذا وقعوا في قبضة العدو، سيما في حال النزاع الداخلي؟ وما الحماية المقررة لهم؟، أمنت اتفاقيات جنيف على حماية المدنيين، تناولت المادة الثالثة المُشتركة قواعد خاصة بالنزاعات المسلحة شملت المدنيين والأشخاص العاجزين عن القتال، حيث حظرت على طرفي النزاع القيام بأيٍ من الأعمال الآتية:

1. الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصةً القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب.

2. أخذ الرهائن.

3. الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة.

4. إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً. وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.

ولضمان تحقيق ذلك أمنت المادة على أنه (يجوز لهيئة إنسانية غير متحيزة، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن تعرض خدماتها على أطراف النزاع، وعلى أطراف النزاع أن تعمل فوق ذلك، عن طريق اتفاقات خاصة، على تنفيذ كل الأحكام الأخرى من هذه الاتفاقية أو بعضها).

ما جرى ويجري في هذه الحرب فإن التمرد قد درج على قبض المدنيين وطلب مبالغ مالية في أحيان كثيرة من أجل إطلاق سراحهم مما يدخلهم تحت دائرة وصف الرهائن، كما أن اتفاقية جنيف الربعة المُتعلقة بحماية المدنيين أثناء النزاعات قد حظرت اعتقال المدنيين أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية.

مما يتقدم يتضح لنا أن المدنيين الذين يقعون في قبضة أطراف النزاع إما أن يكونوا مُعتقلين أو محتجزين أو رهائن ولا يوصفوا بوصف الأسير إلا إذا تحولت صفتهم إلى مقاتلين وفق الشروط المبينة أعلاه وسبب ذلك أن التفرقة بين المقاتلين وغيرهم من أهم المبادئ التي يقوم ويرتكز عليها القانون الدولي الإنساني، وعلى أطراف النزاع أن يتذكروا دائماً أن المدنيين يتمتعوا بحماية القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان في جميع أوقات وظروف النزاع المسلح وعليهم تجنيبهم آثار الحرب المباشرة وغير المباشرة.

*أهم القواعد والمبدئ المُرتبطة بحماية الأسرى:*

وردت حماية الأسرى في القانون الدولي الإنساني لأول مرة في اتفاقية جنيف لعام 1929م والتي حلّ محلها اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب لسنة 1949م والتي يُطلق عليها مجازاً اتفاقية جنيف الثالثة.

جاءت الاتفاقية في (143) مادة وزعت على أبواب وفصول وأقسام واُلحق بها خمسة ملاحق.

تناولت الاتفاقية العديد من الأحكام المتعلقة بالأسر والأسرى وحقوقهم وواجباتهم والتزامات الدول الأطراف ودور اللجنة الدولية للصليب الأحمر ودور الدول الحامية وبداية الأسر واعتقال الأسير وشروط الاعتقال ونقل الأسرى والرعاية الطبية لهم ومهام ممثلي الاسرى ومكاتب الاستعلام الخاصة بهم ونهاية الأسر واعادتهم لبلدانهم الأصلية أو ايواءهم في دول محايدة وحقوقهم المالية والذهنية وغيرها، ويلاحظ أن أحكام الاتفاقية تتعلق بالأسير المقاتل بالتركيز على النزاعات المسلحة الدولية.

 

 

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *