المدنيون في الخرطوم.. معاناة بين طيران الجيش ومدفعية الدعم السريع
يواجه المدنيون في العاصمة السودانية الخرطوم، مخاطر متجددة ومعاناة مستمرة جراء عمليات القصف الجوي العشوائي للجيش ومدفعية الدعم السريع المضادة التي خلفت الكثير من الخسائر البشرية والمادية.
التغيير الخرطوم: سارة تاج السر
«أثناء تناولنا طعام الغداء، دوى انفجار هائل ثم تحول كل شئ إلى أنقاض، هناك ركام غرفة نومي، وهنا بقايا جدارن الصالون، ماذا حل بالسقف، واين اختفت دورة المياه؟، يا للهول أين مطبخي التركي الذي تم تركيبه قبل 48 ساعة من اندلاع الحرب؟».
حاولت الخمسينية «أميرة عبد الله» وهي تغالب دموعها، أن تصف لنا ما حل بمنزلهم متعدد الطوابق بحي أبو روف الأمدرماني قبالة شارع النيل، جراء قذيفة مدفعية «دانة» سقطت عليه قبل اسبوعين، لتحيل أغلبه إلى تراب ورمال وخرسان.
لقد تعمّقت معاناة المدنيين بالعاصمة السودانية الخرطوم، بعد دخول الاقتتال بين قوات الجيش والدعم السريع شهره الرابع، فمع الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم تأثرت المرافق الصحية والمدارس والدور الحكومية بشكل بالغ، جراء القصف الجوي للجيش والمدفعية المضادة من الدعم السريع.
تمسك بالبقاء
وقصة أميرة، هي واحدة من آلاف القصص التي تجسد معاناة المدنيين الذي علقوا تحت ظلال الحرب في الخرطوم، عل بيوتهم تكون لهم حصناً وأماناً، لكن آلة الحرب حولت الأمان إلى ركام.
قالت أميرة لـ«التغيير»: «قرابة الأربع سنوات أنفقت كل ما أملك في تشييد منزلي، كل جنيه من حقي في الميراث، لم أبخل عليه أبداً، لذلك عند اندلاع الحرب رفضت مغادرته وفضلت البقاء ومواجهة قوات الدعم السريع، التي لم تخيب ظني وبدأ أفراد منها في التردد على منزلي، كل يوم بحجة جديدة رغم علمي بنواياهم المستترة».
التهديدات، الإرهاب، تحطيم بعض المقتنيات، وغيرها، لم تغير موقف أميرة، التي كانت تبكي محاولة استدرار عطف عناصر تلك القوات كلما طلبوا منها المغادرة.
نهاية غير متوقعة
النهاية التي لم تكن تتوقعها صاحبة المنزل، هي دماره بواسطة القصف المتبادل، بين الجيش والدعم السريع، إذ كانت جل هواجسها احتلاله من القوات المسيطرة على المنطقة.
قالت أميرة: «انهار جزء كبير جداً من الغرف»، وأخذت دور المتفرج مع الاخرين.
وأشارت إلى تضرر السقف بشكل واضح، واختفاء دورة المياه في حفرة عمقها أكثر من نصف متر، وأبدت تحسرها على المطبخ التركي الذي تم تركيبه قبل يومين من اندلاع الاقتتال.
لم يعد قابلاً للسكن
أضافت أميرة: «باختصار لم يعد منزلي قابلاً للسكن.. حصاد أربع سنوات، دمر في دقائق».
الدمار طال كذلك الدور الأول في منزل والدتها إلى جانب السيارات التي كانت تقف في الأسفل.
بعد انهيار منزلها انتقلت أميرة إلى شقة مفروشة في منطقة الثورة عبارة عن غرفتين ومطبخ وحمام، وقالت: «أنا إنسانة ميتة حقيقة، وأكثر تحسراً على ضياع نقودي، والآن مطاردة بالديون وانتظر عوض الله».
ضحايا القصف
وإن كان القصف الذي تعرّض له منزلا أميرة وأسرتها، تسبّب في خسائر مادية فقط دون إزهاق الأرواح فإنه دفن عشرات المدنيين تحت الأنقاض في مناطق أخرى بالعاصمة.
ووصف مصدر طبي فضل حجب هويته في حديثه لـ«التغيير»، ما يقوم به الطرفان من استهداف للممتلكات المدنية، بأنه يرقي إلى جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي.
وأشار إلى أن معظم الإصابات التي تصل المستشفيات جراء القصف، مميتة وبعضها يحتاج إلى تدخل جراحي، أو أطراف مبتورة، أو استخراج شظايا.
ووجه المصدر الطبي صوت لوم للجيش والدعم السريع اللذين ينفذان غارات جوية وقصف مدفعي مضاد، يستهدف المنازل السكنية، على غرار ما حدث الخميس الماضي في منطقة الخوجلاب بشمال بحري، حيث تسبّب في دفن أربعة مواطنين من أسرة واحدة، تحت الأنقاض.
وقبلها الغارة التي أودت بحياة عائلة بأكملها تتألف من ستة أفراد بمنزلهم في الشقيلاب جنوب الخرطوم، وهم رب الأسرة عصام أحمد وزوجته وأبنائه الأربعة، الى جانب القصف التي استهدف منطقة أمبدة وراح ضحيته «21» مدنياً، قبل أن يتبرأ كل طرف من مسؤولية قتلهم ويتهم الآخر.
انتقادات
وظل السودانيون، منذ بدء الحرب يستنكرون وينتقدون القصف العشوائي للطيران ضد أهداف مدنية، وكتب نزار الخوجلابي في تعليقه على حادثة الخميس: «الطيران يجسد أرقى أنواع الانضباط والدقة في إصابة الهدف ويستهدف مدنيين عزل أثناء تناولهم وجبة الإفطار بمنزلهم بالخوجلاب شمال بحري».
فيما علق ياسر سليمان، تحت عنوان #المسكوت قائلاً: «كل الذين خرجوا من الخرطوم وتركوا منازلهم يحدثونك عن القصف العشوائي من قبل الطيران الحربي التابع للجيش السوداني والراجمات والمدافع عن بعد، وليس خوفهم من الدعم السريع».
وتتجدد مخاوف المواطنين الذين لازالوا قرب مناطق الاشتباكات من القصف العشوائي للطيران الحربي ومدفعية الدعم السريع، بالرغم من أن الجيش وجه اتهامات للأخيرة بقصف المدنيين وتصوير العمليات على أنها من صنع الجيش، وبين هذا وذاك يظل المتضرر هو المواطن الأعزل الذي يعيش بين ناري الطرفين المتحاربين.
المصدر: صحيفة التغيير