حافظ يوسف حمودة

حافظ حمودة

 

 جاءت زيارة مدير المخابرات الإثيوبي إلى مدينة بورتسودان لتفتح باب التأويلات السياسية حول أبعادها ورسائلها في سياق إقليمي ، تسعى فيها الأطراف لإعادة تشكيل المشهد السوداني وفقًا لأجنداتها . الزيارة جاءت بعد عام من وساطة قادها رئيس الوزرا الاثيوبي آبي أحمد بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان ومحمد بن زايد ، وهي وساطة كشفت عن رغبة إثيوبية للعب دور من جديد في قلب ملفات الأمن الإقليمي بعد تراجع نفوذها في أعقاب النزاعات الداخلية وحالة التوتر مع السودان ومصر بسبب سد النهضة .

 

إثيوبيا ، تسعى إلى لعب دور الوسيط القادر على الوصول إلى صيغة توافقية تُرضي الأطراف وتمنحها نفوذًا في السودان ، لا سيما أن السودان يمثل بوابة استراتيجية لأي ترتيبات إقليمية تشمل القرن الأفريقي . من هذه الزاوية ، تبدو زيارة المسؤول الإثيوبي إلى بورتسودان محاولة لإحياء قنوات الوساطة خاصة مع دولة الإمارات التي تتعامل مع الملف السوداني بنَفَس استراتيجي حاسم ، وتضع شروطًا واضحة لأي دعم مستقبلي .

 

على رأس هذه الشروط الإماراتية يأتي إبعاد الإسلاميين عن المشهد السياسي بشكل كامل ، باعتبارهم تهديدًا لاستقرار النظام الإقليمي الذي تسعى أبوظبي لتكريسه ، وتحديدًا في ما يتعلق بمحاربة الحركات الإسلامية بمختلف تفرعاتها . الإمارات الداعمة الرئيسية لقوات الدعم السريع ، تنظر إلى أي تسوية لا تُقصي الإسلاميين على أنها ناقصة وغير قابلة للاستمرار ، وتضغط بقوة لجعل هذا الشرط أساسًا لأي اتفاق مقبل .

 

في المقابل ، يقف البرهان أمام معادلة شديدة التعقيد . فهو بحاجة إلى علاقاته مع الإمارات والسعودية للحصول على الدعم السياسي والاقتصادي ، لكنه في الوقت نفسه لا يريد الدخول في مواجهات داخلية مع الاسلاميين ، وهي كتلة لا تزال تمتلك نفوذًا حقيقيًا ودور تخريبي داخل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وبالتالي فإن قبوله الصريح بشرط إقصاء الإسلاميين قد يفجّر الوضع الداخلي ويقوّض تحكمه في موازين القوى داخل السلطة . لكنه أيضًا لا يستطيع تجاهل الضغط الإقليمي ، ما يضطره إلى السير في حقل ألغام بين محاولات التوازن والاحتواء .

 

أما مصر، فرغم توافقها المبدئي مع الطرح الإماراتي بشأن إبعاد الإسلاميين انسجامًا مع موقفها الثابت من جماعات الإسلام السياسي فإن أولويتها الكبرى تبقى في الحفاظ على بقاء المؤسسة العسكرية السودانية كمركز ثقل وحيد يمسك بزمام الحكم ، ما دام الجيش هو من يدير المرحلة الانتقالية ويضمن عدم انهيار الدولة ، ولذلك فإن أي تسوية تضعف المؤسسة العسكرية أو تمنح قوى مدنية أو شبه عسكرية نفوذًا أكبر ستكون موضع تحفظ شديد من القاهرة .

 

الولايات المتحدة والسعودية تميلان إلى خيار التهدئة وإعادة العملية السياسية ، واشنطن من جهتها تتفهم الحساسيات الإماراتية لكنها لا تبدو مستعدة لفرض سيناريو معين ، خاصة في ظل تركيزها على ملفات أخرى في الإقليم . أما الرياض ، فتمسك العصا من الوسط ، ولا تعارض الشروط الاماراتية وتحتفظ بعلاقات جيدة مع جميع الأطراف دون الدخول في تفاصيل الخريطة السياسية المقترحة .

 

في ظل هذا المشهد، يبدو أن زيارة مدير المخابرات الإثيوبي إلى بورتسودان تمثل محاولة جديدة لفتح نافذة حوار تقود إلى اتفاق إقليمي غير معلن ، يُراد له أن يحدد شكل السلطة في السودان ما بعد الحرب. لكن نجاح هذه المبادرة مرهون بعدة عوامل ، أبرزها مدى قدرة البرهان على تقديم تنازلات جوهرية دون أن يتعرض لإشكاليات داخلية ، ومدى استعداد القوى الإقليمية لتنسيق مواقفها بما يفضي إلى تسوية واقعية قابلة للتنفيذ.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.