حافظ يوسف حمودة

سودان ما بعد الحرب :

الأمن السيبراني أصبح خط الدفاع الأول لحماية الدول في القرن الحادي والعشرين . فالحروب بجانب انها تدور في ساحات القتال فإنها أيضًا تدور في الفضاء الرقمي حيث تتحرك المعلومات والأموال . في مرحلة ما بعد الحرب ، يحتاج السودان إلى مشروع وطني استراتيجي يؤمن فضاءه الرقمي ويضعه على خريطة الاقتصاد العالمي . لذلك علينا أن نخطط من الآن لإنشاء المركز الوطني للأمن السيبراني وتطوير الأنظمة الرقمية .

هذا المركز مؤسسة سيادية متخصصة تحقق هدفين متكاملين وهما حماية الأمن القومي الرقمي من أي تهديدات ، وتوليد دخل اقتصادي ضخم مستدام عبر خدمات سيبرانية متقدمة للشركات العالمية الكبرى .

للتوضيح ، تخيلوا أن المركز السوداني اكتشف ثغرة خطيرة في نظام حماية لإحدى الشركات التقنية العملاقة التي تقدم خدماتها لملايين المستخدمين حول العالم . هذه الثغرة ، إذا استغلها قراصنة ، قد تكلف الشركة مليارات الدولارات وتؤدي إلى انهيار أسعار أسهمها في البورصة كما حدث مع شركات كبرى مثل “ياهو” و”فيسبوك” بعد تسريبات البيانات . لكن عند تدخل المركز وإبلاغ الشركة بشكل احترافي ومسؤول ، ستسارع الشركة إلى شراء هذه المعلومة بمليارات الدولارات لحماية سمعتها ومنع الكارثة . مما تحقق الدولة دخلاً ضخماً ، ويحظى السودان بمكانة دولية كفاعل محترف في سوق الأمن السيبراني .

هذا النموذج هو ممارسة شائعة عالميًا تعرف بـ الإفصاح المسؤول ، حيث تدفع الشركات مبالغ طائلة مقابل اكتشاف الثغرات قبل أن يستغلها الآخرون . الفرق أن السودان ، عبر هذا المركز سيكون طرفًا منظمًا وقانونيًا في هذا السوق ، بدل أن يظل متفرجًا أو مكشوفًا أمام الهجمات .

ولأن طبيعة عمل المركز ترتبط مباشرة بقضايا حساسة تخص الأمن القومي ، فمن المنطقي أن يتبع لجهاز المخابرات العامة ، مع منحه استقلالية تشغيلية وتقنية تضمن مرونته وقدرته على الابتكار والبحث العلمي خاصة أن طبيعة عمل المركز تعتمد على ألاف الاختبارات والإختراقات اليومية الموجهة تجاه ( وضد ) الأنظمة الرقمية للشركات العملاقة واجهزة المخابرات الكبرى وهو أمر مشروع في عالم الاستخبارات . كما أن دعم الدولة السخي له أمر حيوي لضمان استمراره وتحقيق هدفين لا ينفصلان هما الأمن والدخل .

إضافة إلى ذلك ، يمكن للمركز أن يقود خطة وطنية لاستقطاب العقول السودانية المبدعة في مجالات الرياضيات والهندسة والبرمجة من داخل البلاد وخارجها ، ورعايتهم ضمن إطار وطني منظم . هؤلاء الشباب ، الذين يعمل بعضهم اليوم في أكبر شركات التقنية العالمية ، يمكن أن يصبحوا قوة دفع هائلة إذا ما وُفرت لهم البيئة الوطنية المناسبة والمغرية .

أمام السودان فرصة ذهبية بعد الحرب وحتى لا يبقى مكشوفا أمام الهجمات الرقمية ويبقى خارج المنافسة ، عليه أن يستثمر في بناء هذا المركز ليكون درعًا يحمي أمنه الرقمي وبوابة إلى اقتصاد المستقبل ، الخيار أمامنا الأمن السيبراني ضرورة وجودية وفرصة اقتصادية في آن واحد والمركز الوطني للأمن السيبراني وتطوير الأنظمة الرقمية هو الطريق لتحقيق ذلك ، بدلا من تمجيد الجهل والاستثمار فيه يا ……. والله المستعان .

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.