اخبار السودان

المتأسلمون في السودان بين الأمس واليوم لم يتغير شيئا…!!

المتأسلمون في السودان بين الأمس واليوم لم يتغير شيئا…!!

خالد أبو أحمد

عزيزي القارئ هذا المقال الذي بين يديك نُشر على نطاق واسع يوم الأحد ‏13 ديسمبر 2009‏م، بعنوان (المؤتمر الوطني.. تاريخ طويل من الكذب و نقض العهود)، وهو موجود الآن في الشبكة العنكبوتية، وفي كتابي (عباقرة الكذب) الصادر في اكتوبر 2011م، عندما نقرأ هذا المقال وما فيه من ملابسات لأحداث مرت في السابق، وأحداث تمر بنا حاليا يتأكد لنا جميعا أن القوم هم القوم لم يتغير فيهم شيئا بل العكس تماما تغيروا إلى الأسوأ من انحطاط إلى انحطاط.. إلى المقال:

حالة الاحتقان التي تعيشها البلاد جعلتني أخرج عن محيط الأوضاع التي أعيش فيها هنا في الخليج العربي، مفكراً ومتأملاً في الطريقة التي تفكر بها العقلية الحاكمة في البلاد متجاوزاً حالة الاستغراب إلى حالة لا استطيع التعبير عنها في هذه اللحظة، لكنني تساءلت في نفسي لماذا يشقى الشعب السوداني كل هذه الشقاوة ويتعذب كل هذا العذاب في ظل حكومة (إسلامية) وتوجه (إسلامي)..؟.

للإمام محمد الغزالي رأي يقول أن الناس تشقى من طريقين:

غلبة الأهواء، وشيوع المظالم…

وأي الأمرين وحده شر، فكيف إذا تظاهرا جميعاً على العالم كله في سواد مُضاعف..!.

إن العالم قبل نزول القرآن كان ينوء تحت هذين الثقلين معاً.. !!.

الجهل بالحقائق العليا وقيام سدود كثيفة تصد عن الصراط المستقيم.

وطغيان غرائز الاستعلاء والأثرة والظلم، والخضوع، مما جعل الألوف المؤلفة من الناس تقضي أعمارها في هذه الدنيا كما تقضيها قطعان الحيوان التى تُركب حينا ، وتُؤكل حينا آخر …!!.

أليس هذا هو حال الشعب السوداني..؟؟..ما قاله الامام الغزالي هو حقيقة ما نعاني منه في السودان حيث الطغيان والظلم والاستهتار بأرواح المواطنين، وأصبح الغالب الأعم من السودانيين في ذات حالة القطعان التي ذكرها الامام الغزالي.

مساء (الأربعاء 9 ديسمبر 2009) بثت قناة النيل الأزرق حلقة حوارية حول مظاهرة (الاثنين) التأريخية، أدار الحلقة الأخ الطاهر حسن التوم عضو المؤتمر الوطني وأحد كوادره الإعلامية، وضمت الحلقة كبار صحافيي الحزب الحاكم الزميل سيف الدين البشير رئيس تحرير صحيفة (سودان سيتيزن) وراشد عبد الرحيم مستشار التحرير لصحيفة (الرأي العام) والأستاذ والصحفي والمحلل السياسي المُتمكن محمد لطيف، ومن الطرف الآخر كان الزميل الكاتب الصحفي والمحلل أتيم سايمون والذي استطاع التفوق على ثلاثي الحزب الحاكم (سيف الدين البشير وراشد عبد الرحيم ومقدم البرنامج) من حيث الرد على التساؤلات بموضوعية وهدوء دون صراخ ودون تشنج، وكما أظهر تفوقاً في التطرق للأسباب التي أدت إلى انسداد الطريق أمام توافق الجميع في الوصول إلى تحوّل ديمقراطي يحُول دون انزلاق البلاد في حرب ضروس لا قدر الله ذلك، واتسمت مداخلاته بالمسؤولية والموضوعية، وكان واضحاً إلمامه بدقائق الأمور التي قد لا تبين بالنسبة للمواطن العادي.

هذا الحوار غير المتكافئ زاد من حالة تجاوز الاستغراب والدهشة التي ذكرتها آنفاً وقد أكد ثلاثي (المؤتمر الوطني) جميعاً من خلال مشاركتهم في هذه الجلسة الحوارية على الطريقة التي تفكر بها الثلة الحاكمة من خلال الصراخ ومقاطعة المتحدثين والاندفاع غير المؤسس على منطق تحديد هدف المشاركة في هذا الحوار، علاوة على حالة الغضب والهياج التي ارتسمت في مداخلاتهم التي كشفت للجميع أساليب الحكومة في تعاملها مع قضايا المواطنين ،الاستهتار والاستخفاف بعقول الناس خاصة في القضايا الملحة والمفصلية في تاريخ السودان.

الزميل الأستاذ محمد لطيف كعادته كان هادئاً واثقاً من كلامه عكس ثلاثي (المؤتمر الوطني)، إذ تساءل بذكاء شديد حول ما الذي جعل الحركة الشعبية تبتعد عن ميدان (التجمع الوطني الديمقراطي) عند التوقيع على اتفاقية السلام مع (المؤتمر الوطني) وقد كانت تمثل العمود الفقري في التجمع الوطني لكنها قبيل الاتفاقية في 2004م أبعدت نفسها عن هذا التجمع ودخلت في شراكة حقيقية مع (المؤتمر الوطني)، لكنها في 2009م رجعت مرة آخرى لحضن التجمع الوطني متمثلاً في ما عُرف بأحزاب (مؤتمر جوبا)..!.

مداخلة أفرزت عدداً من الإشارت الذكية التي تشير إلى أن (المؤتمر الوطني) برغم دهاقنته ومستشاريه وأباطرته ومراكز دراساته وإعلامه وإمكانياته الهائلة المادية واللوجستية والدبلوماسية والسياسية لم يستطع احتضان (الحركة الشعبية) واستيعابها بالشكل الذي يجعلها تقتنع بمصداقية برنامج السلام والعمل سويةً مع الحزب الحاكم لجعل الوحدة جاذبة حقيقة وليس مجازاً،وفشل الحزب الحاكم تماماً في جعل الحركة التي كانت (متمردة) تقف ضد كل ما يهدد وحدة السودان واقتصاده وثرواته، لكن العقلية الأمنية التي تسيطر على مقدرات البلاد لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب، وأن الاقلام المسمومة في الحزب لا يهمها ما يحدث للبلاد المهم أن تظل مصالحها الشخصية في مكانها ولا أحد يهددها، لهذا السبب وأسباب أخرى لم تجد الحركة الشعبية مفراً من أن ترجع للتجمع الوطني الديمقراطي في ثوبه الجديد (أحزاب مؤتمر جوبا) بعد أن سُدت أمامها كل الطرق مثلما سُدت أمام الحركات الدارفورية في الوصول لسلام مع النظام يجنب البلاد التقتيل والتشريد.

تاريخ طويل من نقض العهود..!.

واهم من يظن أن (الحركة الشعبية) وأحزاب المعارضة هم السبب فيما وصلت إليه البلاد من حالة غليان، لأن المنطق يقول أن سوابق الحزب الحاكم مع كل اتفاقيات السلام باءت بالفشل وتحضرني اتفاقية الخرطوم للسلام التي وقعتها الحكومة مع ثلاثي الحركة الشعبية آنذاك (د. رياك مشار أروك طون أروك كاربينو كوانين) المهم أن علاقتي الخاصة بالاخ د.مشار جعلتني في صورة أحداث الموقف العام من تنفيذ بنود الاتفاقية التي وقعها مع النظام آنذاك، وكانت علاقتي قد توطدت به قبل التوقيع على اتفاقية الخرطوم للسلام في 1997م عندما ذهبنا إليه في منطقة (بلقوق) شمال أعالي النيل مع وزير مالية أعالي النيل آنذاك هشام آدم مهدي والنقيب بالقيادة العامة آنذاك عصام عبدالله وشخصي الضعيف ومكثنا معه في بيته الخاص حوالي 48 ساعة بطلب من الفقيد أستاذنا وشيخنا مبارك قسم الله زايد عليه رحمه الله، واستمتعنا بالحديث مع د. مشار وقد تحدث لي شخصياً عن مسيرة حياته حتى دخوله جامعة الخرطوم والانضمام للحركة الشعبية لتحرير السودان، وعلاقته مع زعيمها الدكتور جون قرنق، كما حكى لي عن قصة موت زوجته البريطانية في أديس أبابا وعن الظروف النفسية الصعبة التي مر بها حيال رحيلها المُؤلم.

ومن تلك اللحظة أصبحت العلاقة بيننا قوية للغاية وكنت أزوره كثيراً في مقر إقامته بقصر الضيافة بشارع الجامعة، وبسبب هذه العلاقة كما ذكرت يضعني في الصورة، وفي إحدى المرات قال لي بأنه أخبر الرئيس عمر البشير بأن ما تم الاتفاق عليه في الاتفاقية لم يحدث فيه جديد..أي لم ينفذ أي من النقاط التي تم الاتفاق عليها، وذكر لي بأنه في كل شهر كان يكتب مذكرة للرئيس وكان يسلم منها نسخة للدكتور حسن الترابي، وأخرى للدكتور علي الحاج يُبين فيها بشكل واضح بأن اتفاقية الخرطوم للسلام لم يحدث فيها جديد وأن النقاط التي تم الاتفاق عليها (مكانك سر) ويذكرفيها بأنه مسؤول أمام قواعده الشعبية في منطقته بجنوب السودان.

أتذكر تماماً عندما كتب المذكرة رقم (12) قال لي بأنه سيغادر السودان بعد أيام قلائل لعدم جدوى تواجده في الخرطوم، وسلم حينها نُسخ عديدة من هذه المذكرة لأشخاص بارزين في الحركة (الاسلامية) ورئاسة الجمهورية، والحمدلله كل هؤلاء موجودون الآن، ويشهدون على ما ذكرت، وبالفعل سافر د. رياك مشار ولم تحرك الحكومة أنذاك أي ساكن وغادر مشار إلى الغابة مرة أخرى.

هذا يؤكد بأن المجموعة الحاكمة في البلاد لا توفي بالعهود ولا تحترم مواثيق، ولا ترعى أمانات والواقع الموجود حالياً يؤكد ما ذهبت إليه، عشرات من الاتفاقيات التي ضاعت الجهود فيها سدىً.. اتفاقية الخرطوم للسلام اتفاقية أبوجا اتفاقية فشودة اتفاقية سلام السودان 2004م، وفي هذا المنحى يُحمد كثيراً للحركة الشعبية وعيها وفكرها المتقدم كونها كانت حركة متمردة وتعاملت مع أحداث الإثنين بحكمة وضبطت أعصابها وأعصاب جماهيرها عقب اعتقال أمينها العام الاستاذ باقان أموم، ولا أتصور كيف يكون الحال لو أن الحركة عادت لوسائلها القديمة في حربها مع النظام، وفي الوقت الذي استخدمت فيه (الحكومة) اسلوب عفى عليه الزمن بدلاً عن النزول لطاولة الحوار والاعتراف بخطئها في تقدير الأمور وما يتصل بالمماطلة في إجازة القوانين صاحبة المشكلة.

تساؤلات الأستاذ محمد لطيف

إن التساؤلات غير المباشرة  للأستاذ محمد لطيف في الحلقة الحوارية بقناة (النيل الأزرق) في محلها تماماً.. بما يعني أن المؤتمر الوطني يعاني من مشاكل في داخله في فكره، وهياكله وطريقة تعامله مع قضايا الوطن وما يحدث داخل كواليسه، حتماً الحزب الحاكم يعاني من مشاكل بنيوية وفكرية وسياسية وقيادية معقدة، تجعله غير قادر على إدارة أمور البلاد، كما تجعله لا يميز بين الغث والسمين، وبين الأبيض والأسود، واستفهامات محمد لطيف تشير بوضوح شديد إلى أس المشكلة في السودان، فإذا كانت الحركة كشريك في الحكم تركت كل ما لديها من أفكار عدائية سابقة وأجندات، بل تركت تكتل الأحزاب متجاوزة كل مكاسب ذاتية، وبرغبة شديدة في تجاوز مخلفات الماضي، وصبرت على مؤامرات الشريك التي لا يختلف عليها المراقبون للأوضاع في البلاد.

حقيقة لم أستغرب هجوم ثلاثي (المؤتمر الوطني) على الزميل الأستاذ محمد لطيف كونه تساءل فقط ليس إلا..عن أسباب وصول القطيعة بين الشريكين إلى حد خروج الشارع بهذه القوة التي رأيناها على (اليوتيوب) وإشارته الخفية إلى مسؤولية حزب المؤتمر الوطني فيما وصلت إليه القطيعة بين الطرفين (الحزب الحاكم) و(الحركة الشعبية)، والذي يؤكد ذلك أن كل الاتفاقيات التي وقعها الحزب الحاكم مع الآخرين لم تحقق أهدافها، مثلاً اتفاقية أبوجا لم تحقق الأهداف والامنيات التي علقت عليها، وكذلك اتفاقية سلام الجنوب، واتفاقية الشرق لا زال فيها الكثير من الملفات العالقة والنظام الحاكم مع كل الأطراف يمارس المماطلة والتسويف، بل أحياناً الإستفزازات والتهديدات وتصل أحياناً أن يمارس الحزب الحاكم وقياداته مع الآخرين أساليب ليس لها أي علاقة بالاسلام، ولا برسول الاسلام ولا بالتقاليد البشرية المرعية في أدب الاختلاف.

الإخوة الثلاثة الذين شاركوا في الحلقة التلفزيونية بقناة النيل الأزرق في تلك الليلة تحدثوا بلسان الحزب الحاكم، ومثلت مشاركتهم عنوان كبير لمأساة راح ضحيتها الملايين من أبناء السودان وباعتبارهم أصحاب أقلام، وآراء تتأثر بها القيادات الحاكمة في البلاد وأرجو ألا يستغرب القارئ الكريم هذا الكلام فإن قاعدة الحكومة وحزبها تؤمن ايماناً شديداً بما يقوله كتابها ولذا نجد تأثير كتابات إسحق فضل الله والطيب مصطفى وعبدالرحمن الزومة على سلوك النظام والتشدُد في كل المواقف الداخلية منها والعالمية، وكان نتاج ذلك تصريحات رئيس النظام من شاكلة “فرنسا وامريكا تحت جزمتي” في ذات الوقت الذي يسافر فيه مستشاره د. مصطفى عثمان اسماعيل إلى أمريكا لتطبيع العلاقات، متناسياً أو جاهلاً بأن الشعب السوداني تختزن ذاكرته القريبة تصريحات رئيسه، بل يجهل هذا المستشار الذي يسافر في جولات مكوكية على حساب دمنا ولحمنا أن الولايات المتحدة الامريكية التي يتباحث معها بشأن تطبيع العلاقات ترصد كل إساءات نظامه التي قيلت في السر والعلن.

الشينة منكورة

إن عدم اعتراف (المؤتمر الوطني) بأخطائه أدى إلى وقوع كل الكوارث التي تعاني منها بلادنا الآن، واعتقد جازماً أن بنية النظام الفكرية والعقدية لا تتحمل أي ذكر للحقائق ولذا كانت قضية دارفور، ومن قبلها التجاوزات في الحرب على جنوب الوطن، والجرائم التي ارتكبها النظام في بورتسودان وفي كجبار وأمري من قتل للمدنيين العزل، فقط لأنهم تظاهروا مطالبين بحقوقهم التي كفلتها لهم كل الشرائع السماوية والدستورية البشرية، ومن باب أولى ألا يلتفتوا للتقاليد الأصيلة والمعروفة في السودان أن تقتل أشخاصاً عُزلا كما حدث في بورتسودان للمسيرة السلمية التي خرجت تحمل لافتات فقط لا غير لكنها جُوبهت بالرصاص الحي.

نعم (المؤتمر الوطني) يؤكد على أن الشينة منكورة لكنه يقابلها بعنف شديد غير مبرر مهما كانت الظروف التي تمر بها البلاد، فالجماعة الحاكمة في السودان لم تعتبر من كل التراث الاسلامي الذي كان بين يديها يوم أن كانت حركة دينية، كما لم يستفد من عبر الأنظمة التي اندثرت قريباً زمناً ومكاناً مثل النظام البعثي في العراق، حزب حاكم لا يمتلك أي مواهب ولا أي مقومات بقاء ..لا أخلاقية ولا وطنية ولا إنسانية، نظام حُكم لا يعرف حتى مصلحة نفسه وليس بعيداً عنا مشكلة الزميلة الصحافية لبنى حسين، بكل المقاييس دلت هذه الحادثة على أن الذين يحكمون البلاد ليس لهم أدنى روح تتحلى بالمسؤولية.

إن عقل (المؤتمر الوطني) دائماً في ثلاجة “اذا غضب غضب معه ألف سيف لايسألونه فيما غضب” كما شاهدنا في تلك الحلقة التلفزيونية، ونرجسيًا أكثر من المعقول فانظر كوارث العنف التي حدثت في الجنوب ودارفور وشرق السودان وحتى شمال البلاد في أمري وكجبار، تماماً كما كانت نرجسية عمر بن كلثوم:

ونشرب ان وردنا الماء صفواً      ويشـرب غيـرنـا كــدراً وطيـنـا

اذا بـلــغ الـفـطـام بـنــا صـبي      تـخـر لـــه الجـبـابـر ساجـديـنـا

و(المؤتمر الوطني) إذ يستخف بعقول الناس لا يدري أنه وصحافييهِ وجوقة إعلامه لا يعلمون أن هذا الشعب حصيف وقارئ من الدرجة الأولى، وإذا كانوا قد ضيقوا على الناس في معاشهم لكي يسكتوا ومن ثم يؤيدوا الحزب الحاكم مُكرهين فإن التعويل على مثل هؤلاء تعويل خاطئ، لأن العضوية المُكرهة في الحزب  التي تريد أن تعيش في مأمن من الجوع ومسغبة الحاجة لا تقدم شيئاً مُفيداً للحزب لا سياسياً ولا فكرياً ولا حتى في حركة الشارع العام، واعتقد أن مسيرة الحزب الحاكم عولت على العضوية (المُكرهة) غير المقتنعة بأهداف الحزب الذي أصلاً ليس له هدف غير الجلوس على كرسي السلطة، لأن أصحاب المهارات الإبداعية أصلاً لا تروقهم مجتمعات آكلي السحت والقتلة والمنافقين.

إن حركة الحزب الحاكم في الساحة من تصريحات وإساءات للآخرين وأكاذيب ومؤامرات عصية على النقد، والويل لمن ينتقد لأجل البناء ولو كان نقداً حريرياً لان جلد سادة وزعماء الحزب الحاكم وشيوخه أنعم من أن يلامسه النقد الجميل والهادئ الذي يريد خروج البلاد من الحالة التي فيها.

بقناعة شديدة أقول أن القوم في الحزب الحاكم الذين يقودهم شخص مثل نافع علي نافع من المستحيل أن يكونوا قد قرأوا مقولة المفكر مالك بن نبي في كتابه (شروط النهضة) “مارسوا النقد لأنفسكم سيتغيّر واقعكم”، وأعتقد أن واقع الحال يغني عن أسباب عدم استفادة الحزب الحاكم من التراث الاسلامي لأنه ببساطة لم يستفد من تجربة الرئيس الأسبق جعفر نميري، و صدام حسين في العراق، فهل تراه اعتبر من تاريخ الدولة العباسية والدولة الأموية..؟.

هيئة علماء السُلطان..!.

هذه الهيئة التي لم يفتح الله عليها بفتاوى عندما أراقت الحكومة دماء أهلنا في دارفور بالطائرات القاذفة للهب وعندما دمرت البيوت وأحرقت الزرع والضرع تخرج علينا اليوم وبلا حياء تتحدث عن (القرآن الكريم) وتورد آياته، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه الهيئة لم نسمع صوتها عندما قتلت قوات الأمن في بورتسودان مواطنين عزل كانوا في مسيرة سلمية مات فيها العشرات من المواطنين، هذه الهيئة قاتلها الله لم نعرف عنها شيئاً عندما ضربت قوات الأمن في منطقة أمري وكجبار المواطنين الذين هُجروا بالقوة القسرية ومات العشرات منهم.

هذه الهيئة برغم وجودها داخل كواليس ودهاليز الحزب الحاكم وتعرف كل التجاوزات المالية والإدارية إلا أنها لا تعتبر أن الاسلام يمنع أكل أموال الشعب بالباطل، بل إن أحد شيوخ الحزب الحاكم في إحدى الولايات قال أمام مجموعة من الناس “أن مال الحكومة نعتبره  فيء”.

هذه الهيئة تسد أذنيها بطين وعجين مما يدور في مكاتب ديوان الزكاة الإتحادي حول الأرقام المليارية التي دفعها الديوان لدعم (الطرق الصوفية ) كما قال أحد المسؤولين لمجموعة من الموظفين الغاضبين، لكن هيئة علماء السلطان تعتبر نفسها غير معنية إلا ببنطلون لبنى الحسين والتظاهرات السلمية للمعارضة وما شاكل ذلك خاصة في الأمور التي تخدم الحكومة، وهي بالتالي غير معنية بسرقات المال العام ولا تجاوزات البنوك المليارية ولا غيرها، لكنها تعرف تقرأ القرآن الكريم وتشتغل بمدارسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم..!!.

الغريب أن قادة الحزب الحاكم بعد كل المآسي التي ارتكبوها في البلاد والعباد لا زالوا يتحدثون على أنهم على حق وإن كل التيارات السياسية في السودان على باطل، تماماً مثل شخص قد حمل على جلده من الأوساخ أكواماً، يدخل مغطساً مليئاً بالماء ثم يخرج منه في الحال مُكتفياً بذلك، مدعياً أنه قد أصبح نظيفاً بتقريب الماء من بدنه رغم أنه لم يفقد من أوساخه شيئاً، حال طاغوت الشهوات في الحزب الحاكم فأصبحوا صُماً عُمياً بُكما لا يقدرون على رؤية الصور الحقيقية للأحداث، لذا كان من الطبيعي وبرغم الدماء العزيزة التي أريقت في مناطق كثيرة من البلاد إلا أن قادة الحزب الحاكم لا يرون أنهم فعلوا شيئاً يُغضب الناس عليهم..!!.

الإمام محمد الغزالي يقول:

إن تكليف القرآن أن يخلق من الطفولة العقلية رجولة ناضجة، أو من البله البيّن عبقرية نادرة شئ متعذر،هب رجلاً عملاقاً بادى الطول والعرض ذهب إلى خياط ماهر راق، ومعه ذراعان من القماش وقال له: فصّل لي من هاتين الذراعين ثوباً سابغاً.. !!.

ماذا عساه يصنع ذلك الخياط..؟.

هل المهارة مهما بلغت تستطيع أن تخلق من ثوب الصبي ثوباً لرجل بدين طويل.. ؟. إن القصر في الخصائص الفطرية والنقص في المواد الانسانية الأولى للتكوين الصحيح شئ يعز على العلاج،ونحن نُكلف الدين شططاً حين ننتظر من كتابه الكريم أن يصنع المستحيل، والمشكلة ليست فيما يصنعه الدين بذوى العاهات العقلية والروحية، وإنما المشكلة في حال الدين إذا حمله أولئك المُصابون التُعساء؟.

كيف يعرضونه مستقيماً هادياً وهو يخرج من أنفسهم كما يخرج الشعاع من زجاج محدب ملون، لا تكاد تبصر على ضوئه شيئا ؟؟.. إن الله عز وجل يقول لنبيه:

“وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون”.. الانعام.

فالطوائف التي لديها صلاحية طبيعية للعلم هى التى تتبيّن، أما التى تفقد هذه الصلاحية إبتداءً فهيهات أن تتبيّن، وهيهات أن يكون أصحابها مُرشدين ..!.

في بعض الموازين التى يستغلها الباعة قد تميل إحدى الكفتين عن الأخرى ميلاً عنيفاً لخلل في محور الارتكاز، يقتضى علاجه أن تضع ثقلاً كبيراً في الكفة الشائلة حتى تتساوى مع زميلتها، هذا العلاج المؤقت قد تتغلب به فترة ما على الخلل الواقع بيد أن ذلك لا يعطى الميزان صلاحية تقيم العدل وتمنع الغش.

ونحن في عالم الأفكار والمشاعر قد نستطيع التغلب على الخلل الذهنى عند نفر من التلامذة أو نفر من العوام أما أن نجعل من أصحاب هذا الخلل موازين للقيم الروحية والتوجيهات الدنيوية والأخروية فهذا معناه إشاعة الغش وفرض البخس على الناس !!!.

وهذا ما حدث في بلادنا بفعل (المؤتمر الوطني)

**

عزيزي القارئ

ألم أقل لك أن هؤلاء الشرذمة لم يتعلموا شيئا..؟، من تاريخ كتابة المقال في ديسمبر 2009م، وحتى الآن في خواتيم العام 2024م نرى أن الجماعة راحوا بعيدا في تجاوزاتهم وفي تعنتهم ومكابرتهم، أبدا لم يخطر على بالهم أن أكف الملايين من السودانيين البسطاء تدعوا عليهم صباحا ومساءا، بأن ينتقم الله منهم وأن يريهم في الناس يوما أسودا كيوم عاد وثمود، لا أخالهم يعتبروا ولا يتعلموا من تجاربهم لأن الله خَتَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ، فما عادوا يبصروا مواقع اقدامهم.

إن الله غالب على أمره لكن أكثر الناس لا يعلمون..

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *