في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ السودان، يحق بل يجب على المدنيين السودانيين، من المؤمنين بقيم الحرية والمدنية والديمقراطية والتقدّم، أن يتوحّدوا تحت مظلة قانونية واسعة وفاعلة.
هذه المظلة ستكون أداة للمطالبة أمام المنظمات والهيئات الدولية لحقوق الإنسان بمحاكمة قادة الحرب في الجيش وقوات الدعم السريع، وكذلك التنظيمات السياسية والعسكرية التي ساهمت في إشعال الصراع أو إطالة أمده.
الحرب التي نعيشها اليوم، بما خلّفته من أرقام صادمة في الخسائر البشرية، وما تسببت فيه من دمار للبنية التحتية، ونهب ممتلكات المواطنين وأموالهم، وتهجير الملايين من ديارهم، ليست مجرد أزمة عابرة. إنها جريمة مركّبة غير مسبوقة في تاريخ السودان، ويجب أن تتحوّل إلى ملف مفتوح أمام العدالة الدولية قبل أن تتحوّل آثارها إلى جرح دائم في جسد الوطن. من هنا تأتي الحاجة العاجلة لبناء “تجمّعات استرداد الحقوق المدنية”، كي تعبّر عن الضحايا بلا انفراد أو وصاية من حزب أو تنظيم بعينه.
هذه التجمّعات يمكن أن تضم الأحزاب والتحالفات ومنظمات المجتمع المدني، لكن دون أن تخضع لمصالحها أو خلافاتها. الفكرة هي خلق كيان شعبي جامع، يعلو على الانقسامات، ويتحد حول هدف واحد: إيقاف الحرب ومحاسبة المسؤولين عنها.
لقد ساعدت الانقسامات والاكتفاء بالصراخ الإعلامي على إطالة أمد المأساة، ومنحت أطراف الحرب، ومعهم شبكات الإسلام السياسي المسلحة، مساحة للاستمرار في جرائمهم دون توقف. وحدها المبادرة الشعبية الموحّدة، بصوت ضحاياها القوي، قادرة على تحريك الرأي العام العالمي وكسر حالة الجمود في المواقف الإقليمية والدولية، ودفع الحكومات والمنظمات لاتخاذ إجراءات عملية توقف النزيف وتعيد هيبة القانون. وفي قلب مطالب هذه المبادرة، يجب أن يكون إبعاد الدين عن الصراع، وكشف الدوافع الاقتصادية والسياسية الحقيقية لأطراف الحرب، بدل الاكتفاء بالشعارات واللافتات الدينية التي تُستخدم لتبرير العنف. فهذه الحرب أظهرت بوضوح غياب أي وازع ديني أو أخلاقي لدى قادتها، وكشفت هشاشة المجتمع المدني أمام السلاح والعنف المنظّم.
إن فشلنا في خلق وحدة عاجلة للضحايا المدنيين، داخل السودان وفي الشتات، يعني عمليًا الإقرار بانهيار الدولة وتفككها. ولهذا فإن أي مبادرة مثل تلك التي طرحها البروفيسور مهدي أمين التوم، الداعية لوضع السودان تحت حماية دولية مؤقتة تستحق النقاش الجاد، لأنها قد تتيح فرصة تاريخية لإعادة تأسيس الدولة على أسس جديدة للسلام والتنمية والأمن.
الوقت ليس في صالحنا. علينا اليوم، قبل الغد، أن نشكّل تجمعاتنا القانونية والشعبية، وأن نوجّه كل طاقتنا نحو إيقاف الحرب، وتقديم قادتها مدنيين وعسكريين إلى المحاكمة، وإعادة بناء وطننا على أسس العدالة والمواطنة
المصدر: صحيفة الراكوبة