
أطلقت السعودية والولايات المتحدة مبادرة دولية لإيقاف الحرب في السودان، وسط ترحيب واسع من الأطراف السودانية، في خطوة تؤكد تحولًا استراتيجيًا في النظرة الدولية للصراع..
التغيير: تقرير
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: “بدأنا العمل لحل الأزمة في السودان”، وذلك بعد طلب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في كلمات اعتُبرت فاتحة أمل لإنهاء الحرب في البلاد.
وقال د. عبد الناصر سلم، كبير الباحثين ومدير ملف شرق أفريقيا والسودان في مركز فوكس بالسويد، لـ”التغيير” إن المبادرة التي طرحها ولي العهد السعودي في واشنطن لا يمكن التعامل معها بوصفها مجرد خطوة دبلوماسية جديدة، بل تمثل انعكاسًا لمرحلة مختلفة تمامًا في فهم المجتمع الدولي والإقليمي لطبيعة الأزمة السودانية وللتهديدات التي باتت الحرب تفرضها على محيطها الجغرافي ومجمل توازنات المنطقة.
تحوّل السودان خلال الشهور الماضية من ساحة صراع داخلي إلى نقطة ارتكاز مهمة في خريطة الأمن الإقليمي للبحر الأحمر والقرن الأفريقي وحزام الساحل. ويُرجع المراقبون هذا التحول إلى ما دفع السعودية، بثقلها السياسي والاقتصادي والاستراتيجي، إلى رفع الملف إلى أعلى مستويات القيادة، وإقناع واشنطن بأن استمرار الحرب لم يعد احتمالًا يمكن تجاهله.
واشنطون والرياض: جوهر واحد
قال د. عبد الناصر سلم: “لأول مرة منذ اندلاع الحرب، تبدو الرياض وواشنطن متفقتين على جوهر واحد، وهو أن الأزمة السودانية خرجت من نطاق ‘الخلاف المحلي’ ودخلت مجال ‘الخطر الإقليمي والدولي’، وأن اتجاهات هذا الصراع بدأت تأخذ شكلًا يمكن أن يؤثر على أمن الملاحة، وهشاشة الدول المجاورة، وتوازن النفوذ بين القوى الكبرى. وبناءً على ذلك، فإن المبادرة ليست مجرد صياغة لوقف إطلاق نار أو دعوة إلى التفاوض، بل هي تعبير عن تحوّل استراتيجي في رؤية القوى الكبرى لطبيعة الحرب وضرورة إنهائها وفق بنية سياسية جديدة”.
قال الباحث السياسي محمد المهداوي لـ”التغيير” إن ما جاء في المؤتمر الصحفي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان وضع الأزمة السودانية في قلب الاهتمام الدولي بعد سنوات من الغياب خلال الحرب.
وأضاف المهداوي أن الإدارة الأمريكية تدرك أن ترك السودان في حالة حرب وفوضى قد يجعل البلاد مطمعًا لإيران والصين وروسيا أيضًا عبر بوابة البحر الأحمر.
وأشار إلى أن الرباعية الدولية ستكون حاضرة على عكس ما يعتقد كثيرون، مشيرًا إلى أن الدور الإماراتي والمصري قد يخلق توازنًا سياسيًا، بينما قد يتم تشكيل فريق يقود الحوار برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وشريكها الاقتصادي المملكة العربية السعودية لضمان نجاح المهمة.
وأضاف الباحث السياسي محمد المهداوي لـ”التغيير” أن التدخل الأمريكي لإيقاف الحرب في السودان، إن حدث، لن يكون بالضرورة كما يشتهي البعض، وقد يطول، مشيرًا إلى أن واشنطن لها مصالحها الخاصة ولم تقدم حتى الآن رؤية مكتوبة للحل، وربما تفرض حلولًا لا ترضي الطرفين.
وشدد المهداوي على أهمية رغبة الأطراف السودانية في إنجاح الحوار، مبينًا أن الجيش مطالب بنفض يده من الإسلاميين، بينما يجب أن يمتلك الدعم السريع قراره بعيدًا عن الأطراف الخارجية.
وأكد المهداوي أن التعويل على الحسم العسكري للمعركة أمر شبه مستحيل، مضيفًا: “لا بد من تقديم تنازلات من الطرفين لإيقاف نزيف الدماء، بغض النظر عمن بدأ الحرب أو الطرف الذي ارتكب جرائم كبيرة، إذ يمكن معالجة هذه الموضوعات في الاتفاقية”.
ويرى د. عبد الناصر سلم، كبير الباحثين ومدير ملف شرق أفريقيا والسودان في مركز فوكس بالسويد، أن الترحيب السوداني الواسع بالمبادرة السعودية الأمريكية جاء في سياق التحول الدولي الأخير.
وقال لـ”التغيير” إن القوى السودانية جميعها تدرك أن السعودية تمثل القوة الإقليمية الوحيدة القادرة اليوم على جمع الأطراف وضمان وجود مظلة سياسية مقبولة للجميع، ولذلك لم يكن غريبًا أن يسارع الجميع إلى الترحيب بالمبادرة، وإن لأسباب مختلفة.
وأوضح أن الجيش، باعتباره المؤسسة النظامية التي تتحمل عبء الدولة وحماية وحدتها وكيانها، تعامل مع المبادرة بوصفها فرصة لتقليل معاناة المواطنين، بينما تعاملت الأطراف الأخرى، وخصوصًا قوات الدعم السريع، من منظور مختلف؛ فهي تبحث عن مساحة جديدة للمناورة السياسية، وعن مدخل يعيد تقديم نفسها للمجتمع الدولي في لحظة بدأت فيها أدوار بعض الدول المتحالفة معها تتراجع، وبدأ المناخ الدولي ينظر بقلق متزايد إلى حجم الانتهاكات التي رافقت تمددها الميداني.
وأضاف سلم أن الترحيب من قبل هذه الأطراف يبدو جزءًا من محاولة للظهور بمظهر المنفتح على الجهود الدولية، دون أن يتضح بعد ما إذا كانت هذه المرونة التكتيكية ستترجم إلى استعداد فعلي للقبول بتسويات عملية.
فرصة بعد شهور من التهميش
وأشار سلم إلى أن القوى المدنية رأت في المبادرة فرصة لاستعادة موقعها داخل العملية السياسية بعد شهور من التهميش الذي فرضته موازين القوة على الأرض، مؤكّدًا أنها تدرك أن المسار السعوديالأمريكي يمكن أن يعيد ترتيب المشهد بطريقة مختلفة، وأن وجود راعٍ دولي قوي قد يجبر الأطراف المسلحة على قبول معادلة سياسية تمنح المدنيين وزنًا أكبر. لكنه أضاف أن هذه القوى ما تزال مقيدة بضعف حضورها على الأرض وبافتقارها للأدوات التي تتيح لها التأثير المباشر في مسار الحرب.
وأكد سلم أن هذا التغيير، رغم أهميته، لا يعني أن السلام على الأبواب، لكنه يشير إلى أن جميع الأطراف باتت تتعامل مع المبادرة السعودية الأمريكية بوصفها المسار الأكثر جدية، مشيرًا إلى أن المبادرة لم تتحول بعد إلى وثيقة مكتوبة، ولم تُحسم فيها تفاصيل مثل إعادة الانتشار، مستقبل القوات، هيكلة المرحلة الانتقالية، أو الضمانات الأمنية.
المصدر: صحيفة التغيير
