صباح محمد الحسن

طيف أول:

ما كان الفرق بين الصوت والغصّة سوى أطراف مبتورة فمن يعتنق هاجس التوهّم ترعبه الحقيقة!!

وليس في الأمر عجب أن تتبنّى وزارة الصحة حملة الدفاع عن السلطات السودانية فيما يتعلق بقضية الاتهام الدولي لقيادة الجيش باستخدام مواد كيميائية في الحرب، وفي تقرير قالت فيه: “خلصت البيانات الواردة من الجهات الوطنية المختصّة إلى عدم وجود أدلة علمية تدعم هذه الادعاءات، بوجود تلوث إشعاعي بسبب استخدام الأسلحة الكيميائية، حيث أظهرت القياسات والتقارير الرسمية أن الوضع العام لا يشكّل تهديدًا على الصحة العامة.”

وتقول الوزارة إن خلفية التقرير جاءت في أعقاب حملات إعلامية تحدّثت عن “عدم صلاحية العاصمة للحياة” نتيجة مزاعم تتعلق بالتلوث الإشعاعي، واستخدام الأسلحة الكيميائية، والتدهور البيئي.

وقد تم رصد الوضع الصحي في العاصمة عبر أنظمة الترصد الوطنية، ووفقًا لقياسات إشعاعية باستخدام أجهزة معتمدة من الهيئة الدولية للطاقة الذرية، جاءت النتائج لتؤكد أنه لم يتم تسجيل أي ارتفاع في مستويات الإشعاع أو تحريك للمصادر المشعة، ولم يتم العثور على مخلفات أو ذخائر غير اعتيادية مرتبطة بمواد كيميائية.

كما أن أجهزة الكشف الميداني لم تُظهر أي مؤشرات لوجود غازات سامة أو مواد كيميائية، ولم تسجّل أنظمة التقصّي المرضي بلاغات بوفاة جماعية أو أعراض متشابهة تشير إلى تسمّم كيميائي،وتقارير الطب العدلي لم توثّق أسباب وفاة غريبة أو غير واضحة مرتبطة بمواد كيميائية، لذلك يؤكّد المجلس الاستشاري للطب العدلي عدم رصد أي حالات وفاة تحمل العلامات المميزة لاستخدام الأسلحة الكيميائية (مثل الزرقة الشديدة، الزبد الرغوي، القيء الدموي، التشنّجات الشديدة، الشلل المفاجئ، الموت الجماعي المفاجئ).

ومعظم الشكاوى الصحية للمواطنين تنحصر في الإسهال، والصداع، والحمّى، وزيادة حالات الوفاة، والتي تُعزى إلى ضعف الخدمات الصحية نتيجة الحرب وانتشار الأمراض الوبائية (الكوليرا، الملاريا، حمى الضنك). كما أن هناك شكاوى من أمراض الجهاز التنفسي والإنفلونزا الموسمية تُعزى إلى الحرائق وانبعاثات الكربون).

ولكن قبل تقرير الصحة، كشف المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية، بلسان الدكتورة منى علي محمد، الأمين العام للمجلس عن تعرّض ولاية الخرطوم لتلوث كيميائي، لكنها عزت ذلك إلى ضرب قوات الدعم السريع للمناطق الصناعية، مشيرة إلى ضرورة تضافر الجهود لإيجاد الحلول لهذه المشكلة.

وأضافت أن التلوث بالمواد الكيميائية أمر شائع بسبب وجود هذه المواد في كثير من المنتجات بدرجات متفاوتة، وهي قابلة للتسبب في التلوث، ما يتطلب التوعية المكثفة على المستوى القومي والولائي والمحلي، وعلى مستوى الأفراد.

وتطرّقت د. منى في حديثها لـ(سونا) إلى البروتوكولات الدولية المتعلقة بالتعامل مع هذه المواد الخطرة، مشيرة إلى أن السودان جزء من هذه الاتفاقيات والبروتوكولات.

وهنا تظهر التناقضات في بيان وزارة الصحة النافية للأمر ووجوده، وتصريحات الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة التي اثبتته، ففي الوقت الذي أكّدت فيه وزارة البيئة تعرّض الخرطوم لتلوث كيميائي وقالت إن الدعم السريع هي من تسبّبت فيه، نفته وزارة الصحة

والملاحظ أن وزارة الصحة قالت إنها قامت ببحثها بسبب الحملات الإعلامية التي تحدّثت عن “عدم صلاحية العاصمة للحياة” نتيجة مزاعم تتعلق بالتلوث الإشعاعي. وهنا تؤكّد الوزارة أن كل ما يهمّها هو دحض ما تناولته أجهزة الإعلام، والذي يضرّ بسمعة الحكومة.

فبما أنها الوزارة المعنية بصحة المواطن، كان الأولى أن تقول إن تقريرها جاء حرصًا على صحة وسلامة المواطن، لكنها كشفت حالة تبنٍّ واضحة لردّة فعل الحكومة تجاه ما يلاحقها من اتهامات!

ومن قبل، إن كانت الحكومة فعلاً لم تستخدم الكيماوي، فلماذا أرهقت نفسها بالبحث والإثبات؟ ثانيًا، لماذا تشكّل الحكومة لجانًا وطنية ولا تسمح بدخول بعثة تقصّي الحقائق الدولية كجهة محايدة؟!

فإن كانت حقًا لم تستخدم الكيماوي، فلماذا لا تفتح أبوابها مشرعة أمام المحققين الدوليين، فما الذي تخشاه!!

كما أن تضارب التصريحات بين الجهات الحكومية، وتنظيم حملات النفي، وتحدّث غير المختصّين في الأمر عبر الأجهزة الإعلامية، يثبت أن السلطات الانقلابية لا تمتلك الثقة الكافية في نفسها فيما يتعلق باستخدام مواد كيميائية.

حتى الأطباء الذين يتحدّثون عن عدم استخدام الجيش للسلاح المميت، وقالوا إنهم لم يتلقّوا حالات بأعراض المرض، فإفاداتهم ضعيفة وغير كافية؛ فربما هناك حالات وفيات لم تصل إلى المستشفيات والأطباء، هذا إن لم نقل إن ثمة تقارير تم طمسها.

فبالرغم من أن المجلس الأعلى للبيئة أكّده، وأنكرته الصحة، وتبنّت جهات غير مختصّة نفيه، ما زال الكيماوي الطوق الذي يلفّ عنق الحكومة.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.