الكيزان وتحطيم السودان
هلال وظلال
عبد المنعم هلال
منذ وصول الحركة الإسلامية إلى السلطة في السودان عبر انقلاب 30 يونيو 1989م وحتى اندلاع الحرب الحالية مرت البلاد بسنوات من التدهور والأزمات المتراكمة التي أسهمت في رسم ملامح واقع شديد التعقيد إذ كانت السياسات التي انتهجها الكيزان السبب الرئيسي وراء العديد من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أنهكت السودان وأضعفته وجعلته أكثر عرضة للانفجارات الداخلية والصراعات المسلحة التي نشهدها اليوم.
كانت السنوات التي حكم فيها الكيزان بحجج وشعارات إسلامية محورية في تقويض أسس الاستقرار في السودان فبدلاً من بناء دولة قوية عادلة أصبح السودان رهينة الفساد والمحسوبية واقتصرت مكاسب التنمية على من هم في دوائر النفوذ بينما ظل المواطن السوداني العادي يعاني تحت وطأة الفقر والبطالة وتردي الخدمات من هنا تراكمت مشاعر الغضب والإحباط التي كانت بحاجة فقط إلى شرارة لتفجر سلسلة من الأزمات المتتابعة.
في بداية انقلاب الانقاذ تم فصل الآلاف من العاملين ضمن سياسة التمكين التي اتبعها الكيزان وكانت بمثابة ضربة قاضية للتماسك الاجتماعي والسياسي في السودان وهذه السياسة عملت على تهميش الكفاءات الوطنية وأحلت الولاءات محل الجدارة مما جعل المؤسسات الحكومية وقطاعات الدولة خاضعة لسلطة الأشخاص المقربين للنظام هذا المناخ من الفساد ساهم في انعدام العدالة الاجتماعية وعمق الفوارق الطبقية وجعل السودان عاجزاً عن استعادة توازنه الاقتصادي والاجتماعي مما مهد لصراعات كان من الصعب إخمادها.
أدت سياسة التهميش والإقصاء التي اتبعها الكيزان إلى تأجيج النزاعات في مختلف الأقاليم فقد شهد السودان في عهدهم اندلاع حرب دارفور التي كانت نتيجة طبيعية لسياسات الإهمال المتعمد والتهميش التي انتهجها النظام وما خلفته من انعدام للثقة بين الدولة والأقاليم ومن دارفور إلى جنوب السودان إلى كردفان والنيل الأزرق أصبحت الصراعات هي السمة الغالبة والتي تغذيها علاقات متوترة وعدم استقرار دائم بين المكونات السودانية ما أدى في النهاية إلى انفصال الجنوب.
كان انفصال جنوب السودان عام 2011م نتيجة واضحة لتبعات السياسات التي مارسها الكيزان لعقود إذ شعر مواطنو الجنوب بأنهم لا ينتمون لنظام لا يوفر لهم فرص المشاركة أو العدالة وأدى الانفصال إلى فقدان السودان جزءاً كبيراً من موارده الطبيعية خاصة البترول وأثر سلباً على اقتصاده المتدهور أصلاً مما أدخله في دوامة جديدة من الأزمات التي لم يستطع حتى الآن أن يخرج منها.
ومع سقوط نظام الكيزان عام 2019م ظن السودانيون أنهم تخلصوا من حقبة مظلمة ولكن تركة الكيزان الثقيلة ظلت كامنة ومع تراكم التوترات السياسية والصراع على السلطة برزت الانقسامات داخل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وهو ما أدى إلى انفجار الصراع الحالي الذي اندلع في أبريل 2023م هذه الحرب التي تأججت في ظل ضعف البنية السياسية والاقتصادية خلفها إرث الكيزان في تهميش الكفاءات وتغذية الصراعات القبلية والمناطقية.
اليوم يعيش السودان في حالة من الفوضى والدمار التي لا تميز بين شماله وجنوبه شرقه وغربه فهذه الحرب دمرت البنية التحتية وأحدثت نزوحاً كبيراً للسكان والمجتمع السوداني يعاني من انقسامات حادة تغذيها مصالح متضاربة ودعم خارجي يزيد من تعقيد الأزمة.
في خضم هذه الحرب بات من الواضح أن السودان يحتاج إلى استعادة قوته من خلال بناء دولة مؤسسات حقيقية تضع مصلحة الشعب فوق مصالح الأفراد والجماعات.
أصبحت الحرب الحالية مثالاً حياً للدمار الذي خلفته سياسات الكيزان والتي لا تزال تبعاتها تدمر السودان ولكن الأمل يكمن في قدرة السودانيين على تجاوز هذه الأزمة عبر بالعمل على تعزيز الوحدة الوطنية بعيداً عن التبعية والمصالح الشخصية ومن هنا يظهر أن الطريق إلى السلام والاستقرار لن يكون سهلاً لكنه يبدأ من الاعتراف بأن تركة الكيزان كانت حجر العثرة الأكبر وأن تجاوزها يتطلب إرادة سياسية وشعبية تضع السودان وشعبه في مقدمة الأولويات.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة