الكيزان … حينما يتفوّق البشر على الشيطان في الفساد والضلال

حسن عبد الرضي الشيخ
في عالمٍ نعرف فيه أن الشيطان هو عدو الإنسان الأول، وأن إبليس نفسه أقسم أن يُغوي بني آدم أجمعين، يخيّل إلينا أن بعض البشر قد تجاوزوه حتى في دروب الفساد والكيد والضلال. إنهم “الكيزان” ــ تيار الإخوان المسلمين في السودان ــ الذين فاقت ممارساتهم حدود التصوّر، حتى لكأن إبليس ذاته يقف حائرًا أمام هذا الكم من الكذب والتضليل، والعبث بالدين، وسوء الخلق، وانعدام الضمير.
فالشيطان، على عداوته، لم يأسس بيوت الأشباح، ولم ينهب قوت الفقراء، ولم يزوّر انتخابات، أو يسفك دماء الأبرياء باسم الشريعة. لم يُنشئ جهازًا أمنيًا يعذّب الناس في الأقبية، ولا خطب في الناس نفاقًا، ولا أقام مساجد ترفع فيها شعارات الإيمان لتكون منابر للفتنة والشتات. كل ذلك فعله الكيزان وحدهم، بل وتمادوا فيه حتى فاقت خطاياهم ما يُحتمل، وبلغوا في الفجور مبلغًا يخجل منه إبليس نفسه.
قال الأستاذ محمود محمد طه قولًا بليغًا : “كلما أسأت الظن بهذه الجماعة، تجد أن سوء ظنك في محله”، وفي رواية أخرى نُسبت إليه: “كلما أسأت الظن فيهم، تجد أنك قد أحسنت فيهم الظن لأنهم يفوقون سوء الظن العريض”. واليوم، لم يعد في الظن مساحة يمكن أن تحتمل حقيقة ما ارتكبوه من آثام في حق هذا الوطن ودينه وشعبه.
لقد أدمنوا نقض العهود، وجعلوا من الدين وسيلة للثراء والتمكين، واستغلوا سذاجة البسطاء في ترويج شعارات جوفاء عن الإسلام والشريعة، وهم أول من ذبح مقاصدها وسحق عدالتها. في عهدهم سُجن الأبرياء، وعُذّب الشرفاء، وطُورد العلماء، وتحولت البلاد إلى معتقلٍ كبير تحت مسمّى “الإصلاح”، أي إصلاح هذا الذي يبدأ بالكذب وينتهي بالخيانة؟ .
الشعب السوداني، الذي عرف نور التوحيد منذ مملكة كوش، واحتفى بالإسلام منذ وطأت دعوته ضفاف النيل، لا يستحق أن يُبتلى بجماعة تتاجر بالدين الإسلامي السمح، وتستبيح الأرض والعرض باسم الدين. أليس من المعيب أن يكون أشد الناس صدًا عن سبيل الله هم من يرفعون رايته كذبًا؟ الكيزان لم يكتفوا بإبعاد الناس عن طريق الخير، بل شوّهوا هذا الطريق وأغلقوه في وجوه الباحثين عن الحق.
وفي الختام، ليس أسوأ من جرائم الكيزان، إلا من يحاول تبريرها أو التواطؤ معها تحت شعارات المصالحة أو التسامح الزائف. هؤلاء لم يكونوا يومًا دعاة دين، بل تجار دين، سماسرة آخرة، وباعة وهمٍ في سوق الكذب. لقد أفسدوا السياسة، ودمّروا الاقتصاد، وأفسدوا أخلاق الناس، ولن يُشفى جرح الوطن إلا بفكرٍ صارم لا يساوم في الحق، ولا يرحم من تاجر بالدين، ولا يصالح من استحلّ دماء الناس باسم الله.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة