احمد بطران عبد القادر
اعتقد ان حرب ١٥ ابريل العبثية والتي يراها البعض انها حرب كرامة او حرب لجلب الديمقراطية هي في حقيقتها تعبر عن نزعة اجرامية لفئات غير مفوضة شعبيا للجنوح نحو الاستيلاء علي السلطة باستخدام القوة و لغة العنف وما وقع فيها من جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية غير مسبوقة واسعة النطاق غريبة عن الشعب السوداني وثقافته وقيمه الاخلاقية المركوزة في موروثه الحضاري حتي في لحظات استخدام العنف والقتال حيث القيم والأخلاق والمبادئ والاعراف التي يتمتع بها الشعب السوداني تمنع القادة والجنود والمسؤولين من تعذيب الأسير او اغتصاب الحرائر والاعتداء علي الجار وازلال الشيوخ وقهر النساء والأطفال بيد ان الجيوش المنظمة تعرف قواعد الاشتباك القانونية المتفق عليها دوليا وتراعي حرمة المدنيين وضرورة حمايتهم وصيانة كرامتهم في ظروف الحروب والكوارث ولعل كل ذلك في حرب ١٥ ابريل بالسودان مفقود فقهر الإنسان وازلاله اضحي غاية لدي طرفي القتال خصوصا المليشيات التي لا تتورع في القتل لاتف الأسباب وكأنهما يستمدان منها القوة والقدرة علي مزيد من البطش والتنكيل بموت الضمير الإنساني الذي يحتفل بقتل الخصم وبقر بطنه او ذبحه بعدما يصبح اعزل عن السلاح وقد سيطر علي النفوس حالة من عدم الاحساس باي مسؤلية اتجاه الضحايا وكأنهم مجرد ارقام و سلالم عبر قهرهم يتم الصعود الي منصات النصر الزائف بيد ان جيوش الأعداء الغزاة التي تفعل الافاعيل بالمجتمعات المستعمرة لا تصل الي هذا الدرك السحيق من الانحطاط الاخلاقي والحط من قدر و قيمة الإنسان.
و الجماهير التي تذوقت أصناف من العذاب والقهر والازلال من هؤلاء التتاريين تحركت رغم الجراح تبحث عن السلام باسكات صوت البنادق الي الأبد في بلاد لم تعرف العنف في تاريخها القديم تعايشت شعوبها سلميا وتمازجت وتزاوجت وتلاقحت افكارها الثرة وثقافاتها المتنوعة و اليوم توافقت شعوبها علي رؤية للتغيير تخلصها من الاستبداد المصنوع بتحالف السلطة والمال والخضوع للرئسمالية المتوحشة وهي تنشط منخرطة في حراكها المكثف و الهادف الي إيقاف الحرب علي اسس سليمة وتعزيز تقافة الديمقراطية وترسيخ قيمها في المجتمعات برزت مشاريع التسوية السياسية الي السطح من قوى سياسية طبقية ذات مصلحة في إيقاف عجلة التغيير وقد عبرت عن ذلك برؤي مختلفة في ظاهرها لكنها متوافقة في حقيقتها علي الا انها في مجملها مغايرة لرغبة الجماهير في تثبيت دعائم أركان الحكم المدني الديمقراطي القائم علي تحقيق العدل ونصرة المظلومين والقصاص لهم ولكل ضحايا الحروب.
ولئن وضعت حرب ١٥ ابريل السودان اليوم أمام مفترق طرق حيث يبحث الشعب عبر قواه الحية ومنظمات مجتمعه المدني والسياسي عن مخرج للخروج من دائرة الحرب والقتال ومعالجة الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد وفجرت الحرب من جذورها في ظل هذه الظروف البالغة التعقيد يطرح بعض السياسيين الذين استسهلوا الدماء وكل الانتهاكات التي وقعت فكرة التسوية السياسية مع أطراف الحرب والانقلاب وحتي عناصر النظام البائد صاحب المصلحة الحقيقية في هذه الحرب ولكن هذا الطرح يثير الكثير من التساؤلات والمخاوف لان بعض من القوي المدنية التي تطرح نفسها كممثلة للشعب وحريصة علي مصالحه تسعي لإعادة إنتاج الازمة بقبول طرفي القتال في مشهد ما بعد الحرب وتتغافل مباديء المحاسبة وتحقيق العدالة ولعمري هذا الغباء بحد ذاته فكيف نقبل بإعادة إنتاج القتلة والفاسدين في السلطة؟ و كيف تتجاهل هذه النخب المحسوبة علي أنها من قوى الثورة والتغيير تضحيات الشعب السوداني الكبيرة العظيمة التي قدمها شبابنا من أجل تحقيق التغيير والعدالة و التي قدمنا فيها فلذات اكبادنا وعصارة فكرنا وخلاصة جهدنا؟
ارى ان اي تسوية لا تحقق مباديء وأهداف ثورة ديسمبر المجيدة مرفوضة وغبر مرحب بها وسيقاومها شعبنا بكافة الوسائل وفي مقدمتها ضرورة محاسبة طرفي الحرب وعودة الجيش للثكنات وحل المليشيات واستعادة الانتقال للحكم المدني الديمقراطي ثم حوكمت الدولة السودانية مدنيا وعسكريا علي اسس العدل والحرية والمواطنة المتساوية الحقوق وهذا يشكل في مجمله الأساس السليم
لإقامة نظام سياسي نزيه وعادل وشفاف.
وعليه يجب أن تقوم العملية الانتقالية على أسس سليمة وهي:
اولا: المحاسبة يجب محاسبة كل المسؤولين عن تفجر الحرب وتأزيم الصراع وممارسة العنف والفساد وضمان عدم الإفلات من العقاب بتشكيل فرق تحقيقات دولية ولجان وطنية مستقلة وشفافة تعمل على كشف الحقائق وتقديم المتورطين إلى العدالة المحلية والدولية
ثانيا : العدالة الانتقالية يجب انفاذ مشروع العدالة الانتقالية على أسس واضحة وشفافة لانصاف الضحايا والمظلومين بإنشاء آليات للعدالة الانتقالية فاعلة ومفوضة مثل لجان الحقيقة والمصالحة التي تعمل على كشف الحقائق وتعويض الضحايا تعويضا يجبر ضررهم ويرضي بعض من طموحهم في حياة آمنة مستقرة.
ثالثا : القطيعة مع أطراف الحرب ومناصري الاستبداد كما ذكرنا ان طرفي الحرب قد ارتكبا جرائم غير مسبوقة في حق المدنيين السودانيين الذين تعرضوا للنزوح والتهجير القسري واللجوء وفقدوا الكثير من أسباب الحياة الكريمة وهذا الأمر يوجب القطيعة الكاملة مع أطراف الحرب والانقلاب ورفض أي محاولة لإعادة دمجهم في العملية السياسية و اتخاذ إجراءات قانونية وسياسية واضحة ضدهم لضمان عدم عودة هؤلاء المجرمين الي السلطة خصوصا من انتهجوا العنف وسيلة للوصول للسلطة واجهاض مشروع التغيير المنشود والادعاء الكاذب أنهم انما يريدون مصلحة الشعب الذي اهدروا كرامته ومصلحة الوطن الذي اضاعوا هيبته ومزقوا نسيجه الاجتماعي وهددوا بقائه ووجوده موحدا.
رابعا : إقامة نظام سياسي ديمقراطي على أسس ديمقراطية سليمة تصون الحرية والحقوق للمواطنين علي قدم المساواة وتزيل الفوارق الطبقية وصولا الي مجتمع الكفاية بإقامة دولة الرعاية لا دولة الجباية ومن ثم تحقيق الرفاهية للشعب بالتنمية المتوازنة في كل اقاليم البلاد وربط التنمية بقيم الديمقراطية وترسيخ ثقافة السلام وصولا للتعافي الوطني بتمكين الجماهير من حقوقها وممارسة نشاطها السياسي والثقافي والاجتماعي بحرية تامة في الحركة والتنظيم والتعبير واختيار ممثليها عبر الانتخابات النزيهة الشفافة ذات المصداقية الحقيقية فلا لتزوير إرادة الشعبِ مجددا.
نصر علي المسير في مشروع التغيير بين الدماء والدموع ونعلم اننا في رحلة كفاح مرير من اجل استشراف مستقبل مشرق لبلادنا ونعلم ان هنالك كثير من التحديات والمخاطر التي تواجه عملية الانتقال المدني الديمقراطي واننا سنتخطاها بصبر وثبات علي المباديء و بالوسائل السلمية المجربة فقد جسدت حرب ١٥ ابريل العبثية أرضية خصبة لاستخدام العنف وتبني خطاب الكراهية واحدثت انقسام حاد في النسيج الاجتماعي للمجتمع السوداني وللتخلص من هذا الواقع الشائه لابد من اتخاذ إجراءات قانونية وسياسية واضحة لضمان استقرار البلاد ويأتي في مقدمتها محاربة خطاب الكراهية ومنظومات الفساد والمحسوبية بتفكيك بنية الاستبداد والتمكين الاقتصادي والسياسي وطرد عناصر النظام البائد من مفاصل السلطة ومن النقابات المهنية والاجسام المطلبية ولجان الخدمات الا من يثبت عدم تورطه في الحرب او ازلال الشعب وعدم مقاومته لمشروع التغيير.
إن التجربة الماثلة امامنا التي تخطت كل المحاذير تؤكد لنا بما لا يدع مجالا للشك ان التنازلات عن الحقوق الأساسية المخالفة للدستور لا تقود للسلام والاستقرار انما تغري اللئام بمزيد من التجاوزات والانتهاكات والتهجم علي حقوق الغير وعليه نؤكد رفضنا لاي تسوية سياسية لا تقود لانتقال مدني ديمقراطي حقيقي يؤسس لمرحلة جديدة منتجة ومثمرة في دروب التغيير المنشود فالطريق لإقامة نظام سياسي نزيه وعادل وشفاف في السودان هو رفض طرفي القتال في مشهد ما بعد الحرب و محاسبتهم تحقيقا لشعار الثورة الخالد الجيش للثكنات وحل المليشيات
ولئن اردنا إيقاف الحرب علي اسس عادلة و انجاز مشروع التغيير فإنه يتوجب علينا جميعا كقوي سياسية ومجتمعية مدنية العمل المشترك بروح الفريق الواحد وفق رؤية واضحة تعبر عن أهداف ومبادئ ثورة ديسمبر المجيدة وتعبر عن رغبة أكيدة في إيقاف الحرب واحلال السلام العادل وهذا يتطلب رصد ورفض التدخلات الخارجية الداعمة لاستمرار القتال بتغذية الطراع بالمال والسلاح وحث المجتمع الدولي لاتخاذ موقف واضح ضد داعمي الحرب في السودان وان يعمل عبر منظماته وآلياته المختلفة علي دعم جهود الحل السلمي للازمة بتشجيع الحوار السوداني السوداني (كما ابتدرته جمهورية مصر العربية نرى دعمه من الامم المتحدة وتشجيعه فمصر الأقرب لوجدان السودانيين) لياتي الحل بإرادة سودانية تتوافق عليها قوي الثورة والتغيير لتأسيس سلطة مدنية ديمقرطية واعتماد جيش وطني مهني موحد ينأي عن ممارسة السياسة يقوم بمهامه في حماية الوطن والدستور.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة