القوى المدنية السودانية أي رؤية للتعامل مع الإدارة الأمريكية؟
زهير عثمان حمد
في ظل الأزمة السودانية الحالية ، تبدو القوى المدنية أمام تحدٍ رئيسي يتعلق بعلاقتها بالإدارة الأمريكية ، التي تملك العديد من الأدوات للتأثير على مجريات الصراع.
فبينما تُعتبر الولايات المتحدة لاعبًا رئيسيًا في المشهد الدولي ، تظل التساؤلات قائمة حول جدوى وأفق تعامل القوى المدنية السودانية معها ، ومدى قدرة هذه القوى على تشكيل حليف سياسي موثوق في ظل الحسابات الجيوسياسية التي تحكم السياسة الأمريكية في المنطقة.
أولًا : أدوات الإدارة الأمريكية في الضغط على المتحاربين
تمتلك الإدارة الأمريكية عدة أدوات تمكنها من فرض حلول أو التأثير على أطراف النزاع السوداني ، أبرزها
الضغوط الدبلوماسية : عبر وزارة الخارجية والتنسيق مع الحلفاء الإقليميين مثل السعودية والإمارات ومصر.
العقوبات الاقتصادية : تجميد الأصول ، فرض قيود على التعاملات المالية ، وحرمان السودان من الدعم الدولي.
الدور العسكري والاستخباراتي : دعم بعض القوى عسكريًا أو فرض حصار جوي أو مراقبة التحركات الميدانية عبر الأقمار الصناعية.
استخدام النفوذ الإنساني والإغاثي : ربط المساعدات بوقف الحرب أو الدخول في مفاوضات.
ثانيًا : هل السياسة الأمريكية ستستمر في استهداف الجماعات الإسلامية؟
منذ سنوات ، تتبع الولايات المتحدة استراتيجية قائمة على محاربة الجماعات الإسلامية المسلحة ، تماشيًا مع مصالحها الأمنية وتنسيقها مع إسرائيل في المنطقة. وهذا يطرح السؤال : هل ستمتد هذه السياسة إلى السودان لتصفية أي وجود للإسلاميين ، أم أنها ستظل تُدير المشهد عبر تفاهمات مع القوى المسيطرة؟ .
إذا قررت واشنطن تبنّي نهج المواجهة الصريحة ضد القوى الإسلامية في السودان ، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد جديد يفتح البلاد على احتمالات حرب أكثر تعقيدًا.
في المقابل ، قد تفضل سياسة الاحتواء ، بمعنى توظيف الإسلاميين كجزء من أي تسوية سياسية ، كما فعلت مع بعض الأنظمة الأخرى في المنطقة.
موقف القوى المدنية السودانية من هذه الاستراتيجية سيحدد مدى قربها أو بعدها عن واشنطن ، فهل ستنخرط القوى المدنية في أجندة أمريكية تستهدف تصفية الإسلاميين ، أم ستبحث عن توازن استراتيجي أكثر استقلالية؟ .
ثالثًا : هل تستطيع القوى المدنية تشكيل تحالف موثوق مع واشنطن؟ .
حتى الآن ، تواجه القوى المدنية السودانية تحديات داخلية كبيرة تعرقل قدرتها على تشكيل تحالف سياسي موثوق مع الإدارة الأمريكية ، ومنها :
الانقسامات السياسية : تعدد الرؤى داخل القوى المدنية يجعل من الصعب تقديم موقف موحد.
افتقارها للنفوذ العسكري : على عكس الأطراف المتحاربة ، لا تمتلك القوى المدنية أذرعًا مسلحة يمكن أن تجعلها لاعبًا رئيسيًا في المعادلة الأمنية.
مدى استجابتها للأجندة الأمريكية : هل ستقبل هذه القوى أن تكون مجرد منفّذ للسياسات الأمريكية أم ستفرض أجندتها الخاصة؟ .
إذا أرادت القوى المدنية أن تكون حليفًا موثوقًا لواشنطن ، فعليها أن تثبت قدرتها على تحقيق الآتي :
تقديم رؤية سياسية واضحة تعكس مصالحها بوضوح دون الانجراف وراء أجندات خارجية.
الوحدة الداخلية ، فالتشرذم الحالي يجعلها ضعيفة وغير مؤهلة لقيادة المرحلة القادمة.
بناء تحالفات إقليمية ودولية توازن علاقتها مع الولايات المتحدة دون الارتهان الكامل لها.
هل تملك القوى المدنية الإجابة؟ .
يبقى السؤال الأهم وهو هل لدى القوى المدنية رؤية استراتيجية للتعامل مع الولايات المتحدة؟ أم أنها ستظل رهينة ردود الأفعال والانقسامات ، ما يجعلها لاعبًا ثانويًا في معادلة ترسمها قوى أخرى؟.
إن مستقبل السودان يعتمد بدرجة كبيرة على قدرة القوى المدنية على إعادة ترتيب صفوفها ، وتقديم نفسها كخيار جاد ، سواء للداخل السوداني أو للمجتمع الدولي ، فهل ستنجح في ذلك؟ .
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة